< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/07/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- موارد أخرى لتقديم بعض الأدلة على بعضها الآخر - تعارض الادلة.

ورب قائل يقول إنَّ الاحتمالات لا تنحصر بالخمسة المتقدمة حتى إذا بطلت لزم تساقط الدليلين المتعارضين عن الحجية وإنما يوجد احتمال سادس:- وهو أن يكون كل واحدٍ من الدليلين المتعارضين حجة بشرط كذب الآخر، فالأول حجة إن كان الثاني كاذباً والثاني حجة إن كان الأول كاذباً، وعلى هذا الأساس لا يلزم جعل الحجية لكليهما معاً حتى يقال نحن نعلم بكذب أحدهما وإنما الحجية ثابتة لكل واحدٍ منهما بشرط كذب الآخر.

وقبل أن نجيب عن امكان الالتزام بهذا الاحتمال قد يقول قائل:- حتى لو فرضنا صحة هذا الاحتمال ولكنه لا يجدي نفعاً لأنَّ الكاذب منهما لا نعرفه، وعليه فيكون هذا الاحتمال موهوناً في حدّ نفسه لأنه لا يجدي شيئاً حتى بنحث بعد ذلك عن كونه مقبولاً أو ليس بمقبول.

ولكن نفول:- هناك ثمرة لهذا الاحتمال وهي نفي الاحتمال الثالث، فإذا كان أحد الخبرين يقول بالوجوب والثاني يقول بالكراهة فحينئذٍ يوجد احتمالٌ ثالثٌ وهو الحرمة أو الاباحة مثلاً، فبناءً على وجاهة هذا الاحتمال وتماميته يمكن من خلاله نفي الاحتمال الثالث - وهو الحرمة أو الكراهة أو الاباحة - وعليه فجعل الحجية لأحدهما بشرط كذب الآخر له هذه الفائدة.

وحينئذٍ نسأل ونقول:- هل هذا الاحتمال مقبول في حدّ نفسه أو ليس بمقبول؟

والجواب:- لا يبعد وجاهته إلا أنه مبني كسائر الاحتمالات المتقدّمة على أساسٍ فاسد وإذا فسد الأساس فسد كل ما ترتّب عليه، والأساس الفاسد هو أنَّ كل ما ذكر من احتمالاتٍ مبني على كون دليل حجية الأمارة هو دليلٌ لفظي، فإنه إذا قلنا بكون دليل حجية الامارة هو دليل لفظي من قبيل آية النبأ أو ما شاكلها فسوف يأتي هذه الاحتمالات وأنه أي واحدٍ منها هو الصحيح وماذا يترتب على كل واحدٍ منها، ولكن من الواضح أنَّ المدرك الصحيح لحجية الأمارة - كما تقدم في مبحث حجية الامارات - هو السيرة القطعية وهي دليل لبّي وليس دليلاً لفظياً، فإذا كان المدرك لبّياً - وهو السيرة - فحينئذٍ يقال إنَّ السيرة ليس لها اطلاق لأنها لست دليلياً لفظياً فلا تشملهما معاً كما لا تشمل أحدهما دون الآخر لنفس النكتة، وفي مثل هذه الحالة التي يفترض فيها المعارضة بين الدليلين تكون السيرة قاصرة عن شمولهما معاً وعن شمول احدهما دون الآخر فإنَّ العقلاء يفعلون ذلك فإنهم يأخذون بالأمارة فيما إذا لم يكن هناك معارضٌ في البين، أما إذا وجد المعارض في البين فلا يأخذون بالدليلين المتعارضين معاً كما لا يأخذون بأحدهما بعد فرض وجود المعارض فإنَّ الأخذ بكليهما أو باحدهما جميعه باطل.

والخلاصة:- مادام المدرك لحجية الأمارة هو دليل لبّي فكل هذا الكلام لا يأتي وإنما هو يأتي بناءً على كون دليل حجيتها لفظياً، والمفروض أنَّ الصحيح هو أنَّ دليلها لبّي وهو السيرة.

هل يمكن نفي الاحتمال الثالث؟

إنَّ المقصود من هذا العنوان هو أنه بعد أن سلّمنا بعدم حجية المتعارضين في اثبات مدلولههما المطابقي نقول هل يمكن نفي الاحتمال الثالث من خلالهما؟، فمثلاً لو كان عندنا روايتان متعارضتان احداهما تدل على وجوب صلاة الجمعة في زمن الغيبة والأخرى تدل على حرمتها فهنا لا يمكن الأخذ بكلتا الأمارتين لفرض تعارضهما وإلا يلزم أن تصير صلاة الجمعة واجبة وحرام فهنا الأمارة تكون ساقطة في مدلولها المطابقي، ولكن هل يمكن من خلال هاتين الامارتين - الامارة الأولى الدالة على الوجوب أو الأمارة الثانية الدالة على الحرمة - نفي الاحتمال الثالث - أعني مثل الاستحباب - أو لا يمكن ذلك؟

والجواب:- وقع فيه كلامٌ بين الأصوليين وقد تذكر ثلاثة وجوه لاثبات جواز ذلك:-

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo