< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/08/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- موارد أخرى لتقديم بعض الأدلة على بعضها الآخر - تعارض الادلة.

حكم التعارض على مقتضى القاعدة الثانوية:-

ذكرنا في بداية بحثنا عن التعارض أنَّ البحث عن الحديثين المتعارضين تارةً يكون بلحاظ ما تقتضية القاعدة الأولية أي بقطع النظر عن الروايات العلاجية التي تعالج الاخبار المتعارضة وقلنا إنَّ المناسب هو التساقط، لأنَّه بعد فرض تعارضهما يكون شمول دليل الحجية لكيلهما غير ممكن، وشموله لأحدهما دون الآخر من دون مرجح، والآن نتكلم عمّا تقتضيه القاعدة الثانوية في المتعارضين، والمقصود من القاعدة الثانوية أي بلحاظ الاخبار العلاجية الواردة في المتعارضين، وفي هذا المجال وقع الخلاف بين الاعلام، فهناك رأيان:-

الأول:- القول بالتخيير، وهو ما ذهب إليه الشيخ الخراساني(قده) في كفايته، يعني أنه لم يُعِر أهميةً للمرجحات، فأحد الخبرين المتعارضين وإن اشتمل على مرجح على الآخر ولكن هذا لا يؤثر بل الحكم هو الخيير[1] .

الثاني:- لزوم اعمال المرجحات، وقد ذهب إليه جماعة.

ثم إنه على الرأي الذي يقول بلزوم اعمال المرجحات لو فرض وجود التساوي في المرجّحات ماذا نصنع في مثل هذه الحالة فهل الحكم هو التخيير أو التساقط أو لزوم الاحتياط أو التوقف أو غير ذلك من الاحتمالات؟ هذه قضية قد تبحث من هذه الناحية أيضاً.

ثم إنه بعد فرض التساوي بين الخبرين المتعارضين لماذا تتعدد هذه الاحتمالات وما هو المنشأ لها؟

إنَّ المنشأ هو اختلاف نفس الاخبار العلاجية، فعند تساوي الروايتين المتعارضيتن في المرجّح ففي بعض الاخبار العلاجية حكم الامام عليه السلام بالتخيير، وفي بعضها الآخر حكم بالتوقف وقال ( حتى تلقى إمامك )، وفي بعضٍ ثالثٍ قال شيئاً آخر.

ثم إنه هناك كلام وهو أنَّ الخبر المخالف للكتاب الكريم هل هو ساقطٌ عن الحجية رأساً أو هو ساقطٌ عند المعارضة بغيره؟، فهل معارضة المخالف للكتاب بالموافق للكتاب توجب سقوطه عن الاعتبار أو أنَّ المخالف للكتاب هو في حدّ نفسه ساقطٌ عن الاعتبار؟

إنَّ هذه قضية اختلفت فيها الروايات أيضاً، فبعضها يقول كل خبرٍ إذا كان مخالفاً للكتاب لا يجوز الأخذ به، فكأن شرط جواز الأخذ بالخبر هو عدم المخالفة للكتاب الكريم، بينما بعضها الآخر يقول عند المعارضة بين الخبرين - لا مطلقاً - يطرح المخالف للكتاب ويؤخذ بالموافق.

وعلى أيَّ حال الاخبار العلاجية هي في حدّ نفسها مختلفة ومتعارضة، ولا بأس أن نذكر أولاً بعض الروايات الناظرة إلى جواز الأخذ بالخبر إذا لم يكن مخالفاً للكتاب أو السنَّة القطعية سواء كان له معارض أو ليس له معارض فكأن شرط الأخذ بالخبر هو عدم مخالفته للكتاب أو السنَّة، ثم نذكر الطائفة الاخرى الدالة على أنَّ المدار على ملاحظة المعارضة فإن تحققت المعارضة بين الخبرين قدّم الموافق للكتاب على المخالف له لا أنه يطرح المخالف ولو لم يكن معارَضاً بخبرٍ آخر.

فإذاً تبين أنَّ هناك لسانين من الروايات أحدهما يدل على أنَّ كل خبرٍ حتى إذا لم يكن معارضاً للكتاب عليك أن تعرضه على الكتاب فإن كان مخالفاً له فاطرحه وإن لم يكن مخالفاً له فاعمل به، ولنصطلح على هذه الروايات بأخبار العَرض، يعني أنَّ كل خبرٍ لابد وأن يعرض على الكتاب الكريم فإن كان مخالفاً له طرح وإن يكن له مخالفاً له أخذ به، وثانيهما يدل على أنه عند وجود المعارض للخبر خذ بالخبر الموافق للكتاب واطرح المخالف له، فشرط طرح المخالف للكتاب هو وجود الخبر المعارض وأما إذا لم يوجد له خبر معارض فلا يطرح وإن كان مخالفاً للكتاب الكريم، ولنصطلح على هذه الطائفة بالاخبار العلاجية.

فإذاً يوجد عندنا أخبارُ عرضٍ - أي عرضٌ مطلقاً على الكتاب الكريم سواءٌ كان له معارض أو لا فإن كان مخالفا ًللكتاب طرح وإن لم يكن له معارض- كما توجد عندنا اخبار علاجية - يعني أنها تعالج المتعارضين - فإذا كان يوجد معارض فحينئذٍ يعرض على الكتاب.

وأولاً نتحدث عن اخبار العرض:-

أما أخبار العرض هي قد وردت بلسانين:-

اللسان الأول:- ما دل على اعتبار أن يكون الخبر واجداً لشاهدٍ من كتاب الله عزَّ وجل، كرواية عبد الله بن أبي يعفور قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم لا نثق به، قال:- إذا ورد عليكم حديث فوجدتم عليه شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا فالذي جاءكم به أولى به )[2] .

أما سندها:- فقد وراها الشيخ الكليني ( عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن محمد عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن عبد الله بن أبي يعفور )، ومحمد بن يحيى فهو العطار الذي يروي عنه الكليني كثيراً وقد يقال إنّض رواية الكليني عنه كثيراً يدل على وثقاته مضافاً إلى أنه قد وثّق، وأما بقية السند فهم معتبرون إلا عبد الله بن محمد حيث لم يرد في حقه توثيق.

وأما دلالتها:- فيقال إنها حتى لو تمت سنداً إلا أنَّ مضمونها لا يمكن قبوله إذ يلزم منه محاذير كثيرة:-

الحذور الأول:- يلزم إلغاء الكثير من الاخبار وسقوطها عن الاعتبار، من قبيل الروايات الدالة على احكام الشكوك في الصلاة؛ إذ من المعلوم أنَّ مسألة الشك في عدد الركعات الصلاة أو ما شاكلها لم يذكر في كتاب الله العزيز فيلزم طرح هذه الأخبار، والالتزام بذلك شيءٌ صعب.

المحذور الثاني:- إنه يلزم سقوط جميع الاخبار عن الحجية، فإنه إذا لم يكن على الخبر شاهد من الكتاب الكريم فهذا القسم يكون ساقطاً عن الحجية، كما أنَّ الذي عليه شاهد من الكتاب يكون ساقطاً عن الحجية أيضاً لأنه يكفينا الكتاب الكريم آنذاك، إذ مادام يوجد اطلاق أو عموم في الكتاب الكريم فسوف نأخذ به ولا نحتاج حينئذٍ إلى الخبر، وعليه فسوف تسقط جميع الاخبار عن الحجية.

المحذور الثالث:- إنَّ نفس هذه الطائفة لا يمكن أن نثبت حجيتها ولا يمكن أن نعمل بها إذ ليس عليها شاهد من كتاب الله عزّ وجل فهي تردّ نفسها بنفسها، لأنها تشترط في جواز العمل بالخبر أن يكون عليه شاهد من كتاب الله، وهي ليس عليها شاهد من الكتاب الكريم فيلزم أن تكون ساقطة عن الاعتبار، وعليه فلا يمكن الأخذ بهذه الطائفة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo