< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/08/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- أمورٌ جانبيةٌ في مجال حجية الخبر - تعارض الادلة.

الأمر الرابع:- هل المدار في موافقة احد الخبرين للكتاب الكريم الموجبة للأحذ به أو المخالفة له الموجبة لردّه على الموافقة والمخالفة لألفاظ الكتاب الكريم أو على الموافقة والمخالفة لروحه بقطع النظر عن ألفاظه؟، فربما يأتي خبر في بعض الموارد مضومنه لا يخالف ألفاظ الكتاب الكريم ولكنه يخالف روحه فالمدار على ماذا؟

ولتوضيح الفكرة نذكر مثالاً توضيحياً:- وهو أنه وردت بعض الروايات تقول إنَّ بعض الأقوام كانوا حيّاً من الجنِّ فكشف الله عنهم الغطاء، فإذا أردنا أن ندّعي أنَّ هذه الروايات مخالفة للكتاب الكريم فإذا كان المدار في المخالفة على مخالفة ألفاظه فلا توجد آية تدل بألفاظها على بطلان هذا المضمون، ولكن إذا كان المدار في المخالفة على روح الكتاب الكريم فيمكن أن يقال إنَّ هذه الروايات مخالفة لروح الكتاب الكريم فإنَّ الكتاب الكريم دلَّ بروحه على أنَّ الناس وجدوا من طريقٍ واحد وهو آدم وحواء ومنهم نشأت البشرية لا أن بعضهم كان من الجن، وهذا المعنى لا نستفيده من لفظ آيةٍ كريمة، فلا توجد آية كريمة تدل بلفظها على ذلك وإنما من يقرأ القرآن الكريم يفهم هذا المعنى. فهل المدار في المخالفة الموجبة لردّ الخبر على المخالفة لروح الكتاب أو المخالفة لالفاظه؟

والجواب:- لا يحتمل أن يكون المدار على الالفاظ بخصوصها بل المناسب أن يكون المدار على ما يدل عليه الكتاب الكريم وما يستفاد منه، فالخبر إذا كان مخالفاً لما يستفاد من الكتاب الكريم هو الذي يكون مردوداً، فليس المدار في المخالفة على المخالفة للألفاظ بل يكفي في المخالفة أن تكون مخالفةً لروح الكتاب الكريم وجوهره أما الالفاظ فهي دائماً ملحوظة بنحو المرآتية إلى المعنى، فالمعاني المستفادة هي الحقيقة التي ينبغي مراعاتها دون الالفاظ فإنَّ النظر إلى الالفاظ هو نظرٌ مرآتي، وتوجد رواية في هذا المجال رواها العياشي كما رواها الطبرسي في الاحتجاج ربما يستفاد منها ذلك، وهي رواية الحسن بن الجهم عن الامام الرضا عليه السلام قال:- ( قلت له تجيئنا الاحاديث عنكم مختلفة، فقال:- ما جاءك عنا فقس على كتبا الله عز وجل واحاديثنا فإن كان يشبههما فهو منا وإن لم يكن يشتببهما فليس منّا )[1] ، والشاهد هو قوله عليه السلام:- ( ما جاءك عنّا فقس على كتاب الله واحاديثنا فإن كان يشبههما )، يعني أنَّ مضامينه ليست مضامين مختلفة ومتنافية وإنما كان يوجد تلاؤم بينها، وهذا يدل على أنَّ المدار ليس على الالفاظ وإنما على الروح والجوهر، ودلالة هذه الرواية على ذلك واضحة.

نعم هي ورادة في احاديث اهل البيت عليهم السلام، لأنَّ الامام عليه السلام قال له ما جاءك عنّا فقسه على الاحاديث الأخرى ونحن كلامنا في الاحاديث بالنسبة إلى القرآن الكريم، وعليه فهذه الرواية تصلح أن تكون مؤيداً لا دليلاً على المطلوب، فإنه إذا كان في باب الاحاديث المدار على المشابهه للروح وليس المشابهة للألفاظ فمن المناسب أن يكون هو ذلك في الكتاب الكريم أيضاً.

الأمر الخامس:- ورد في صحيحة هشام عن أبي عبد الله عليه قال:- ( خطب النبي صلى الله عليه وآله بمنى فقال:- أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم اقله )[2] .

إنَّ هذا الحديث يدل على أنَّ المدار في قبول احاديث النبي صلى الله عليه وآله التي ينقلها الرواة على مشابهتها لروح الكتاب الكريم وقواعده، فما كان مشابهاً لها يؤخذ به وما كان مخالفاً لها يطرح، والنبي صلى الله عليه وآله لم يأخذ السند في الحساب وأنه لابد أن يكون معتبراً وإنما أخذ المضمون فقط.

وهنا يأتي تساؤل:- وهو أنه هل المدار في قبول الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله على مشابهته لروح الكتاب الكريم بقطع النظر عن سنده أو أنَّ مقصوده ذكر هذا كشرط ثانٍ في قبول الاحاديث المروية عنه فهو يريد أن يضيف شرطاً جديداً وهو المشابهة لروح الكتاب وأما الشرط الأول - وهو اعتبار السند - فلم يذكره لوضوحه؟

والجواب:- المناسب أن يكون السند معتبراً، وبعبارة أخرى إنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد أن يضيف شيئاً جديداً على السند وإلا لو أتى شخصٌ كاذبٌ وروى عن النبي صلى الله عليه وآله فهل يحتمل هنا أن يكون المدار في قبول روايته على الموافقة لروح الكتاب الكريم فقط؟!!، فإذاً هو يريد أن يقول إنه إضافةً إلى مسألة السند التي لم اشر إليها لأنها قضية عقلائية واضحة هناك شرطٌ اضافيٌ ثانٍ وهو أن تكون الروح التي يطرحها الحديث المنقول عني يشابه روح الكتاب الكريم، فالمناسب أن يكون المقصود هو هذا وليس هو طرح السند والأخذ بالمشابهة في الروح فقط دون النظر إلى سنده. فإذاً السند حالة الشك معتبرٌ وحينئذٍ يكون المشابهة لروح الكتاب الكريم شرطٌ اضافي لا أنه شرطٌ بمفرده.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo