< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/08/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ان ما يدفعه الذمّي خمس اصطلاحي أو عُشران؟ / خمس الارض التي اشتراها الذمّي/ كتاب الخمس

أقول: تعليقاً على كل ما تقدّم:

أولاً: جاء في كتب الشيخ رحمه الله النهاية[1] والمبسوط[2] : (الذمّي اذا اشترى من مسلم ارضاً وجب عليه فيها الخمس)

فالأرض هنا مطلقة للزراعة وغيرها والعشرية وغيرها والعبارة محتملة لوجوب الخمس في العين أو في حاصلها, وليست نصّاً في خمس العين.

لكن عبارة الشيخ في الخلاف تريد معنى آخر: من الخمس وهو الخمس في ناتج الأرض الزراعية التي اشتراها الذمّي اذ العبارة هكذا: «اذا اشترى الذمّي أرضاً عشرية وجب عليه فيها الخمس وبه قال ابو يوسف, فانه قال: عليه فيها عشران, وقال عليه عشر واحد وقال ابو حنيفة تنقلب خراجية, وقال الشافعي لا عشر ولا خراج...»[3]

اذن المراد من الارض التي ذكرها في النهاية والمبسوط والذي قال فيها الخمس اذا اشتراها الذمّي من مسلم هي الارض العشرية «لا كلّ ارض» وهي التي يؤخذ من ناتجها العشر زكاة أو خراجاً فالمنظور الضريبة التي تؤخذ على ناتج الارض, فاذا اشتراها الذمّي تتضاعف الضريبة وتصبح خمس الناتج بدل عشرهِ ويكون هذا الارتفاع نحو جزية عليه واجرة على الارض.

ولذا لم يعبّر في كلام الشيخ الطوسي رحمه الله: انّ عليه خمس الأرض, بل قال عليه فيها الخمس وهو على وزن عليه فيها العشر أو عليه فيها الخراج الذي يراد به ما يؤخذ من ناتج الأرض.

ثانياً: لم يذكر ان الارض التي يشتريها الذمّي فيها الخمس في كلمات القدماء.

ثالثاً: ان المراجع للمسألة في فقه اهل السنّة يجد ان جذور هذه الفتوى وهي «أنّ الأرض العشرية (التي فيها الزكاة) اذا اشتراها الذمّي ضوعِف عليه العشر فيؤخذ من الخمس هي من عمل الخلفاء, ولم تكن من مختصات الامام مالك الذي استشكل بانه كان في زمن الامام الباقر عليه السلام وسنّه ثمانية عشر عاماً ولم يكن صاحب فتوى ورأي وشهرة حين صدور الرواية. وهذه الفتوى هي قول الأحناف حيث عزاه ابو عبيدة في كتاب الاموال الى ابي يوسف, وامّا مالك فكان يقول: انّ الذمّي يؤمر ببيع الأرض, لان ذلك يكون ابطالاً للصدقة.

رابعاً: ثم لو كان ظهور صحيحة أبي عبيدة في وجوب دفع خمس الأرض على الذمّي فهي ليست موافقة لأهل السنة حتى تحمل على التقيّة, حيث انهم لا يقولون بذلك, انما يقول بعضهم بوجوب أخذ العُشريَنِ (الخمس من ناتج الارض) ولو فرضنا ان الصحيحة دالّة على اخذ خمس الناتج فتكون خارجة عن بحث الخمس ومرتبطة ببحث الجزية

والخراج وحينئذٍ لا تكون مستغربة لكي تحمل على التقيّة.

خامساً: لو قلنا: ان الصحيحة دالّة على وجوب دفع خمس الأرض على الذمّي فهي لا تتعارض مع روايات حصر الخمس في الأصناف الخمسة[4] (الغنيمة والمعدن والكنز والغوص والملاحة) أو في بعض الروايات ان ابن ابي عمير نسي الخامس. لانّ الروايات الحاصرة للخمس في خمسة اشياء تخصّص بهذا المورد كما خصّصت بمورد ارباح المكاسب فانه أيضاً لم يرد في روايات الحصر.

سادساً: نمنع من ظهور صحيحة ابي عبيدة الحذّاء فيما إستفاده مشهور المتأخرين من وجوب الخمس الاصطلاحي على الارض التي يشتريها الذمّي من المسلم وذلك:

1ـ ان قوله في الصحيحة: «ان عليه الخمس»[5] حذف منه متعلق الخمس فهل هو الارض ام هو نتاجها, وكلا المعنيين ينسجم معها, فكما يصح ان يكون متعلق الخمس هو الارض, يصح ان يكون متعلق الخمس هو ناتج الأرض, فلا ظهور في كون المراد الخمس الاصطلاحي من الارض.

بل نقول: ان هذا التعبير ينسجم مع كون المراد خمس ناتج الارض, فنفس هذه التركيب «عليه الخمس» وارد في باب الزكاة «عليه العشر»[6] «عليه نصف العشر»[7] .

2ـ ان الخمس الاصطلاحي منصرف من كلمة الخمس الاّ ان هذا الانصراف يكون في مورد الفائدة والغُنْم, فاذا جاءت كلمة الخمس في الفائدة فينصرف منها الخمس الاصطلاحي, امّا هنا فالخمس على عوض المال الذي دفعه الى البائع وهذا العوض ليس فائدة أو ربحاً فكلمة الخمس لا يراد منها الخمس الاصطلاحي وهذا قلناه في الحرام المختلط بالحلال أيضاً.

بل نقول: ان الصحيحة لابد من حملها على خمس ناتج الارض وذلك: لتصريح جملة من رواياتنا الواردة في احكام اهل الذمّة بذلك والجمع بينها وبين صحيحة الحذّاء بجعل المراد من الخمس هو خمس ناتج الأرض لا خمس الأرض.

واليك التوضيح: ان صحيحة محمد بن مسلم التي نقلها الكليني والصدوق بسندين صحيحين عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن محمد بن مسلم كما ينقلها الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار عن الكليني كما يرويها علي بن ابراهيم في تفسيره بسند صحيح عن حماد بن عيس عن حريز عن زرارة عن محمد بن مسلم, فقد ورد

فيها: قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام ارأيت ما يأخذ هؤلاء من هذا الخمس من أرض الجزية, ويأخذون من الدهاقين جزية رؤوسهم اما عليهم في ذلك شيء موظف؟ فقال عليه السلام: كان عليهم ما اجازوا على انفسهم وليس للإمام

اكثر من الجزية ان شاء الامام وضع ذلك على رؤوسهم وليس على اموالهم شيء, وان شاء فعلى اموالهم وليس على رؤوسهم شيء.

فقلت: فهذا الخمس؟

فقال عليه السلام: انما هذا شيء كان صالحهم عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)[8] .

اذن هذا النص الصحيح يقول:

1ـ ان هؤلاء (اي اهل السنة) كانوا يأخذون الخمس من ارض الجزية, وكانوا يأخذون من الدهاقين جزية رؤوسهم.

2ـ واجاب الامام عليه السلام: ان اهل الذمّة ليس عليهم اكثر من الجزية, فقسم قالوا نعطي الجزية من الحاصل, وقسم قالوا نعطي على الرؤوس فالامام مخيّر بين وضع الجزية على الحاصل الزراعي وبين الجزية على الرؤوس.

3ـ امّا الخمس الذي يؤخذ من اراضيهم, انما قد صالحهم عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله), فالأرض الخراجية يدفع عشرها خراجاً وعشرها جزية فصار خمساً.

اذن الخمس الذي يأخذه الخلفاء أو حتىّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ارض الجزية هو خمس من حاصل الأرض وليس خمس الارض الاصطلاحي, وهو واضح من كلام الامام عليه السلام ايضاً.

وقد ورد في بعض الروايات عن الأئمة سلام الله عليهم ان بني تغلب أنِفوا من الجزية وسألوا عمر أنْ يعفيهم فخشي ان يلحقوا بالروم, فصالحهم على انْ صرف ذلك عن رؤوسهم وضاعف عليهم الصدقة, فعليهم ما صالحوا عليه ورضوا به الى انْ يظهر الحقّ[9] .

وهذه الرواية مروية عن الامام الرضا عليه السلام وكأنه قد أقَرَّ ما عمله الخليفة الثاني من مضاعفة الصدقة (الزكاة) واعفائم عن الجزية, ويكفي الصحيحة التي تقدّمت لمحمد بن مسلم التي نسبت الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه صالحهم على ذلك.

نعم بما ان سائر الاراضي التي بيد اهل الكتاب هي ارض خراجية, فهي يؤخذ منها خمس الحاصل بعنوان الجزية فجاءت صحيحة ابي عبيدة الحذّاء في خصوص الارض التي اشتراها الذمّي من المسلم, فايضاً قالت بالخمس الاّ ان المراد هو الخمس الذي يكون جزية (بمعنى تضاعفت الصدقة من اجل الجزية على الحاصل) فليس المراد الخمس

الاصطلاحي على الفوائد, فلاحظ.

اذن الارض التي يشتريها الذمّي من المسلم «اذا نظرنا الى صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة» يفهم منها الحاق

الارض المشتراة من المسلم بسائر اراضي الصدقة والجزية من حيث أخذ الخمس (العُشْرَينِ).

ويؤيّد هذا الفهم خلوّ روايات الخمس المصطلح (للغنيمة والغوص والمعدن والكنز والملح) عن ذكر هذا الخمس نعم ذكرت الروايات خمسة موارد للخمس وأُلحق بها ارباح المكاسب فصارت ستة امّا هذا المورد لم يذكر في روايات الخمس الاصطلاحي, كما ان الحرام المختلط بالحلال الذي ذكرت ان فيه الخمس قد استشكلنا فيه من باب ان الخمس فيما يملك ويصدق عليه انه غنيمة, امّا مال الغير الذي هو حرام واختلط مع مالي فقد قلنا انه لا نجزم بكون الخمس الوارد فيه هو الخمس الاصطلاحي وان ذهب اليه الاكثر.

اذن نحن نخالف في هذه المسألة, ونقول بعدم وجود خمس اصطلاحي, بل المراد خمس حاصل الارض الخراجية الزراعية التي فيها العشر, والعشر الثاني هو أُجرة الأرض الخراجية أو جزية, فلاحظ.

ولنا ان نقول: ان الارض الخراجية اذا وضعَت بيد الذمّي فيجب عليه الخراج وليكن عشراً ويجب عليه الجزية اذا صالح على الجزية في الحاصل بعشر واذا كان قد زرعها حنطة أو شعيراً أو غرسها عنباً أو تمراً فعليه زكاة أيضاً فالأرض قد يزرعها بغير ما يجب فيه الزكاة, فعليه طسقها وهو الأجرة للأرض الخراجية.

كما عليه الجزية اذا رضي ان تكون الجزية في الحاصل وليكن عشراً ايضاً فان زرعها ما يجب فيه الزكاة فعليه العشر أيضاً لأنه مكلّف بالفروع حسب رأي المشهور والمنصور فصار عليه ثلاثة اعشار, فلاحظ.

ولكن نقول: ان العشر الثالث للزكاة غير صحيح وذلك لأننا وان قلنا ان الكافر مكلّف بالفروع الاّ انه اذا اعطى الجزية يجاز له ان يعتد بها فيه ويعمل على وفق دينه ومن احكام دينه انه لا يدفع زكاة ولا يعتقد بها فاذا دفع الجزية سقطت الزكاة.

 


[1] النهاية للشيخ الطوسي: 197.
[2] المبسوط للشيخ الطوسي: 237.
[3] الخلاف للشيخ الطوسي: 1: 300.
[4] مثل مرسلة ابن ابي عمير وسائل باب2 ممّا يجب فيه الخمس ح2 ومرسل احمد بن محمد وسائل باب2 مما يجب فيه الخمس ح11 ومرسلة حمّاد وسائل باب2 مما يجب فيه الخمس ح4.
[5] لاحظ في هذه الرواية كلمة (فيها) نعم كلمة (فيها) موجودة في كلام الخلاف وهي محتملة للوجهين.
[6] كصحيح زرارة وسائل الشيعة للحر العاملي، باب4 من ابواب زكاة الغلات ح5.
[7] كصحيح زرارة وبكير وسائل الشيعة للحر العاملي، باب1 من ابواب زكاة الغلات ح5 وح8 وب4 ح2.
[8] وسائل الشيعة للحر العاملي، باب68 من جهاد العدو ح2.
[9] وسائل الشيعة للحر العاملي، باب68 من جهاد العدو ح6.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo