< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحج/شرائط وجوب حجة الإسلام /الحج البذلي

 

«مسألة 34 : إذا لم يكن له زاد وراحلة ولكن قيل له: حجّ وعلىّ نفقتك ونفقة عيالك، وجب عليه؛ وكذا لو قال: حجّ بهذا المال، وكان كافياً له ذهاباً وإياباً ولعياله، فتحصل الاستطاعة ببذل النفقة، كما تحصل بملكها؛ من غير فرق بين أن يبيحها له أو يملّكها إيّاه، ولا بين أن يبذل عينها أو ثمنها، ولا بين أن يكون البذل واجبا عليه بنذر أو يمين أو نحوهما أو لا، ولا بين كون الباذل موثوقا به أو لا على الأقوى، والقول بالاختصاص بصورة التمليك ضعيف، كالقول بالاختصاص بما إذا وجب عليه أو بأحد الأمرين من التمليك أو الوجوب وكذا القول بالاختصاص بما إذا كان موثوقا به، كل ذلك لصدق الاستطاعة ... »

قال صاحب العروة (رحمه الله): اذا بُذلت له الزاد والراحلة وحتى نفقة عياله، يجب عليه الحج. وكذا لو قال له حُجّ بهذا المال أي ملّكه المال بشرط الحج وكان المال كافيا ذهابا و ايابا ولعياله. فتحصل الاستطاعة في هذين الموردين اما ببذل النفقة واما بملكها، من غير فرق بين أن يبح له المال أو يملّكه بشرط الحج.

هذه المسألة واضحة وتدل عليها روايات كثيرة:

منها صحيحة العلاء ... قلت لأبي جعفر عليه السلام قوله تعالى : (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال: يكون له ما يحج به قلت: فإن عرض عليه الحج فاستحيا؟ قال : هو ممن يستطيع الحج ولم يستحي ولو على حمار أجدع أبتر قال : فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليفعل .

منها صحيحة محمد بن مسلم على ما رواه الشيخ الطوسي باسناده عن موسى بن القاسم بن معاوية بن وهب عن صفوان عن العلا بن زرين عن محمد بن مسلم قلت لأبي جعفر عليه السلام ... فإن عرض عليه الحج فاستحيا ؟ قال: هو ممن يستطيع الحج ولم يستحي ولو على حمار أجذع أبتر قال: فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليفعل.

«ولو على حمار أجذع أبتر» بمعنى أنه وجب عليه الحج واستطاع واستقر في ذمته فيجب أن يحج بعد ذلك ولو على حمار أجذع، لا أنه عرض عليه الحج على حمار أجذع أبتر بل عرض عليه الحج المتعارف فستحيا.

تنبيه حول سند هذه الصحيحة: قال المحقق الخوئي (قدس سره): روى صاحب الوسائل هذه الرواية بهذا السند: موسى بن القاسم بن معاوية عن صفوان، ولكن الموجود في نسخ التهذيب: موسى بن القاسم عن معاوية عن صفوان. والصحيح هو ما اثبته صاحب الوسائل لأن موسى بن القاسم من اصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام)، وصفوان من اصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام)، فيصح ان يروي احد اصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام) عن احد آخر من اصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام). اما اذا قلنا بما قاله التهذيب ـ موسى بن القاسم عن معاوية ـ فمعاوية من اصحاب الصادق (عليه السلام) وهو متقدّم ثم هو يروي عن صفوان الذي هو من اصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام)، فكيف يروي المتقدم عن المتأخر؟ كيف يمكن رواية من كان من أصحاب الصادق (عليه السلام) عن أصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام)؟ فاذن نقل احد من اصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام) عن احد من اصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام) معقول ولامانع منه.

منها صحيحة معاوية بن عمار ... وإن كان دعاه قوم ان يحجوه فاستحيا فلم يفعل فإنه لا يسعه إلا الخروج ولو على حمار أجذع أبتر ...

هذا المكلّف مستطيع، فيجب عليه الحج في العام المقبل ولو متسكعاً على حمار أجذع.

وربّما يقال لا مجال للعمل بهذه الروايات الدالة على وجوب الحج بالبذل «اذا عرض عليه الحج فليذهب ولو على حمار أجذغ أبتر» لأنها تدلّ على الوجوب وان استلزم العسر والحرج وكان مخالفاً لشأنه أن يركب على حمار أجذع أو يضيق عليه ان يمشي بعضا ويركب بعضا. فكيف هذه الرويات تدل على وجوب الحج؟

وفيه: معنا الروايات أن من عرض عليه الحج المتعارف الذي من شأنه، فأبى ولم يفعل. فالروايات تدل على أنه مستطيع حينئذ، فيجب ان يذهب الى الحج في السنة القادمة ولو متسكعاً أو على حمار أجذع أبتر.

هذه المسألة واضحة و منصوصة لا تحتاج الى اجتهاد بل الاجتهاد يكون في امور اخرى التي لا نص فيه او في تفريعات النص مثلاً.

منها ما قاله ابن ادريس (رحمه الله): البذل الذي يفيد وجوب الحج هو البذل التمليكي ـ بأن يملّكه المال فيصرفه في الحج ـ وحينئذ لايجب قبول التمليك لأنه عقد لا يجب فيه القبول. ومجرد الاباحة وجواز التصرف بالمال، لا يوجب الحج.

وفيه: انّ النصوص مطلقة وتشمل صورة الاباحة، بل هي الاظهر من النصوص، لا يملّك الزاد والراحلة بل يباح له التصرف. الروايات اظهر في اباحة التصرف لا البذل التمليكي؛ «فان عرض عليه الحج» أو «دعاه قوم أن يحجوه» ظاهرة في الاباحة لا البذل التمليكي.

فقول ابن ادريس خلاف النصوص ونحن نخالفه في قوله أنّ البذل الذي يوجب الحج هو البذل التمليكي، بل الأمر عكس ذلك بأن بذل الاباحة هو الذي يوجب الحج.

تنبيه: الباذل اذا ملّك المال للمكلّف، لا يجب عليه القبول؛ لأن التمليك عقد ولا يجب فيه القبول ولم تحصل الاستطاعة بالتمليك من دون قبول، لأن الحج انما يجب على من يملك المال الكافي، لا على من يملك المال ومن يتمكن مِن حصول المال الكافي بالقبول. فلا يجب عليه القبول لو ملّلكه مالاً كافياً للحج ولا تحصل الاستطاعة حينئذ. اما اذا ملّكه المال الكافي لأجل ان يحج به أي ملّكه المال بشرط الحج، فلا يجب عليه الحج أيضاً لأن التمليك لم يتم ما لم يأتي القبول، ولا صحة لما قيل من أن القبول هنا يكون واجباً لأنه مقدمة للحج الواجب عقلاً أو شرعاً.

قال العلامة (رحمه الله) في التذكرة: لا يجب الحج بمطلق البذل بل يجب اذا كان البذل واجباً؛ مثل ما اذا نذر الباذل أن يبذل مقدار حجة لمسلم اذا شافى الله ولده. فالبذل اذ كان واجباً، يجب عليه الحج واذا كان البذل غير واجب لا يجب الحجّ على المبذول له، لأنه لا يمكن تعليق الواجب على غير الواجب.

وفيه: ناقشه السيد الخوئي (رحمه الله) بأن تعليق الواجب على غير الواجب في الأحكام كثير جدّاً، فإن وجوب قصر الصلاة معلّق على السفر المباح وكذا وجوب التمام ووجوب الصوم معلّق على الاقامة. فوجوب القصر والتمام وكذلك وجوب الصوم، معلّق على شيء مباح وهو السفر أو الاقامة. وكذلك وجوب الانفاق على الزوجة معلّق على النكاح الجائز في نفسه. وكذلك وجوب غسل الزوج والزوجة بعد المواقعة معلّق على النكاح الجائز وهكذا. فالقول «بعدم تعليق الواجب على غير الواجب»، غير صحيح لأن الكثير من الواجبات تأتي من الاشياء المباحة. فلا دليل على القول بوجوب الحج اذا كان البذل واجباً بل لا مانع من أن يكون البذل المباح موجباً للحج على الآخرين.

وكذلك لا دليل على القول باختصاص وجوب الحج على المبذول له بشرط عدم تراجع الباذل واستمراره في البذل، لأن حال المال المبذول كغيره محتمل للزوال؛ كما أن المال الموجود الموجب للاستطاعة قابل للزوال فكذلك حال المال المبذول. فلا دليل على اعتبار وجوب الحج على المبذول له بشرط الوثوق في عدم زوال البذل واستمراره. فلا يسقط الوجوب بظن تلف المال كما اذا كان المال ملكاً له.

نعم اذا اعتقد المبذول له أو كان واثقاً بعدم استمرار البذل (أي يعتقد بعدمه، لا ان يعتقد ببقاءه)، لم تتحقق الاستطاعة كما اذا بذل المريض مالاً لطبيبه اكرماً له والطبيب يعتقد عدم استمرار البذل لأنه سيفارق الحياة بسبب المرض وسوف يكون المال للورثة فلا يكون مالكاً حتى يتمكّن من البذل. فهنا لم تحقق الاستطاعة ولا يجب عليه الحج؛ لأن المبذول له يعتقد عدم استمرار البذل وحينئذ لم تتحقق الاستطاعة بسببه. وانما البذل هنا يكون مجرد صورة لا أنه حقيقي. فالمال المبذول حينئذ كالمعدوم المعلوم تلفه لا يوجب الحج من اول الأمر.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo