< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحج/شرائط وجوب حجة الإسلام /الحج البذلي مجزئ عن حجة الإسلام

 

(مسألة 39): لو أعطاه ما يكفيه للحج خمساً أو زكاة وشرط عليه أن يحجّ به فالظاهر الصحّة ووجوب الحجّ عليه إذا كان فقيراً أو كانت الزكاة من سهم سبيل الله.

تقدم في أنه ذكر المصنف (قدس سره) لو اُعطي للفقير ما يكفيه للحج خمساً أو زكاة وشرط عليه أن يحج به فالظاهر صحة الشرط ووجوب الحجّ عليه، وكذا اذا اعطي من الزكاة من سهم سبيل الله.

ولكن قال المحقق الخوئي (قدس سره) والمحقق الخميني (قدس سره) وغيرهم ونحن نقول أيضاً بأن هذا الشرط ليس بصحيح لعدم الولاية له على ذلك، ولا يصدق عليه عنوان «عرض عليه الحج» لبطلان الشرط. وإنّما يجب عليه اعطاء الخمس أو الزكاة إلى مستحقه وابراء ذمّته من الخمس أو الزكاة.

لكن قال السيد الحكيم (قدس سره) في المستمسك بأنه لو بني على بطلان الشرط أمكن أن يدعى الوجوب بلحاظ صدق العرض، فتشمله نصوص البذل، فيجب عليه الحج للاستطاعة البذليّة حينئذ.

وفيه: ان كان الشرط باطلا فهو كالعدم ولغوي، ومعه لا يصدق عليه عنوان «عرض عليه الحج».

وكذلك الكلام لو اعطاه من سهم سبيل الله وشرط عليه أن يحجّ به، بناء على أنه يجوز الاعطاء من سهم سبيل الله في كل طاعة ولا اختصاص له بالمصلحة العامة خلافاً للميرزا التبريزي (قدس سره). وأما لو فرض صحة شرط الحج هنا وحجّ المعطى، فإنّ هذا لم يجزِ عن حجة الاسلام، واذا تمكّن واستطاع بعد ذلك فيجب عليه الحج ثانياً؛ لأن هذه الحجة ليست حجة الاستطاعة الماليّة ولا الاستطاعة البذليّة، بل هذه كالحجة المنذورة والمشروطة في عقد لازم لا تجزئ عن حجة الاسلام.

(مسألة40): الحج البذلي مجزئ عن حجة الإسلام ، فلا يجب عليه إذا استطاع مالا بعد ذلك على الأقوى.

قال المصنف (قدس سره) بأن الحجّ البذلي مجزئ عن حجّة الإسلام حتى لو استطاع المبذول له بعد ذلك، فلا يجب عليه الحج ثانياً.

قال المحقق الخوئي (قدس سره) بأن المشهور والمعروف بين الأصحاب هو إجزاء الحجّ البذلي عن حجّة الإسلام ولا يحب عليه الحجّ ثانياً إذا استطاع مالًا بعد ذلك.

ولكن خالف الشيخ الطوسي (قدس سره) في الاستبصار فقال: يجب عليه الحج ثانياً اذا استطاع بعد ذلك لصحيحة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل لم يكن له مال فحجّ به أناس من أصحابه، أقضى حجّة الإسلام؟ قال: «نعم، فإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحجّ»، قلت: هل تكون حجّته تلك تامّة أو ناقصة إذا لم يكن حجّ من ماله؟ قال: «نعم، قضى عنه حجّة الإسلام وتكون تامّة وليست بناقصة، وإن أيسر فليحجّ»[1] . فالظاهر من قوله (عليه السلام) «فإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحجّ» أنه يجب عليه الحج ثانياً.

ثم ذكر (قدس سره) بعد ذلك في الاستبصار صحيحة معاوية بن عمار الدالّة على أن الحج البذلي مجزئ عن حجة الإسلام حيث قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل لم يكن له مال فحج به رجل من إخوانه هل يجزي ذلك عنه من حجة الاسلام أو هي ناقصة؟ قال: بل هي حجة تامة».

ولكن قال (قدس سره) في التهذيب: قوله عليه السلام «فإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحجّ»، يحمل على الاستحباب وخالف كلامه في الاستبصار.

ولذا قال المحقق الخوئي (قدس سره) بأن ظاهر ما ذكر في الاستبصار ليس صحيحاً لأن صحيحة معاوية بن عمار لم تدل على أن الحج البذلي صحيح وله ثواب فقط، بل انّما دلت على أن الحجّ البذلي هو حجّ صحيح، له ثواب ومجزئ عن حجة الإسلام. وعليه، ان كان دليل آخر على وجوب الحج على المبذول له فنلتزم بأنه يجب عليه الحج ثانياً.

ولكن هذا مما لا يمكن الالتزام به للنصوص الدالة على أن حجة الاسلام في العمر مرة واحدة ك صحيحة هشام بن سالم «وكلفهم حجّة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك». وكذا صحيحة جميل ابن دراج «في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجّه غيره ثمّ أصاب مالاً هل عليه الحج؟ فقال: يجزي عنهما جميعاً».

ويحتمل أن المراد من قوله (عليه السلام) «يجزي عنهما» هو اجزاء الحج عن المبذول له عن نفسه والحج عن نفسه اذا استطاع وأيسر بعد ذلك. ويحتمل مراده (عليه السلام) اجزاء الحج عن المنوب عنه وعن المبذول له، ولكن في مورد النيابة عن الحيّ العاجز فيجب على المنوب عنه الحج إذا شوفي من مرضه الذي دعاه لأخذ نائب لأن له استطاعة ماليّة فقط، لدليل آخر دال على عدم سقوط الحج عنه بالنيابة. بخلاف المبذول له فانه لا يجب عليه الحج ثانياً اذا أيسر، لعدم وجود دليل دال عليه.

فاذن صحيحة معاوية بن عمار دالة على أن الحجّ البذلي هو حجّ صحيح ومجزئ عن حجة الإسلام وحيث ان حجة الاسلام في العمر مرة واحدة، فقوله عليه السلام «فإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحجّ» يحمل على الاستحباب.

وكذا ذكر الميرزا التبريزي (قدس سره) بأنه لا يمكن الالتزام بما ذكر في الاستبصار لأن لو كان الحج البذلي غير حجة الإسلام فلا يجب علىه القبول ولا يجب عليه الخروج عند البذل، مع ان النصوص الصحيحة تدلّ على أنه يجب عليه القبول والخروج إن بذل له ما يحجّ به، فإن لم يخرج يستقر عليه الحج. وهذا معناه أن الحج البذلي هو الحجّ الواجب المجزي عن حجة الاسلام فلا يجب عليه الحج ثانياً بل يستحب عليه.

المناقشة في كلام المصنف والمحقق الخوئي والميرزا التبريزي

أمّا نحن نقول: تدل صحيحة معاوية بن عمار على ان حجة المبذول له صحيحة وفيها ثواب وهي حجة الاسلام، ولكن خلافاً للمحقق الخوئي (قدس سره) يوجد في المقام دليل آخر على أنه إن أيسر فيجب عليه الحج وهو صحيحة الفضل بن عبد الملك «فإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحجّ»، ولا معنى لحملها على الاستحباب بل هي ظاهرة في الوجوب لأمره عليه السلام بذلك.

وهذا مثل ما اذا لم يتمكّن المكلّف من الحج بنفسه لعدم القدرة والاستطاعة البدنيّة لمرض ـ كالشلل ـ وله الاستطاعة الماليّة، فيجب عليه الاستنابة حينئذ. فان تمكّن بعد ذلك مباشرة الحج بنفسه ـ كما اذا برئ من مرضه ـ يجب عليه الحجّ ثانياً ويأتي بحجة الإسلام لدليل آخر.

نعم الذي يقف أمام هذا الفهم من صحيحة الفضل بن عبد الملك هو أن المبذول له يكون مستطيعا بالبذل، والنصوص الصحيحة كصحيحة هشام بن سالم تدلّ على ان الحج الواجب مرة واحدة في العمر. وهذا من ضروريات الدين.

اذن يقع التعارض بين صحيحة معاوية بن عمار ـ الدالة على أن حجة المبذول له هي حجة الاسلام ـ وصحيحة الفضل بن عبد الملك ـ الدالة على أن إن أيسر فعليه الحج ـ ، والترجيح هنا لصحيحة معاوية بن عمّار؛ لا لأن صحيحة الفضل بن عبد الملك معرض عنها وموهونة عند الاصحاب ـ كما عن المستمسك ـ لاحتمال حملها على الاستحباب كما فعل ذلك العلماء في المقام، بل لأنها موافقة للشهرة الروائية والفتوائية وموافقة لقوله تعالى ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا﴾ لأن المبذول له يصبح بالبذل مستطيعا.

اذن حجة المبذول له هي حجة الإسلام لتحقق الاستطاعة بالبذل، لا أنها تجزي عن حجة السلام كما قال ذلك المصنف (قدس سره).


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo