الأستاذ الشيخ حسن الجواهري
بحث الفقه
45/05/10
بسم الله الرحمن الرحيم
(مسألة44): الظاهر أن ثمن الهدي على الباذل وأما الكفارات فإن أتى بموجبها عمدا اختيارا فعليه وإن أتى بها اضطرارا أو مع الجهل أو النسيان فيما لا فرق فيه بين العمد وغيره ففي كونه عليه أو على الباذل وجهان.
وقد توقّف (قدس سره) في الكفارات غير العمدية ـ وإن كانت قليلة لأن كفّارات الحج أكثرها في صورة العمد ـ كما اذا تمّ صيد حيوان في حالة الإضطرار أو نتيجة للجهل والنسيان بالحكم من دون اختيار، فهل هي على الباذل أو المبذول له؟
والشاهد على ذلك هو: إن جاء المبذول له بموجب عدد من الكفارات ولم يكن قادراً على دفع ثمنها، فإنه حينئذ لم يصدق عليه أنه غير مستطيع بسبب إتيانه بموجباتها، بل يكون مستطيعاً بالبذل وإن أتى بها.
فاذن تكون جميع الكفارات الإختياريّة وغير الإختياريّة على المبذول له، لانها ليست من نفقات وأعمال الحج، وصدر موجبها منه فهي عليه، لا على الباذل.
وذكر المصنف (قدس سره) بأن الظاهر كون ثمن الهدي على الباذل، لأنه نسك وجزء من أجزاء الحج، وعرض الحج إنما يتحقق بأن يبذل له تمام نفقات أعمال الحج بما في ذلك ثمن الهدي أيضاً، فلابد من بذله لتحقق الإستطاعة البذلية لمن يتعذّر عليه الهدي.
وربّما يقال بانه يوجد بدلاً آخر لثمن الهدي وهو صيام عشرة أيام؛ ﴿ثلاثة أيام في الحج وسبعة اذا رجعتم﴾، فلا يلزم عليه أن يبذل ثمن الهدي.
وكذا في الاستطاعة المالية لابد وأن يكون المستطيع فيها متمكناً من ثمن الهدي من أول الأمر، ومن لم يكن متمكناً منه من أوّل الأمر فلا يكون مستطيعاً لأنه لم يتمكن من أن يأتي بجميع أفعال الحج ومن جملتها ثمن الهدي. فيختص قوله «ما يحج به» أو «يقدر على أن يحج» أو «يجد ما يحج به» بما اذا ملك بمقدار ما يفي لتمام مصاريف الحج حتى الهدي.
وبالجملة لابد من وجود ثمن الهدي لتحقق الاستطاعة البذلية والمالية، فاذا كان البذل غير واجد لثمن الهدي من الأول وكان عند المبذول له ثمن الهدي فهنا يجب عليه الحج، لحصول الإستطاعة الملفقة مما بذل له ومما عنده وهي أولى من الاستطاعة البذلية.
واما اذا لم يكن للمبذول له ثمن الهدي وقد بذل له الحج فيجب بذله أي بذل ثمن الهدي، لأنه جزء من نفقة الحج. وهذا الفرض هو المذكور في كلام المصنف (قدس سره).
ثمّ الظاهر من تعبير المصنف (قدس سره) بـ «ثمن الهدي على الباذل» هو أنه حكم لزومي، مع أنه قد تقدم جواز رجوع الباذل عن بذله حتى بعد الإحرام على اختلاف بين ضمان ما يخسره المبذول له من نفقات الأعمال كما اختار ذلك المحقق الخوئي وبين عدم ضمان ما يخسره المبذول له، لعدم جريان قاعدة اليد والغرور وكذا عدم الضمان بأمر الآمر بالفعل كما اخترناه. فالحكم بأنه يجب عليه الهدي لا يجتمع مع الحكم بأنه يجوز له الرجوع.
نعم لو لم يرجع الباذل في بذله فهنا نقول بأنه يجب عليه الهدي كما اذا حلف بأنه لا يرجع في بذله، ففي صورة عدم جواز الرجوع عليه حكماً نقول بأنه يجب عليه الهدي.
نعم اذا رجع الباذل في بذل ثمن الهدي ولم يكن المبذول له متمكناً من الهدي والصوم، فلا يجب عليه الحج حينئذ؛ لعدم تحقق الإستطاعة البذلية الملفقة مما بذل له ومما عنده، وعدم التمكن من البدل الاضطراري.
وقد ذكر المحقق الخوئي (قدس سره) اذا أتم الحج بشراء الهدي فله الرجوع الى الباذل، لأنه ضامن وهو الذي أوقعه في شراء الهدي فيكون ضامناً له، وقد تقدم وجه عدم ضمان الباذل، لعدم جريان قاعدة اليد ولا قاعدة الغرور وكذا لا ضمان بأمر الآمر بالفعل.