< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/05/17

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحج/شرائط وجوب حجة الإسلام /الرجوع الى الكفاية

 

(مسألة57): يشترط في الاستطاعة مضافا إلى مؤنة الذهاب والإياب وجود ما يمون به عياله حتى يرجع، فمع عدمه لا يكون مستطيعا، والمراد بهم من يلزمه نفقته لزوما عرفيا وإن لم يكن ممن يجب عليه نفقته شرعا على الأقوى، فإذا كان له أخ صغير أو كبير فقير لا يقدر على التكسب وهو ملتزم بالإنفاق عليه أو كان متكفلا لإنفاق يتيم في حجره ولو أجنبي يعد عيالا له فالمدار على العيال العرفي.

قد تقدّم الكلام بأنه يشترط في الاستطاعة مضافاً الى مؤونة الذهاب والإياب، وجود ما يموّن به عياله حتى يرجع فمع عدمه لا يكون مستطيعاً عرفاً.

والدليل على ذلك أنه لم تحصل الاستطاعة عرفاً على من لم يوفّر مصرفاً لعياله الواجبي النفقة أو غيرهم ممن يكون نفقتهم عليه.

(مسألة58): الأقوى وفاقا لأكثر القدماء اعتبار الرجوع إلى كفاية من تجارة أو زراعة أو صناعة أو منفعة ملك له من بستان أو دكان أو نحو ذلك، بحيث لا يحتاج إلى التكفف، ولا يقع في الشدة والحرج، ويكفي كونه قادرا على التكسب اللائق به أو التجارة باعتباره ووجاهته وإن لم يكن له رأس مال يتجر به. نعم قد مر عدم اعتبار ذلك في الاستطاعة البذلية، ولا يبعد عدم اعتباره أيضا فيمن يمضي أمره بالوجوه اللائقة به كطلبة العلم من السادة وغيرهم، فإذا حصل لهم مقدار مؤنة الذهاب والإياب ومؤنة عيالهم إلى حال الرجوع وجب عليهم بل وكذا الفقير الذي عادته وشغله أخذ الوجوه ولا يقدر على التكسب إذا حصل له مقدار مؤنة الذهاب والإياب له ولعياله ، وكذا كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج وبعده إذا صرف ما حصل له من مقدار مؤنة الذهاب والإياب من دون حرج عليه.

وقد ذكر المصنف (قده) بأنه يشترط في الاستطاعة ـ وفاقاً لأكثر القدماء وخلافاً لجماعة آخرين ـ مضافاً الى مؤونة الذهاب والإياب ونفقة العيال، الرجوعُ الى الكفاية من تجارة أو زراعة أو صناعة أو منفعة ملك له من بستان أو دكان أو كسب لائق بشأنه ونحو ذلك بحيث لا يحتاج الى التكفّف ولا يقع في الشدة والحرج عندما يرجع الى بلده. ويكفي بأن يكون قادراً على التكسب اللائق به.

ولا يشترط ذلك في الحج البذلي نظراً الى أنه لم يتفاوت حال المبذول له قبل الحج وبعده، إلّا اذا كان كسبه منحصرا في أيام الحج بحيث لو لم يشتغل في تلك الأيام لوقع في ضيق وحرج ولم يحصل على مؤونة سنته في بقية الأيام، فإذا سافر الى الحج حينئذ ولم يرجع الى الكفاية، كان حجّه حرجيّاً فيسقط وجوبه أيضاً.

وكذا لا يشترط الرجوع الى الكفاية في من كان كسوباً وله تجارة لائقة بشأنه واعتباره أو من يمضي أمره بالوجوه اللائقة به كطلبة العلم فيجب عليه الحج حينئذ لان حاله قبل الحج كحاله بعده.

والدليل على اشتراط الرجوع الى الكفاية هو أدلّة نفي الحرج؛ لأنه اذا لم يرجع الى الكفاية ولم يكن قادراً على التكسب اللائق بحاله عند الرجوع فيقع في الشدة والحرج حيث لم يجد ما يصرفه على نفسه وعياله، والحرج منفي لقوله تعالى ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ فلا يجب عليه الحج حينئذ.

وامّا الروايات الدالة على ذلك فكلّها ضعيفة في المقام.

منها: خبر أبي ربيع الشامي بنص المقنعة عن الصادق (عليه السلام) قال: سئل عن قوله عز وجل: «من استطاع إليه سبيلا» قال: ما يقول فيها هؤلاء؟ فقيل له: يقولون الزاد والراحلة، فقال عليه السلام: قد قيل ذلك لأبي جعفر عليه السلام، فقال: هلك الناس إذا كان من له زاد وراحلة لا يملك غيرهما، أو مقدار ذلك مما يقوت به عياله، ويستغني به عن الناس فقد وجب عليه أن يحج بذلك، ثم يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذا. فقيل له: فما السبيل عندك؟ فقال السعة في المال. وهو: أن يكون معه ما يحج ببعضه، ويبقى بعض يقوت به نفسه وعياله.[1]

ومنها: ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد (عليه السلا) ـ في حديث شرائع الدين ـ قال: «وحج البيت واجب (على من ) استطاع إليه سبيلا ، وهو الزاد والراحلة مع صحّة البدن، وأن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله، وما يرجع إليه من حجه» [2] ولكن في سندها عدّة مجاهيل.

ومنها: مرسلة الفضل بن الحسن الطبرسي في (مجمع البيان) في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) قال: «المروي عن أئمّتنا ( عليهم السلام ) انّه الزاد والراحلة ونفقة من تلزمه نفقته، والرجوع إلى كفاية إمّا من مال أو ضياع أو حرفة، مع الصحّة في النفس، وتخلية الدرب من الموانع وإمكان المسير».[3]

وربما يقال بأنه ذهب اكثر القدماء الى أنه يعتبر الرجوع الى الكفاية استناداً الى هذه الروايات ويكون عملهم جابراً لضعف السند، فيكون الدليل لما نحن فيه هو قاعدة العسر والحرج ووجود الروايات الضعيفة المنجبرة بعمل الأصحاب.

وفيه: يكون عمل المشهور جابراً لضعف السند فيما اذا كان عملهم مستنداً الى خصوص هذه الروايات الضعيفة، ولكن هذا غير متحقق في المقام لأنه يمكن أن يكون المستند في ذلك هو قاعدة لاحرج، فحينئذ لا تنجبر ضعف هذه الروايات ويبقى الدليل على اعتبار الرجوع الى الكفاية هو التمسك بهذه القاعدة.

الفرق بين المسألة المتقدمة والمبحوث عنها في المقام:

ويمكن القول بأن هناك فرقاً بين المسألة المتقدمة ـ وهي اشتراط مؤونة العيال في تحقق الاستطاعة بحيث اذا لم يجد ما يموّن به عياله فهو غير مستطيع عرفاً ـ وبين المسألة المبحوث عنها في المقام ـ وهي اشتراط الرجوع الى الكفاية بحيث اذا لم يكن عنده ما يرجع به الى الكفاية فهو غير مستطيع أيضاً ـ وهو:

لو قام بشراء نقود أو ليرات فاعطاها لعياله وقال لهم بأنه هذه هي مؤونتكم وسافر، فبعد ذلك تبيّن بأنها مزيّفة ولا قيمة لها، فحجّه لا يجزي عن حجة الإسلام لأنه لم يجد ما يموّن به عياله ولم يخلّف مصرفاً لهم فلم تتحق الاستطاعة في حقّه حينئذ ولم يكن مستطيعاً عرفاً. وهذا مثل ما اذا سرقت منه مؤونة العيال.

وأما لو اشترى ذلك في المقام حتى يرجع اليها ويصرفها على نفسه وعياله وبعد ذلك تبيّن بأنها مزيّفة ومغشوشة، فحجّه صحيح ويجزي عن حجة الإسلام، لأن الدليل هنا هو قاعدة لاحرج ويكون الحكم فيها مبتنياً على الإمتنان، والإمتنان هنا يتحقق فيما اذا تبيّن بأنه لم يكن له الرجوع الى الكفاية قبل الحج فيسقط وجوبه عليه حينئذ. وأما لو تبيّن ذلك بعد الحج فلا يأتي حكمها لأنه خلاف الإمتنان.

(مسألة59): لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده ويحج به، كما لا يجب على الوالد أن يبذل له، وكذا لا يجب على الولد بذل المال لوالده ليحج به، وكذا لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحج، والقول بجواز ذلك أو وجوبه كما عن الشيخ ضعيف، وإن كان يدل عليه صحيح سعد بن يسار سئل الصادق (عليه السلام) الرجل يحج من مال ابنه وهو صغير؟ قال: نعم يحج منه حجة الإسلام، قال: وينفق منه؟ قال نعم، ثم قال: إن مال الولد لوالده، إن رجلا اختصم هو ووالده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقضى أن المال والولد للوالد. وذلك لإعراض الأصحاب عنه، مع إمكان حمله على الاقتراض من ماله مع استطاعته من مال نفسه، أو على ما إذا كان فقيرا وكانت نفقته على ولده ولم يكن نفقة السفر إلى الحج أزيد من نفقته في الحضر إذ الظاهر الوجوب حينئذ.

لهذه المسألة فروع:

الأول: لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده شيئاً ويحج به، للاطلاقات الدالة على عدم جواز التصرف في مال أحد بغير اذنه «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير اذنه»[4] ، والروايات الصحيحة بأن الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً كـ صحيحة محمد بن مسلم «الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً إلَّا بإذنه»[5] وصحيحة سعيد بن يسار «وليس للولد أن يأخذ من مال والده إلَّا بإذنه»[6] .

الثاني: لا يجوز للوالد أن يأخذ من مال ولده ويحجّ به.

الثالث والرابع: لا يجب على الوالد أن يبذل الحج لولده. وكذا لا يجب على الولد أن يبذل الحج لوالده. فلا يجب بذل الحج في الصورتين، لأن كل واحد منهما مسلط على ماله. واذا شكنا في وجوب بذل أي منهما للآخر، فالأصل هو البرائة من وجوب البذل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo