< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحج/شرائط وجوب حجة الإسلام /جواز أخذ الوالد من مال ولده أو عدمه

 

(مسألة59): لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده ويحج به، كما لا يجب على الوالد أن يبذل له، وكذا لا يجب على الولد بذل المال لوالده ليحج به، وكذا لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحج، والقول بجواز ذلك أو وجوبه كما عن الشيخ ضعيف، وإن كان يدل عليه صحيح سعد بن يسار سئل الصادق (عليه السلام) الرجل يحج من مال ابنه وهو صغير؟ قال: نعم يحج منه حجة الإسلام، قال: وينفق منه؟ قال نعم، ثم قال: إن مال الولد لوالده، إن رجلا اختصم هو ووالده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقضى أن المال والولد للوالد. وذلك لإعراض الأصحاب عنه، مع إمكان حمله على الاقتراض من ماله مع استطاعته من مال نفسه، أو على ما إذا كان فقيرا وكانت نفقته على ولده ولم يكن نفقة السفر إلى الحج أزيد من نفقته في الحضر إذ الظاهر الوجوب حينئذ.

كان الكلام في جواز أو عدم جواز أخذ الأب من مال ولده لأجل أن يحج به اذا كان الولد غنياً. وقد تقدم كلام الشيخ (قده) في المبسوط بأنه يجب عليه أن يأخذ من مال ولده، وكذا في الخلاف والنهاية. وقد ذُكر بأنه (قده) أجمل الأمر في التهذيب فقال يأخذ من مال والده ولم يختر القول بالوجوب أو الجواز، واختار الجواز في المهذّب.

وقد تقدم ذكر المناقشات الواردة عليه (قده) والجواب عنها بأن كلّها باطلة.

وقد ذكرنا إنتصاراً للشيخ (قده) بأن قوله (عليه السلام) «إن مال الولد لوالده» يؤيد ما ذهب اليه من وجوب أخذ الأب من مال ولده أو جواز ذلك لا من حيث الولاية ـ لأن معناها أن يعمل لصالح الولد والأب هنا لا يعمل لصالحه بل يعمل لصالح نفسه ويحج به ـ بل من جهة حكم الشارع وأنه حكم على ان مال الولد لوالده، فيباح له التصرف في مال ولده وفي نفس ولده بأن يأمره أن يفعل كذا. وعليه فتتحق الاستطاعة ويجب عليه الحج، لأنه ذو مال يباح له التصرف به، فهو متمكن من الذهاب الى الحج.

وقد يستفاد من ذيل الصحيحة «إن رجلا اختصم هو ووالده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقضى أن المال والولد للوالد» [1] ان جواز الاخذ من مال الولد ليس مختصاً بمورد الحج بل يتصرف به كما يشاء في مورد الحج وغيره.

ويدلّ على جواز أخذ الأب من مال ولده مطلقاً للحج وغيره روايات اخرى صحيحة وغير صحيحة:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه، قال: يأكل منه ما شاء من غير سرف.

وقال: في كتاب علي (عليه السلام): إنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً إلّا باذنه والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء، وله أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها، وذكر أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لرجل: أنت ومالك لأبيك»[2] .

ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته: عن رجل يكن لولده الجارية أيطؤها؟ قال: إن أحب، وإن كان لولده مال وأحب أن يأخذ منه فليأخذ»[3] .

ومنها: خبر الحسين بن علوان عن زيد ابن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: «أتى النبي (صلى الله عليه وآله) رجل فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان أبي عمد إلى مملوكي فاعتقه كهيئة المضرة لي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت ومالك من هبة الله لأبيك، أنت سهم من كنانته ﴿يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور﴾﴿ويجعل من يشاء عقيما﴾ جازت عتاقه أبيك، يتناول والدك من مالك وبدنك، وليس لك ان تتناول من ماله ولا بدنه شيئا الا باذنه»[4] .

رجال هذا الخبر كلّهم من العامة.

ومنها: خبر محمّد بن علي بن الحسين في (عيون الأخبار) وفي (العلل) بأسانيد تأتي عن محمّد بن سنان، أنّ الرضا (عليه السلام) كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: «وعلة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه وليس ذلك للولد لان الولد موهوب للوالد في قوله عز وجل: ﴿يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور﴾ مع أنه المأخوذ بمؤنته صغيرا وكبيرا، والمنسوب إليه والمدعو له لقوله عز وجل: ﴿ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله﴾ ولقول النبي )صلى الله عليه وآله): أنت ومالك لأبيك، وليس للوالدة مثل ذلك، لا تأخذ من ماله شيئا إلا بإذنه أو بإذن الأب، ولان الوالد مأخوذ بنفقة الولد، ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها»[5] .

فتحصّل بأنه تدل هذه الروايات الصحيحة وغير الصحيحة على جواز أخذ الأب من مال ولده مطلقاً للحج وغيره، فيصدق عليه «أنه يجد ما يحج به» أو «له ما يحج به» ويكون مستطيعاً فيجب عليه الحج كما قال ذلك الشيخ الطوسي (قده).

الإشكال الوارد على الشيخ (قدس سره)

نحن نخالف الشيخ الطوسي (قده) فنقول: ما ذكره صحيح نظراً لهذه الروايات الدالة على جواز أخذ الأب من مال ولده مطلقاً، ولكن توجد بازائها عدة روايات اخرى تدل على عدم جواز الأخذ من مال الولد إلّا عند الإضطرا أو عند عدم إنفاق الولد له اذا كان فقيراً.

فهذه تكون معارضة لتك الروايات الدالة على الجواز أو أخصَ منها فتخصصها.

فاذا كانت معارضة لتلك الروايات واستقر التعارض فيؤخذ بما وافق القرآن بأن لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلّا بإذنه، فكذلك في المقام لا يجوز له أن يأخذ من مال ولده بدون إذنه.

واذا كانت اخص منها فتقيّد تلك الروايات المطلقة أو تخصص تلك العمومات.

منها: صحيحة ابن سنان، قال: «سألته ـ يعني أبا عبد الله (عليه السلام) ـ ماذا يحل للوالد من مال ولده؟ قال: أمّا إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئاً، وإن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها إلّا أن يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه، قال: ويعلن ذلك. قال: وسألته عن الوالد أيرزأ من مال ولده شيئاً؟ قال: نعم ولا يرزأ الولد من مال والده شيئاً إلّا بإذنه، فإن كان للرجل ولده صغار لهم جارية فأحب أن يقتضيها [6] فليقوّمها على نفسه قيمة، ثم ليصنع بها ماشاء إن شاء وطأ وإن شاء باع»[7] .

هذه الصحيحة إما صريحاً تدل على أن الولد إذا أحسن نفقة الأب وقام بشؤونه فليس له أن يأخذ من مال ولده شيئاً، أو بالإلتزام تدل على ذلك؛ اذ لا معنى لتقويمه للجارية على نفسه اذا كان للولد فيها نصيب إلا اذا كان التصرف فيها غير جائز له، فاذن هذه الصحيحة تعارض تلك الروايات الدالة على الجواز.

ومنها: صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) «إن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال لرجل: أنت ومالك لأبيك، ثمّ قال أبو جعفر (عليه السلام): ما أحب أن يأخذ من مال ابنه إلَّا ما احتاج إليه مما لا بدّ منه، إن الله لا يحب الفساد»[8] .

قوله عليه السلام «ما أُحب أن يأخذ من مال ابنه إلَّا ما احتاج إليه مما لا بدّ منه» يدل على ان الأخذ من مال الولد بغير ضرورة فساد والله لا يحب الفساد.

وقد ناقش المحقق الخوئي سند هذه الصحيحة بأن الحسن بن محبوب لم يدرك الثمالي فتكون الرواية مرسلة ضعيفة.

فإن صحت هذه المناقشة في السند، تكفي غيرها في المقام.

ومنها: صحيحة الحسين بن أبي العلاء قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال: قوته بغير سرف إذا اضطر إليه، قال: فقلت له: فقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) للرجل الذي أتاه فقدّم أباه فقال له: أنت ومالك لأبيك؟ فقال: إنما جاء بأبيه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله هذا أبي وقد ظلمني ميراثي عن أُمي فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه وعلى نفسه، وقال: أنت ومالك لأبيك، ولم يكن عند الرجل شيء أو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبس الأب للابن»[9] .

تدل هذه الصحيحة بظاهرها وبقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) «أنت ومالك لأبيك» على عدم جواز الأخذ من مال الولد، لأن قوله (صلى الله عليه وآله) في قضية شخصية وليس في مقام بيان حكم شرعي على اطلاقه للابد، فلا بد من حمل كلامه (صلى الله عليه وآله) على حكم ادبي اخلاقي.

 


[6] المروي في التهذيب والإستبصار «يفتضها».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo