< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/05/25

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحج/شرائط وجوب حجة الإسلام /اشتراط الإستطاعة البدنية والزمانية

 

(مسألة60): إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحج من ماله، فلو حج في نفقة غيره لنفسه أجزأه، وكذا لو حج متسكعا، بل لو حج من مال الغير غصبا صح وأجزأه، نعم إذا كان ثوب إحرامه وطوافه وسعيه من المغصوب لم يصح، وكذا إذا كان ثمن هديه غصباً.

قال المصنف (قده) بأنه إذا كان ثوب احرمه وسعيه من المغصوب لم يصح الحج. وقد ناقشه العلماء في ذلك وتقدّم بأن كل هذه المناقشات مبتنة على أن الطواف أو سعي في الثوب المغصوب فعلان أحدهما مقارن وملازم للآخر فلا مانع من أن يكون أحدهما صحيحاً والآخر محرماً.

وقلنا لعلّ مبنى المصنف هو ان الطواف أو السعي في الثوب المغصوب يكون فعلاً واحداً ولو كان له عنوانان ـ أي الطواف هو تصرف في الثوب المغصوب والسعي هو تصرف في الثوب المغصوب ـ فلم ترد المناقشات المذكورة عليه، ولم يصح الطواف والسعي حينئذ حتى بناءً على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي، لأنه يمتنع أن يقع الفعل الواحد على وجه قربي.

وقال المصنف (قده): إذا كان ثمن الهدي غصباً فلم يصح الحج أيضاً.

وقد قال العلماء: لو اشترى الهدي بنفس المال المغصوب فيقع البيع باطلاً ولم يدخل الهدي في ملكه بل هو ملك من أُخذ المال منه إذا اجاز الشراء، فيكون تاركاً للهدي عمداً ويبطل حجه حينئذ.

واما لو اشترى ذلك بثمن كلي في الذمة ـ كما هو الشائع في المعاملات بأن تقع على ثمن كلي في الذمة ـ ثم بعد ذلك أدّى وطبّق الثمن الكلي على المال المغصوب فيقع البيع صحيحاً والتطبيق حراماً. فإذا ذبح الشاة جاء بالنسك ويكون الحج صحيحاً.

وقد ناقش المحقق الخميني (قده) ذلك فقال: إذا اشترى الهدي بثمن كلي وكان بناءه حين المعاملة اعطاء الثمن من الحرام ففي صحة هذه المعاملة اشكال.

ولعلّه ينظر الى أن هذا البناء حين المعاملة يصدق علىه أكل المال بالباطل، وأخذ الهدي بالباطل حرام منهي‌عنه فلم يمكن ان يجعله نسكاً ولم يصح الحج حينئذ.

(مسألة61): يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية، فلو كان مريضا لا يقدر على الركوب أو كان حرجا عليه ولو على المحمل أو الكنيسة لم يجب وكذا لو تمكن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مؤنته، وكذا لو احتاج إلى خادم ولم يكن عنده مؤنته.

قال المصنف (قده) يشترط في وجوب الحج الإستطاعة البدنية، فلو كان مريضاً لا يتمكن من الركوب على الدابة ولو على المحمل أو الكنيسة أو تمكن من ذلك ولكن كان الركوب حرجياً عليه لم يجب عليه الحج. وكذا لم يجب عليه الحج لو كان مريضاً وهو محتاج الى من يخدمه ولم يكن عنده مؤنته، لعدم تحقق الإستطاعة حينئذ.

وتدل عليه الروايات المفسّرة للإستطاعة في الآية الشريفة بالزاد وراحلة وصحة البدن وتخلية الطريق كصحيحة هشام عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في قوله عزّ وجلّ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ ما يعني بذلك؟ قال: من كان صحيحاً في بدنه، مخلى سربه، له زاد وراحلة»[1] .

وصحيحة محمّد الخثعمي قال: «سأل حفص الكناسي أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾، ما يعني بذلك؟ قال: من كان صحيحاً في بدنه مخلّى سربه، له زاد وراحلة، فهو ممّن يستطيع الحجّ، أو قال: ممّن كان له مال، فقال له: حفص الكناسي: فإذا كان صحيحاً في بدنه، مخلّى في سربه، له زاد وراحلة، فلم يحجّ، فهو ممّن يستطيع الحجّ؟ قال: نعم»[2] .

وغيرها من الروايات الدالة على أن الصحة البدنية تشترط في الإستطاعة.

ثم الكلام في عدم وجوب الحج على المريض تارة يكون من جهة المرض وعدم الإستطاعة البدنية، وأخرى من جهة قلة المال وعدم الإستطاعة المالية.

فالأول: اذا كان المريض لا يتمكن من أن يسير ويذهب الى مكة وحتى لا يتمكن من أن يُحمل بسبب مرضه، يجب عليه أن يرسل نائباً لو كان متمكناً، وهو الذي دلّت عليه الروايات:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) يقول: «لو أنّ رجلاً أراد الحجّ فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطيع الخروج فليجهّز رجلاً من ماله ثمّ ليبعثه مكانه»[3] .

ومنها: صحيحة الحلبي «إن كان موسراً وحال بينه وبين الحجّ مرض فإن عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له»[4] .

والثاني: اذا كان المريض متمكناً من أن يسير ويذهب الى مكة ولكن يحتاج الى من يستصحبه معه أو يحتاج الى استصحاب أجهزة طبية يجب أن يأخذها معه لشرائطه الصحية، ولا يتيسّر له ذلك لقلة المال فلا يجب عليه الحج لعدم كونه مستطيعاً ولا يجب عليه أن يرسل نائباً.

وقد قال أبو حنيفة بأن الأعمى مريض، فلا يجب عليه الحج. فاذا كان متمكناً مادياً يجب عليه أن يرسل نائباً.

وفيه: أن الأعمي ليس مريضاً، نعم هو يستطيع أن يحجّ ولكن يحتاج الى من يقوده لفقده البصر، واذا لم يكن عنده مؤنته فلم يجب عليه الحج ولا يجب أن يرسل نائباً.

وكذلك قيل بأن السفيه محجور عليه ولم يتمكن من أن يحج فيجب عليه الإستنابة.

وفيه: ان السفية المحجور عليه ليس مريضاً أيضاً، بل يجب على الولي أن يرسل مع السفيه المتمكن من الحج ماديّاً وبدنياً مَن يحافظ عليه حتى لم يقم بتبذير أمواله نتيجة سفاهته.

وكذالك ليس الأصم والأخرس والأعرج مريضاً حتى يجب عليهم أن يرسلوا نائباً بل هؤلاء يحتاجون الى من يرافقهم ويساعدهم، فإذا تمكنوا من ذلك يجب عليهم الحج.

وكذا الحال في بعض الأمراض التي يكون البدن فيها سليماً كالمصاب بداء السكري، فهذا لم يمنع من وجوب الحج عليه.

(مسألة62): ويشترط أيضا الاستطاعة الزمانية، فلو كان الوقت ضيقا لا يمكنه الوصول إلى الحج أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب، وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب وإلا فلا.

قال المصنف (قده) يشترط أيضاً الإستطاعة الزمانية، فلو كان الوقت قصيراً لا يمكنه الوصول الى الحج أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب عليه الحج لعدم كونه مستطيعاً حينئذ.

قد ذُكر سابقاً أن الحج مشروط بالقدرة الشرعية وهي الزاد والراحلة وأن يضع لأهله ما يتعيشون به وأن يرجع الى الكفاية وصحة البدن وغيرها. وكذا مشروط بالقدرة العقلية وهي التمكن من الذهاب وأن لا يكون الوقت قصيراً لا يمكنه الوصول الى مكة. ولم تتعرض الروايات لهذه القدرة العقلية ولم تبيّنها إلّا أن الحج ـ كسائر التكاليف ـ مشروط بالقدرة العقلية بأن لا يكون المكلّف عاجزاً عن إتيانه لضيق الوقت، إذ لا يصح تكليف العاجز.

فيشترط في وجوب الحج ان لا يكون الوقت قصيراً، فإذا كان عاجزاً عن إتيانه عقلاً وليس له القدرة العقلية على ذلك لضيق الوقت لم يتوجه اليه التكليف الفعلي بوجوب الحج. وكذا لا يجب عليه الحج إذا كان الزمان قصيراً وهو يتمكن من إتيانه بمشقة شديدة، لأدلة نفي الحرج.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo