< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحج/شرائط وجوب حجة الإسلام /الإستطاعة الزمانية والسربية

 

(مسألة62): ويشترط أيضا الاستطاعة الزمانية، فلو كان الوقت ضيقاً لا يمكنه الوصول إلى الحجّ أو أمكن لكن بمشقّة شديدة لم يجب، وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب وإلا فلا.

قال المصنف (قده) يشترط أيضاً الاستطاعة الزمانية، فلو كان الوقت قصيراً لا يمكنه الوصول الى الحج أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب عليه الحج لعدم كونه مستطيعاً حينئذ.

قد ذُكر سابقاً أن الحجّ مشروط بالقدرة الشرعية وهي الزاد والراحلة وأن يضع لأهله ما يتعيّشون به وأن يرجع الى الكفاية وصحّة البدن وغيرها. وكذا مشروط بالقدرة العقلية وهي التمكّن من الذهاب وأن لا يكون الوقت قصيراً لا يمكنه الوصول الى مكّة. ولم تتعرض الروايات لهذه القدرة العقلية ولم تبيّنها إلّا أن الحج ـ كسائر التكاليف ـ مشروط بالقدرة العقلية بأن لا يكون المكلّف عاجزاً عن إتيانه لضيق الوقت، إذ لا يصح تكليف العاجز.

فيشترط في وجوب الحجّ ان لا يكون الوقت قصيراً، فإذا كان عاجزاً عن إتيانه عقلاً وليس له القدرة العقلية على ذلك لضيق الوقت لم يتوجّه إليه التكليف الفعلي بوجوب الحجّ. وكذا لا يجب عليه الحجّ إذا كان الزمان قصيراً وهو يتمكّن من إتيانه بمشقّة شديدة، لأدلة نفي الحرج.

وقد استفاد المحقّق الخوئي (قده) من ظاهر عبارة المصنف (قده) «فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب وإلا فلا»، عدم وجوب إبقاء الاستطاعة الى العام القابل وجواز تفويتها اختياراً، فإذا بقيت الاستطاعة الى العام القابل يجب عليه الحجّ.

وناقش في ذلك بأنّه يجب عليه إبقاء الاستطاعة الى العام القابل ولا يجوز تفويتها لأن الحجّ لم يقيّد بزمان معيّن ووجوبه حاليّ وإنّما الواجب مقيّد بزمان خاص ويكون استقبالياً. ولذلك قال «ذكرنا أن الاستطاعة الموجبة للحجّ غير مقيّدة بحصولها في أشهر الحجّ أو بخروج الرفقة بل متى حصلت الاستطاعة وجب الحجّ ويجب عليه حفظ الاستطاعة».[1]

وفيه: نعم يجب عليه التحفّظ على الاستطاعة المالية ولا يجوز تفويتها في الأمور الثانويّة التي لا يحتاج اليها، وإذا صرفها في هذه الأمور حينئذ يصدق عليه أنّه سوّف الحجّ أو تركه بعد حصول الاستطاعة. ولكن إذا كان صرفها في الأمور الاضطرارية التي يحتاج اليها كما إذا صرفها في مؤونة نفسه وعياله أو إجراء عمليّة جراحيّة لا بدّ منها ولم يبق له ما يفي للحجّ فلا يصدق عليه وجوب الحجّ في العام المقبل. وبعبارة أخرى ليس معنى وجوب التحفظ على الاستطاعة الماليّة هو أنّه لا يحقّ له التصرف في المال مطلقاً حتى إذا وجب عليه واجب مالي آخر أهم من الحجّ.

ولعلّ هذا هو المقصود من عبارة المصنف «فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب وإلّا فلا».

(مسألة63): ويشترط أيضا الاستطاعة السربية، بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى تمام الأعمال وإلا لم يجب، وكذا لو كان غير مأمون بأن يخاف على نفسه أو بدنه أو عرضه أو ماله وكان الطريق منحصراً فيه أو كان جميع الطرق كذلك ...

تشترط الاستطاعة السربية في وجوب الحجّ بأن يكون الطريق مخلّى لا مانع فيه من الذهاب الى مكّة أو الميقات وإلى تمام الأعمال، وأما إذا كان في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول ـ كما إذا كانت الحدود بين البلدين مغلقة ـ لم يجب عليه الحجّ. والظاهر أنّه لا خلاف فيها، واشترطها أهل السنة أيضاً [2] .

ويدلّ عليه نفس الآية الشريفة: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ فإن المستفاد منها أن يكون الطريق آمناً لا مانع فيه وأن يجد للحج سبيلاً. وتشمل هذه الآية باطلاقها الاستطاعة المالية والبدنية والزمانية والسربية، اذ بدون كلّ واحد منها لا سبيل للمكلّف الى الحجّ.

مضافاً الى الروايات الواردة في المقام: منها: صحيحة هشام عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في قوله عزّ وجلّ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ ما يعني بذلك؟ قال: من كان صحيحاً في بدنه، مخلّى سربه، له زاد وراحلة»[3] .

ومنها: صحيحة محمّد الخثعمي قال: «سأل حفص الكناسي أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾، ما يعني بذلك؟ قال: من كان صحيحاً في بدنه مخلّى سربه، له زاد وراحلة، فهو ممّن يستطيع الحجّ، أو قال: ممّن كان له مال، فقال له: حفص الكناسي: فإذا كان صحيحاً في بدنه، مخلّى في سربه، له زاد وراحلة، فلم يحجّ، فهو ممّن يستطيع الحجّ؟ قال: نعم»[4] .

ثمّ قال المصنف (قده): وكذا لا يجب عليه الحجّ إذا كان الطريق غير مأمون بأن يخاف على نفسه من القتل أو على بدنه من الجرح أو على عرضه من الاعتداء أو على ماله من السرقة.

وقد قال المحقّق الخوئي: «وكذا لا يجب الحجّ إذا كان الطريق غير مأمون ومخوفاً، بأن يخاف على نفسه أو بدنه أو عرضه أو ماله، فإن خوف الضرر بنفسه ـ كما قد يستفاد من بعض الروايات ـ طريق عقلائي إلى الضرر، ولا يلزم أن يكون الضرر معلوماً جزماً بل جرت سيرة العقلاء على الاجتناب عن محتمل الضرر، فالحكم في مورد خوف الضرر مرفوع واقعاً حتى لو انكشف الخلاف وتبيّن عدم وجود المانع في الطريق»[5] .

ويرد عليه: أوّلاً: وجوب دفع الضرر المحتمل هو الاجتناب عن العقاب الأخروي، وهذا أمر مسلّم لكنه يرجع الى الإحتياط وهو أصل عملي وحكم ظاهري وليس حكماً واقعياً.

وثانياً: لا يوجد دليل على وجود عقوبة أخروية في الضرر المنجز الدنيوي فضلاً عن الضرر المحتمل، فمن ارتكب فعلاً يتضرّر به كما إذا شرب التتن أو أكل الحلوى وهو مصاب بداء السكري لا يعاقب على ذلك فلا يجب عليه دفع هذا الضرر.

وثالثاً: لا دليل على أنّ خوف واحتمال الضرر يكون طريقاً عقلائياً لثبوت الضرر الواقعي، فإنّ قاعدة نفي الضرر ترفع الضرر الواقعي الثابت لا أنّها ترفع احتمال الضرر.

وهناك رأي آخر جليل للمحقّق الخميني (قده) وهو أنّ قاعدة نفي الضرر ليست حكماً شرعياً بل هي حكم حكومي صدرت من النبي (صلى الله عليه وآله) بما أنّه حاكم على المسلمين.


[2] . راجع كتاب النووي في المجوع جزء8، ص148، والمعونة على مذهب عالم المدينة ج1، ص314.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo