< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحج/شرائط وجوب حجة الإسلام /إذا كان الحجّ يستلزم ترك واجب أو ارتكاب محرّم

 

كان الكلام في أنّه تشترط الاستطاعة السربية في وجوب الحجّ بأن يكون الطريق مخلّى لا مانع فيه من الذهاب الى مكة أو الميقات والى تمام الأعمال.

فرع: قال المصنف (قده): لو كان جميع الطرق مخوفاً إلّا أنّه يمكنه الوصول إلى الحجّ بالدوران في البلاد، مثل ما إذا كان من أهل العراق ولا يمكنه إلّا أن يمشي إلى كرمان، ومنه إلى خراسان، ومنه إلى بخارا، ومنه إلى الهند، ومنه إلى بوشهر، ومنه إلى جدّة مثلاً، ومنه إلى المدينة، ومنها إلى مكّة فهل يجب أو لا؟ وجهان أقواهما عدم الوجوب، لأنّه يصدق عليه أنّه لا يكون مخلّى السرب.

وقد قال المحقّق الخوئي والميرزا التبريزي (قدس سرّهما) بأنّه يجب عليه الحجّ ولو بسلوك طرق غير متعارفة وبالدوران في البلاد إن لم يكن ذلك أمراً حرجياً.

(مسألة66): إذا حجّ مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرّم لم يجزه عن حجّة الإسلام، وإن اجتمع سائر الشرايط، لا لأنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه، لمنعه أولا، ومنع بطلان العمل بهذا النهي ثانياً، لأنّ النهي متعلّق بأمر خارج بل لأنّ الأمر مشروط بعدم المانع ووجوب ذلك الواجب مانع، وكذلك النهي المتعلّق بذلك المحرّم مانع ومعه لا أمر بالحجّ. نعم لو كان الحجّ، مستقراً عليه وتوقّف الإتيان به على ترك واجب أو فعل حرام دخل في تلك المسألة، وأمكن أن يقال بالإجزاء، لما ذكر من منع اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضدّه، ومنع كون النهي المتعلّق بأمر خارج موجباً للبطلان.[1]

قال المصنف (قده): إذا كان إتيان الحجّ يستلزم ترك واجب أو ارتكاب محرّم فلم يجب عليه ولم يجزِ عن حجّة الإسلام ولو توفّرت فيه جميع الشرائط. توضيح ذلك:

إذا حصلت الاستطاعة ووجب عليه الحجّ، ومضافاً إلى ذلك وجب عليه رعاية الأب والمحافظة عليه من الموت وكان الإتيان بالحجّ يستلزم ترك رعاية الأب، أو كان إتيانه يستلزم ارتكاب محرّم كأن يعلم بأنّ حجّه يوقعه في الفاحشة المحرّمة، فلم يجب عليه الحجّ ولو حجّ لم يجزئه عن حجّة الإسلام.

وليس الدّليل على ذلك: أنّ الأمر بوجوب رعاية الأب يقتضي النّهي عن ضدّه وهو الحجّ، والنهي في العبادة يقتضي الفساد فيقع حجّه باطلاً، لأنّ الاقتضاء ممنوع. ولو سلّمنا ذلك، فهذا النهي لا يقتضي الفساد أيضاً، لأنّ النهي يتعلّق بأمر خارج لا بنفس العبادة، حيث أنّ الشارع أمر بوجوب رعاية الأب وضدّه العام يكون تركه، فالنهي في المقام هو نهي عن ترك وجوب رعاية الأب لا أنّه نهي عن نفس الحجّ حتّى يكون مقتضياً للفساد.

بل يكون الدّليل عليه: أنّ الأمر بالحجّ مشروط بعدم المانع، ووجوب الواجب الآخر ـ وجوب رعاية الأب ـ هو المانع من وجوبه أو حرمة إرتكاب الحرام هي المانعة من وجوب الحجّ، فلا يكون الحجّ مأموراً به مع وجود المانع ولم يكن مجزياً عن حجّة الإسلام.

نعم لو تحقّقت الاستطاعة ووجب عليه الحجّ ولكن لم يذهب واستقرّ عليه الحجّ، ثمّ بعد ذلك وجب عليه رعاية الأب والمحافظة عليه من الموت وكان إتيان الحجّ يستلزم ترك رعاية الأب أو بعد أن استقرّ عليه الحجّ علم بأنّ إتيانه يستلزم الوقوع في الفاحشة المحرّمة، إذن تدخل هذه الصورة في باب تزاحم الضدّين. وحينئذ نقدّم الأهم فإن كان الواجب الآخر هو رعاية الأب من الموت فهو أهمّ من الحجّ فيقدّم علىه ولا يجب الحجّ، وان كان الواجب الآخر هو صلة الرحم فإنّ وجوب الحجّ أهمّ ويقدّم على وجوب صلة الرحم فيجب الحجّ.

وقد ناقش ذلك المحقّق الخوئي (قده) فقال:

أوّلاً: ما ذكره المصنف «من أنّ النّهي يتعلّق بأمر خارج عن العبادة» إنّما يتمّ لو أُريد من الضد الضد العام وهو الترك، ولكن لو أريد به الضدّ الخاص فيكون الحجّ بنفسه منهياً عنه، لأنّ الحجّ يكون هو الضدّ الخاص للأمر بوجوب رعاية الأب. وعليه، لو سلّمنا أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه الخاص والحجّ بنفسه يكون متعلّقاً للنهي، فهذا النهي لا يدلّ على الفساد أيضاً، لأنّه نهي غيري تبعي لا يقتضي فساد العبادة.

وثانياً: عدم اجزاء الحجّ عن حجّة الإسلام والقول ببطلانه لعدم وجود أمر به يكون مبنياً على عدم الالتزام بالترتب، وأمّا على القول به فالأمر بوجوب الحجّ موجود على تقدير عصيان الوجب الأهم ـ وجوب رعاية الأب ـ أو على تقدير كون الحجّ هو الأهم والواجب الآخر هو المهم.[2]

وقد يرد عليه ما أفاده المحقّق الميرزا التبريزي (قده): بأنّه لو قيل أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه الخاص وكان الواجب الآخر أهم من الحجّ أو محتمل الأهمّية فيكون الحجّ محكوماً بالفساد حتى مع كون النهي عنه غيريّاً تبعيّاً، لأنّ النهي الغيري يتعلّق بنفس الحجّ ولا يتعلّق بأمر خارج عنه، ولا يكون الحجّ حينئذ مأموراً به لعدم إمكان اجتماع الأمر والنهي فيه، ولا يمكن إحراز الملاك في المقام أيضاً حتّى يكون مأموراً به. فالحجّ منهي عنه ولو بالنهي الغيري التبعي لأجل الإتيان بالواجب الأهم وهو وجوب رعاية الأب، ومعه لا يمكن أن يتقرّب به الى الله سبحانه وتعالى.

نعم إذا قيل بأنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن الضّد الخاص، يكون الحجّ مأموراً به على نحو الترتب وعصيان الأمر بالأهم.[3]

المختار في المقام:

ونحن نوافق هذا الكلام بأنّه لو سلّم كون الأمر بالشيء مقتضياً للنهي عن ضدّه الخاص فيكون الحجّ فاسداً ولو بالنهي الغيري التبعي؛ لأنّه مبغوض ولا يمكن أن يتقرّب به إلى الله سبحانه وتعالى.

ونناقش كلام المصنّف أيضاً فنقول: لا وجه للقول بأن الحجّ مشروط بعدم المانع ورعاية الأب هو المانع. بل الصحيح هو أن نقول: إذا حصلت الاستطاعة البدنيّة والماليّة والزمانيّة والسربيّة فيجب عليه الحجّ، وإذا وجب عليه أيضاً رعاية الأب والمحافظة عليه من الموت ولا يمكن الجمع بينهما بحيث إذا حجّ ترك رعاية الأب وبالعكس، فيدخل المقام في باب التّزاحم، فيقدّم الأهم أو محتمل الأهميّة منهما وهو وجوب رعاية الأب.

وإذا كان الواجب الآخر هو وجوب صلة الرحم وكان التزاحم بين وجوب الحجّ وبين وجوب صلة الرحم، فالأهم هو وجوب الحجّ فيقدّم على وجوب صلة الرحم.

فلابدّ من الرجوع إلى قواعد باب التزاحم في تقديم الأهمّ على المهم، فتارة يكون الواجب الآخر ـ وجوب رعاية الأب ـ هو الأهم فيقدم على وجوب الحجّ، وأخرى يكون الحجّ هو الأهم فيقدّم عليه فيما إذا كان الواجب الآخر هو وجوب صلة الرحم. وفي حالة عدم وجود الأهمّ يتخيّر بإتيان أيّ منهما.

وعلى فرض كون الواجب الأهم هو وجوب رعاية الأب وتقديمه على الحجّ عند التزاحم، إذا عصى الأمر بالأهمّ فيصحّ الإتيان بالحجّ ويكون مجزياً عن حجّة الإسلام، لأنّ وجوبه حين عصيان الأمر بالأهم يكون فعليّاً على نحو الترتب. وهذا مثل تزاحم الصلاة في آخر وقتها مع أزالة النجاسة الفوريّة عن المسجد، ففي مقام الامتثال لا يمكن الجمع بينهما فيقدّم الأهمّ وهو وجوب إزالة النجاسة، وإذا عصى ذلك الأمر فتقع الصلاة صحيحة لأنّ الأمر بها يكون فعليّاً حينئذ.

ولذا في المقام يكون الحجّ مأموراً به إمّا على نحو الترتب وعصيان الأمر بالأهمّ أو على أنّ الحجّ هو الأهمّ.

وهذا الكلام نقوله مطلقاً لا في صورة استقرار الحجّ عليه ووجوب رعاية الأب عليه بل إذا حصلت الاستطاعة في هذه السنة ووجب رعاية الأب في هذه السنة ولا يمكن الجمع بينهما فنطبّق أحكام التزاحم ونقدّم الأهمّ.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo