< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/06/05

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحج/شرائط وجوب حجة الإسلام /إذا استقرّ عليه الحجّ وكان عليه خمس أو زكاة

 

(مسألة66): إذا حجّ مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرّم لم يجزه عن حجّة الإسلام، وإن اجتمع سائر الشرائط، لا لأنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه، لمنعه أوّلاً، ومنع بطلان العمل بهذا النهي ثانياً، لأنّ النهي متعلّق بأمر خارج بل لأنّ الأمر مشروط بعدم المانع ووجوب ذلك الواجب مانع، وكذلك النهي المتعلّق بذلك المحرّم مانع ومعه لا أمر بالحجّ. نعم لو كان الحجّ، مستقرّاً عليه وتوقّف الإتيان به على ترك واجب أو فعل حرام دخل في تلك المسألة، وأمكن أن يقال بالإجزاء، لما ذكر من منع اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضدّه، ومنع كون النهي المتعلّق بأمر خارج موجباً للبطلان. [1]

كان الكلام في أنّه إذا كان إتيان الحجّ يستلزم ترك واجب أو ارتكاب محرّم فلم يجب عليه الحجّ، ولو حجّ لم يجزئه عن حجّة الإسلام ولو توفّرت فيه جميع شرائط الوجوب الماليّة والبدنيّة والسربيّة والزمانيّة.

وليس الدليل على ذلك: أنّ الأمر بوجوب رعاية الأب يقتضي النهي عن ضدّه وهو الحجّ، والنهي في العبادة يقتضي الفساد فيقع حجّه باطلاً، لأنّ الاقتضاء ممنوع. ولو سلّمنا ذلك، فهذا النهي لا يقتضي الفساد أيضاً، لأنّ النهي يتعلّق بأمر خارج لا بنفس العبادة، حيث إنّ الشارع أمر بوجوب رعاية الأب وضدّه العام يكون تركه، فالنهي في المقام هو نهي عن ترك وجوب رعاية الأب لا أنّه نهي عن نفس الحجّ حتّى يكون مقتضياً للفساد.

بل يكون الدليل عليه: أنّ الأمر بالحجّ مشروط بعدم المانع، وترك الواجب أو ارتكاب الحرام هو المانع من وجوب ذلك فلا يكون الحجّ مأموراً به مع وجود المانع ولم يكن مجزياً عن حجّة الإسلام.

وقد تقدّم المناقشة على ذلك بأنّه لا دليل على أنّ الحجّ مشروط بعدم المانع، بل إذا وجب عليه الحجّ ووجب عليه رعاية الأب من الموت ولا يمكن الجمع بينهما فتدخل هذه المسألة في باب التزاحم فيقدّم الأهمّ وهو وجوب رعاية الأب ولا يكون عليه الحجّ واجباً فعليّاً. وإذا كان الواجب الذي يترك بإتيان الحجّ هو صلة الرحم وكان التزاحم بين وجوب الحجّ ووجوب صلة الرحم فالأهمّ هو وجوب الحجّ فيقدّم على وجوب صلة الرحم.

وقد تقدّم مناقشة المحقّق الخوئي (قده) لذلك حيث قال: بأنّ ما ذكره المصنف «من أنّ النهي يتعلّق بأمر خارج عن العبادة» إنّما يتمّ لو أُريد من الضدّ الضدّ العام وهو الترك، ولكن لو أريد به الضدّ الخاص فيكون الحجّ بنفسه منهياً عنه، لأنّ الحجّ يكون هو الضدّ الخاص للأمر بوجوب رعاية الأب. وبناء على ذلك، لو سلّمنا أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه الخاص والحجّ بنفسه يكون متعلّقاً للنهي، فهذا النهي لا يدلّ على الفساد أيضاً، لأنّه نهي غيري تبعي لا يقتضي فساد العبادة.

وقد خالف المحقّق الميرزا التبريزي (قده) ذلك فقال: بأنّه لو قيل أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه الخاص وكان الواجب الآخر أهم من الحجّ أو محتمل الأهمّية فيكون الحجّ محكوماً بالفساد حتى مع كون النهي عنه غيريّاً تبعيّاً، لأنّ النهي الغيري يتعلّق بنفس الحجّ والنهي إذا تعلّق بالعبادة سواء كان نفسيّاً أو غيريّاً يقتضي فساد العبادة.

ونحن نوافق هذا الكلام بأنّه لو سلّم كون الأمر بالشيء مقتضياً للنهي عن ضدّه الخاص فيكون الحجّ فاسداً ولو بالنهي الغيري التبعي؛ لأنّه مبغوض ومنهيّ عنه ولا يمكن أن يتقرّب به إلى الله سبحانه وتعالى.

تنبيه:

ذهب المشهور إلى أنّ النهي الشرعي من المولى عن شيء عبادي لأجل شيء آخر إذا كان نهياً غيريّاً تبعيّاً لا يوجب بطلان المنهي عنه ولا يوجب العقاب، ولكن نحن نخالف هذا الكلام فنقول: النهي الشرعي حتّى لو كان غيريّاً فإنّه يوجب الفساد ويعاقب المكلّف على ارتكابه ولا يمكن أن يتقرّب بالمبعّد والمبغوض إلى الله سبحانه وتعالى.

وكذلك الكلام في ترك الواجب الغيري فإذا أمر المولى بشيء لأجل شيء آخر كما إذا أمر بالغسل من الجنابة قبل الفجر لصحّة صوم شهر رمضان، فالمشهور ذهب إلى أنّ العقاب يكون على ترك الواجب النفسي أي ترك الصوم فقط ولا عقاب على ترك الواجب الغيري، ولكن نحن نناقش هذا الكلام أيضاً فنقول: إنّ ترك الواجب الغيري ـ ترك الغسل قبل الفجر ـ يوجب العقاب على المكلّف أيضاً؛ لأنّه أمر مولوي من الشارع لأجل صحّة الصوم، فإذا تركه وخالف مطلوب المولى الذي هو مقدّمة لأجل الصوم ولم يغتسل قبل الفجر يستحق العقاب بحكم العقل، وإن حصل بتركه ترك الواجب النفسي ـ أي ترك الصوم ـ فقد ارتكب مخالفة ثانية يستحق عليها العقاب ثانياً.

فإذن يوجد هنا ثوابان وعقابان على فعل أو ترك الأمر الغيري والنفسي؛ لأنّ المولى أمر بالغسل من الجنابة قبل الفجر وكذا أمر بالصوم، فإذا امتثل الأمرين يستحق ثوابين، وإذا عصى ذلك يستحق عقابين، لا أنّه يوجد ثواب وعقاب واحد على فعل أو ترك الواجب النفسي فقط.

ولذلك ذهب المحقّق البروجردي (قده) إلى أنّ مخالفة الأمر الغيري يوجب استحقاق العقوبة أيضاً خلافاً لما ذهب إليه المشهور من أنّ مخالفة الأمر الغيري لا يوجب استحقاق العقوبة، وهذا هو الصحيح.

وأقلّ ما يتوجّه في المقام استحقاق العقوبة على التجرّي، فإنّه بترك الغسل الذي هو واجب غيري لأجل الصوم يتجرّى على المولى ولم يحترم حقّه فكيف لا يستحق العقوبة على ذلك ويستحق العقوبة على ترك الواجب النفسي فقط.

فإذن نقول أوّلاً: لو سلّمنا أنّ الأمر بوجوب رعاية الأب يقتضي النهي عن ضدّه وهو الحجّ، فهذا النهي عن الحجّ ولو كان غيريّاً لأجل وجوب رعاية الأب والمحافظة عليه من الموت إلّا أنّه يوجب فساد الحجّ؛ لأنّه مبغوض المولى ومنهي عنه ولا يمكن أن يتقرّب به إلى الله سبحانه وتعالى، خلافاً لما ذهب إليه المشهور والمحقّق الخوئي (قده) ووفاقاً للمحقّق الميرزا التبريزي (قده).

وثانياً: إنّ ترك الأمر الغيري الذي يكون مقدّمة للواجب ـ كالغسل من الجنابة قبل الفجر ـ يوجب استحقاق العقاب مضافاً إلى استحقاق العقاب على ترك الواجب النفسي، وإذا أتى به فهو يستحق عليه الثواب مضافاً إلى ثواب الواجب النفسي، خلافاً لما ذهب إليه المشهور بأنّ ترك الأمر الغيري لا يوجب استحقاق العقاب والثواب كما ذهب إليه المحقّق البروجردي (قده).

وما يقال في أنّ الحافز للأمر بالغسل والأمر بالصوم يكون أمراً واحداً فهو غير صحيح أيضاً، ولا دليل عليه بل لعلّه يوجد حافزان: حافز للغسل من الجنابة قبل الفجر وحافز للصوم بعد الغسل، وهذا أمر عرفي بأنّه إذا ترك الغسل قبل الفجر يستحق العقاب على ذلك؛ لأنّه ترك أمراً ومطلوباً للمولى، وإذا ترك الصوم فيستحق العقاب ثانياً؛ إذ أنّه فوّت أمر المولى وترك مطلوبه. وكذلك إذا اغتسل قبل الفجر فيستحق عليه الثواب وإذا صام فيستحق عليه الثواب أيضاً. وبناء على ذلك، يكون مختار المشهور الدّال على أنّ ترك أو فعل الأمر الغيري لا يوجب استحقاق العقاب والثواب غير عرفي.

نعم لو أمر المولى أمراً واحداً بالحجّ مثلاً وقال «حجّ أيّها المستطيع» وكان لهذا الأمر مقدّمات عقليّة ـ لا مقدّمات شرعيّة قد أمر بها الشارع ـ كتهيئة جواز السفر وتحضير بطاقة طائرة للذهاب إلى الحجّ وغير ذلك، فلا يستحق العقاب على ترك المقدّمات كلّها وإنّما العقاب يكون على ترك الأمر النفسي وهو ترك الحجّ؛ لأنّ المفروض وجود أمر واحد وهو الأمر بالحجّ وهذه المقدمات عقليّة ومقدمة الواجب واجبة عقلاً لا شرعاً. ولكن هذا خارج عن محل النزاع، لأنّ الكلام هو فيما إذا كان هناك أمران أحدهما غيري شرعي والثاني نفسي لا فيما إذا كان الأمر الغيري عقليّاً.

(مسألة70): إذا استقرّ عليه الحجّ وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها، ولا يجوز له المشي إلى الحجّ قبلها ولو تركها عصى، وأما حجّه فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمّته، لا في عين ماله، وكذا إذا كانت في عين ماله ولكن كان ما يصرفه في مؤنته من المال الذي لا يكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما، أو كان مما تعلّق به الحقوق، ولكن كان ثوب إحرامه وطوافه وسعيه وثمن هديه من المال الذي ليس فيه حق، بل وكذا إذا كانا مما تعلق به الحق من الخمس والزكاة إلا أنه بقي عنده مقدار ما فيه منهما، بناء على ما هو الأقوى من كونهما في العين على نحو الكلي في المعيّن لا على وجه الإشاعة. [2]

قال المصنف (قده): إذا استقرّ عليه الحجّ وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة كقضاء دين أو زكاة فطرة أو فدية، فيجب عليه أداء تلك الحقوق الماليّة الواجبة ولو تركها عصى.

ولا يجوز له المشي إلى الحجّ قبل أداؤها ولكن لوحجّ فحجّه صحيح إذا تصرّف بها أو أتلفها وانتقلت من العين إلى الذمّة.

وكذا إذا كانت الحقوق الواجبة في عين المال ولكن ما يصرفه في الحجّ من غير تلك الحقوق التي فيها الخمس والزكاة وكان حجّه من أرباح هذه السنة، فيصحّ حجّه ولو خالف أداء تلك الحقوق الشرعيّة.

وكذلك يصحّ الحجّ إذا كان ما يصرفه في الحجّ من نفس العين التي تعلّق بها الحقوق الواجبة من الخمس والزكاة إلّا أنّه بقي عنده مقدار ما يفي لأداء تلك الحقوق، بناءً على تعلّق الخمس والزكاة في العين على النحو الكلّي في المعيّن لا على نحو الإشاعة والشركة الماليّة بينه وبين مستحقي الخمس والزكاة.

ويردّ عليه في الأخير: بأنّ الصحيح هو تعلّق الخمس والزكاة بالمال على وجه الإشاعة والشركة الماليّة بينه وبين مستحقي تلك الحقوق بنحو يكون كلّ جزء من هذه الأموال مشترك بينهم، فحينئذ لا يجوز له أن يتصرّف فيها في الحجّ حتّى يؤدّي تلك الحقوق.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo