< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/06/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحج/شرائط وجوب حجة الإسلام /إذا استقرّ عليه الحجّ ولم يتمكّن من المباشرة

 

(مسألة70): إذا استقرّ عليه الحجّ وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها، ولا يجوز له المشي إلى الحجّ قبلها ولو تركها عصى، وأمّا حجّه فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمّته، لا في عين ماله، وكذا إذا كانت في عين ماله ولكن كان ما يصرفه في مؤنته من المال الذي لا يكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما، أو كان ممّا تعلّق به الحقوق، ولكن كان ثوب إحرامه وطوافه وسعيه وثمن هديه من المال الذي ليس فيه حقّ، بل وكذا إذا كانا ممّا تعلّق به الحقّ من الخمس والزكاة إلّا أنّه بقي عنده مقدار ما فيه منهما، بناء على ما هو الأقوى من كونهما في العين على نحو الكلّي في المعيّن لا على وجه الإشاعة. [1]

قال المصنف (قده): إذا استقرّ عليه الحجّ وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة كقضاء دين أو زكاة فطرة أو فدية، فيجب عليه أداء تلك الحقوق الماليّة الواجبة ولو تركها عصى.

ولا يجوز له المشي إلى الحجّ قبل أداؤها ولكن لوحجّ فحجّه صحيح إذا تصرّف بها أو أتلفها وانتقلت من العين الخارجيّة إلى الذمّة.

وكذا إذا كانت الحقوق الواجبة في عين المال ولكن ما يصرفه في الحجّ من غير تلك الحقوق التي فيها الخمس والزكاة وكان حجّه من أرباح هذه السنة، فيصحّ حجّه ولو خالف أداء تلك الحقوق الشرعيّة.

وكذلك يصحّ الحجّ إذا كان ما يصرفه في الحجّ من نفس العين التي تعلّق بها الحقوق الواجبة من الخمس والزكاة إلّا أنّه بقي عنده مقدار ما يفي لأداء تلك الحقوق، بناءً على تعلّق الخمس والزكاة في العين الخارجيّة على النحو الكلّي في المعيّن لا على نحو الإشاعة والشركة الماليّة بين المالك وبين مستحقي الخمس والزكاة.

ويردّ عليه:

أوّلاً: بأنّه لا دليل على عدم جواز المشي إلى الحجّ قبل أداء الحقوق الواجبة بل يجوز له ذلك، لأنّه عصى بترك أداء الحقوق الواجبة، وهذا لا يدلّ على النهي عن ضدّه الخاص وهو المشي إلى الحجّ؛ لما تقدّم من أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه الخاص.

وربّما يقال بأنّه لا يجوز له المشي إلى الحجّ، لأنّه تصرّف في المال المشترك من دون إذن الشريك.

وفيه: التصرّف في المال المشترك فعل والمشي إلى الحجّ فعل آخر غيره، فليكن التصرّف في المال حراماً والمشي واجباً، فالموجود في المقام فعلان أحدهما حرام والثاني واجب كالنظر المحرّم إلى المرأة الأجنبية في الصلاة.

وثانياً: إنّ الصحيح ـ كما ذهب إليه المشهور ـ هو تعلّق الخمس والزكاة بالمال على وجه الإشاعة والشركة الماليّة بين المالك وبين مستحقي تلك الحقوق بنحو يكون كلّ جزء من هذه الأموال مشترك بينهم ولا يجوز له أن يتصرّف فيها إلّا بإذن الشريك، فالشركة حينئذ تمنع من أن يتصرّف بالمال المشترك في الحجّ ما لم يؤدِّ تلك الحقوق الواجبة ولا يمكن أن يتقرّب بالتصرّف المحرّم إلى الله سبحانه وتعالى.

وقد أفاد المحقّق الخوئي (قده): بأنّه قام الدليل والنصّ على جواز تصرّف المالك تكليفاً في المال الزكوي إذا بقي بعده مقدار ما يفي لأداء الزكاة؛ لأنّ مالك الزكاة له حقّ الإفراز والتقسيم من دون أن يدفع الزكاة. وهذا بخلاف باب الخمس، فإنّه لم يرد فيه نص يدلّ على جواز ذلك بل يجب عليه أن يدفعه إلى أهله ولم يحقّ له الإفراز والتصرف في المال الباقي عنده.[2]

وفيه: نعم قد قام الدليل على أنّه إذا قسّم المال وأفرز حصّة الزكاة على حدة فيجوز له التصرّف في الباقي، ولكنّ المفروض في المقام أنّ المالك لم يفرز المال الزكوي عن غيره بل تصرّف في المال المشترك بينه وبين الفقراء قبل التقسيم والإفراز، فبناء على ذلك لا يجوز له أن يتصرّف في المال الزكوي في الحجّ ولا يصحّ حجّه.

وقد تقدّم بأنّه لو اشترى ثوب الإحرام أو الطواف بالثمن الكلّي في الذمّة ثمّ طبقّ الثمن الكلّي على هذه الحقوق الواجبة فيكون الحجّ صحيحاً والتطبيق حراماً.

(مسألة72): إذا استقرّ الحجّ عليه ولم يتمكّن من المباشرة لمرض لم يرج زواله أو حصر كذلك أو هرم بحيث لا يقدر، أو كان حرجاً عليه فالمشهور وجوب الاستنابة عليه، بل ربما يقال بعدم الخلاف فيه وهو الأقوى، وإن كان ربّما يقال بعدم الوجوب، وذلك لظهور جملة من الأخبار في الوجوب، وأمّا إن كان موسراً من حيث المال ولم يتمكّن من المباشرة مع عدم استقراره عليه ففي وجوب الاستنابة وعدمه قولان، لا يخلو أوّلهما عن قوّة لإطلاق الأخبار المشار إليها، وهي وإن كانت مطلقة من حيث رجاء الزوال وعدمه لكن المنساق من بعضها ذلك ...[3]

قال المصنّف (قده): لو استقرّ عليه الحجّ ـ كما إذا حصلت الاستطاعة المالية والبدنية والزمانية والسربية وأهمل ولم يحجّ ـ وبعد ذلك عرض له مانع من مباشرة الحجّ لمرض أو حصر لم يرج زواله أو هرم بحيث لا يقدر على الحجّ فقد ذهب المشهور إلى وجوب الاستنابة عليه تمسّكاً بالروايات الدالة على ذلك.

وكذا يجب عليه أن يرسل نائباً إذا لم يستقرّ عليه الحجّ وكان موسراً ولم يتمكّن من الذهاب والمباشرة بنفسه إلى الحجّ.

مقتضى القاعدة في الفرع الأوّل هو سقوط التكليف عنه لوجود المانع العارض حينئذ فلا يجب عليه الحجّ، لأنّه كان مستطيعاً ومع عدم الذهاب إلى الحجّ فقد ارتكب معصية يستحق عليها العقوبة، ثمّ لم يتمكّن بعد ذلك من الحجّ المباشري فلا يجب عليه الحجّ بسبب طرو المانع وعدم الاستطاعة البدنية. وكذلك لا يجب عليه الحجّ في الفرع الثاني أيضاً، لأنّ مقتضى القاعدة هو اشتراط الاستطاعة السربية في وجوب الحجّ وأن يكون الطريق مخلّى لا مانع فيه من الوصول إلى مكّة والمفروض في المقام أنّه لم يتمكّن من الذهاب والحجّ المباشري.

ولكن ذهب المشهور في الفرع الأوّل إلى أنّه يجب عليه أن يستنيب رجلاً صرورة وحيئنذ تنقلب وظيفته من الحجّ المباشري إلى الحجّ الاستنابي للروايات الصحيحة الدالّة على ذلك. وكذا ذهب المصنّف إلى وجوب الاستنابة في الفرع الثاني لإطلاق الأخبار المشار إليها، فإنّ الأخبار في المقام مطلقة تشمل الفرع الأوّل وهو من استقرّ عليه الحجّ ولم يذهب حتّى حصل مانع من المباشرة، وتشمل الفرع الثاني أيضاً وهو ما إذا لم يكن قد استقرّ عليه الحجّ وكان موسراً ولم يتمكّن من المباشرة. فالروايات الدالّة على ذلك:

منها: صحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إنّ عليّاً (عليه السلام) رأى شيخاً لم يحجّ قط ولم يطق الحجّ من كبره فأمره أن يجهّز رجلاً فيحجّ عنه» [4] . إنّ أمر الإمام (عليه السلام) في هذه الصحيحة «فأمره أن يجهّز رجلاً فيحجّ عنه» يدل على أنّ الحجّ قد استقرّ في ذمّته ولم يذهب، لأنّه إذا كان الحجّ غير واجب عليه ولم يكن مستطيعاً فلا معنى حينئذ لأمره (عليه السلام) بذلك. فهذه الصحيحة ظاهرة في خصوص من استقرّ عليه الحجّ أو أنّها مطلقة تشمل الفرع الأوّل والثاني الذي لم يستقرّ عليه الحجّ.

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أمر شيخاً كبيراً لم يحج قط ولم يطق الحجّ لكبره أن يجهّز رجلاً يحج عنه»[5] . فإنّ أمر الإمام (عليه السلام) فيها كذلك يدلّ على أنّ الحجّ قد استقرّ في ذمّته ولم يذهب إلى الحجّ فلذلك أمره (عليه السلام) بتجهيز رجل يحجّ عنه.

ونحن نرى إطلاق الروايات لكلا الفرعين فهي أمرت بوجوب الحجّ النيابي عن هذا الذي له مال ولم يتمكّن من المباشرة سواء كان قد استقرّ عليه الحجّ أو لم يستقرّ عليه الحجّ.

ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «وإن كان موسراً وحال بينه وبين الحجّ مرض أو حصر أو أمر يعذره الله فيه فإنّ عليه أن يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له»[6] .

فالظاهر من الصحيحة الأولى والثانية شمولهما لمن استقرّ عليه الحجّ أو لم يستقرّ وكان مستطيعاً من الناحية المالية، وأمّا الأخيرة فأنّها مطلقة من ناحية استقرار الحجّ عليه وعدمه. فهذه الصحاح إمّا أنّها مخصوصة بمن استقرّ عليه الحجّ فتكون دليلاً للفرع الأوّل أو أنّها مطلقة فتكون دليلاً للفرع الأول والثاني معاً، والإطلاق هو الصحيح.

وقد قيل بأنّ هذه الروايات تدلّ على الاستحباب لوجهين:

الوجه الأوّل: هذه الروايات تدلّ على اعتبار أمور في النائب كأن يكون رجلاً أو صرورة ، مع أنّه يجوز نيابة المرأة عن الرجل ونيابة غير الصرورة عنه ولا شكّ في عدم اعتبارهما في النائب، كما تدلّ عليه الروايات منها الخبر الدال: على أنّ امرأة خثعمية أتت إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله إنّ فرض الحجّ قد أدرك أبي، وهو شيخ لا يقدر على ركوب الراحلة، أيجوز أن أحجّ عنه؟ قال (صلّى الله عليه وآله): «يجوز» قالت: يا رسول الله، ينفعه ذلك؟ قال (صلّى الله عليه وآله ): « أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته، أما كان يجزئ؟» قالت: نعم، قال: « فدين الله أحقّ»[7] . وغيرها من الروايات الدالة على عدم اعتبارأن يكون النائب رجلاً وعدم أن يكون النائب صرورة.

فإنّ هذه الأخبار تدلّ على اعتبار شيء ليس بلازم في النائب ولذا يجب حملها على الاستحباب، والتفكيك بين القيد والمقيّد والالتزام بوجوب الاستنابة فيها من جهة وعدم الالتزام باعتبار هذه القيود في النائب ـ أي كون النائب رجلاً أو صرورة ـ من جهة أخرى بعيد.

والوجه الثاني: إنّ المستفاد من بعض الأخبار «إن شئت فجهّز رجلاً ثمّ ابعثه يحجّ عنك» هو الاستحباب فيجب حمل الأمر في الباقي منها عليه.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo