< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحج/شرائط وجوب حجة الإسلام /إذا استقرّ عليه الحجّ ولم يتمكّن من المباشرة

 

(مسألة72): إذا استقرّ الحجّ عليه ولم يتمكّن من المباشرة لمرض لم يرج زواله أو حصر كذلك أو هرم بحيث لا يقدر، أو كان حرجاً عليه فالمشهور وجوب الاستنابة عليه، بل ربّما يقال بعدم الخلاف فيه وهو الأقوى، وإن كان ربّما يقال بعدم الوجوب، وذلك لظهور جملة من الأخبار في الوجوب، وأمّا إن كان موسراً من حيث المال ولم يتمكّن من المباشرة مع عدم استقراره عليه ففي وجوب الاستنابة وعدمه قولان، لا يخلو أوّلهما عن قوّة لإطلاق الأخبار المشار إليها، وهي وإن كانت مطلقة من حيث رجاء الزوال وعدمه لكن المنساق من بعضها ذلك ...[1]

كان الكلام في الأمر الأوّل الذي تعرّض له المصنّف (قده) في هذه المسألة وهو: لو استقرّ عليه الحجّ ـ كما إذا حصلت الاستطاعة المالية والبدنية والزمانية والسربية وأهمل ولم يحجّ ـ وبعد ذلك عرض له مانع من مباشرة الحجّ لمرض أو حصر لم يرج زواله أو هرم بحيث لا يقدر على الحجّ فقد ذهب المشهور إلى أنّه يجب عليه أن يرسل نائباً يحجّ عنه.

وكذا يجب عليه أن يرسل نائباً إذا لم يستقرّ عليه الحجّ وكان موسراً ولم يتمكّن من الذهاب والمباشرة بنفسه إلى الحجّ.

والدليل على ذلك عدّة روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إنّ عليّاً (عليه السلام) رأى شيخاً لم يحجّ قط ولم يطق الحجّ من كبره فأمره أن يجهّز رجلاً فيحجّ عنه» [2] .

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إنّ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أمر شيخاً كبيراً لم يحجّ قط ولم يطق الحجّ لكبره أن يجهّز رجلاً يحج عنه»[3] .

فالظاهر من الصحيحتين أنّها مطلقة؛ لأنّ المذكور فيهما «لم يحجّ قط»، وهو يشمل من قد استقرّ عليه الحجّ ولم يتمكّن بعد ذلك من المباشرة لطرو المانع ومن لم يستقرّ عليه الحجّ وكان مستطيعاً من الناحية المالية فقط. والأمر فيهما «أمره أن يجهّز رجلاً يحجّ عنه» ظاهر في الوجوب، فيجب عليهما أن يرسلا نائباً يحجّ عنهما.

ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «وإن كان موسراً وحال بينه وبين الحجّ مرض أو حصر أو أمر يعذره الله فيه فإنّ عليه أن يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له»[4] .

فإنّها مطلقة أيضاً من ناحية استقرار الحجّ عليه وعدمه.

والحاصل: إنّ الروايات مطلقة؛ لأنّها أمرت بوجوب الحجّ النيابي عن هذا الذي له مال ولم يتمكّن من المباشرة سواء كان قد استقرّ عليه الحجّ أو لم يستقرّ عليه الحجّ.

وقد قيل بأنّ هذه الروايات تدلّ على الاستحباب لوجهين:

الوجه الأوّل: هذه الروايات تدلّ على اعتبار أمور في النائب كأن يكون رجلاً أو صرورة ، مع أنّه يجوز نيابة المرأة عن الرجل ونيابة غير الصرورة عنه، ولا شكّ في عدم اعتبارهما في النائب وهذا أمر متسالم عليه، ولذلك يجب حملها على الاستحباب، والتفكيك بين القيد والمقيّد والالتزام بوجوب الاستنابة فيها من جهة وعدم الالتزام باعتبار هذه القيود في النائب ـ أي كون النائب رجلاً أو صرورة ـ من جهة أخرى بعيد.

وفيه: مدلول هذه الروايات هو وجوب الاستنابة أوّلاً وأن يكون النائب رجلاً وصرورة ثانياً، فعند تسالم الأصحاب على عدم اعتبار الثاني وجواز كون النائب امرأة وغير صرورة نلغي هذا القيد في المدلول، والأوّل ـ وجوب الاستنابة ـ يبقى على حاله في صورة الاستقرار وعدمه. وبناء على ذلك، يجب عليه أن يرسل نائباً يحجّ عنه ويستحب أن يكون النائب رجلاً وصرورة وليس أصل إرسال النائب يكون مستحباً كما فهم ذلك.

وإمّا أن نلتزم بهذا القيد في الاستنابة عن الرجل الحيّ، فيجب عليه أن يجهّز رجلاً صرورة يحجّ عنه كما دلّت عليه الروايات. وعليه، فيكون جواز نيابة المرأة عن الرجل في غير هذا المورد. ولذلك قال المحقّق الخوئي (قده) في المناسك بأنّ الأحوط لزوماً هو أن يكون النائب رجلاً وصرورة إذا كان المنوب عنه حيّاً.

ثمّ يمكن أن يكون ذكر الرجل في هذه الروايات من باب المثال أو محمول على الغالب والمراد به الشخص والفرد لا الرجل في مقابل المرأة، ولذا يمكن أن تكون المرأة هي نائبة عن الرجل.

والوجه الثاني: إنّ المستفاد من بعض الأخبار هو استحباب النيابة حيث علّق الإمام (عليه السلام) إرسال النائب على مشيئة الرجل كخبر سلمة بن حفص، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنّ رجلاً أتى علياً (عليه السلام) ولم يحجّ قط، فقال: إنّي كنت كثير المال وفرّطت في الحجّ حتّى كبرت سني؟ فقال: فتستطيع الحجّ؟ فقال: لا ، فقال له علي (عليه السلام): إن شئت فجهّز رجلاً ثمّ ابعثه يحجّ عنك»[5] .

وكذا خبر عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي جعفر، عن أبيه (عليهما السلام): «إنّ علياً (عليه السلام) قال لرجل كبير لم يحج قط: إن شئت أن تجهّز رجلاً ثمّ ابعثه يحجّ عنك»[6] .

فإنّ قوله (عليه السلام) «إن شئت» قرينة على عدم وجوب الاستنابة بل له أن يرسل نائباً إن شاء ذلك، فتحمل باقي الروايات عليه.

وفيه: إنّ متعلّق المشيئة هو تفريغ الذمّة؛ أي إذا شئت تفريغ ذمّتك والخلاص من الحجّ الواجب الذي هو في ذمّتك فيجب أن ترسل نائباً يحجّ عنك، وليس متعلّقها الاستنابة، أي إذا شئت أن ترسل نائباً فجهّز رجلاً يحجّ عنك. فهذه المشيئة هي لتفريغ الذمّة من الواجب حال الحياة وليست الاستنابة مترتبة على المشيئة حتّى يقال بأنّ تعليقها على المشيئة يدلّ على الاستحباب. وعليه، يكون لتفريغ الذمّة من الواجب طريقان: الأوّل وهو الاستنابة في حال الحياة بأن يجهّز رجلاً يحجّ عنه، والثاني هو الاستنابة بعد الموت.

وذكر صاحب الجواهر (قده) اشكالاً آخر على الاستدلال بهذه الروايات وهو أنّ المستطيع من الناحية المالية يجب عليه أن يجهّز رجلاً يحجّ عن نفسه لا أنّه يحجّ عن المنوب عنه.

وفيه: إنّ هذا غير ظاهر من الروايات؛ لأنّها دلّت على تجهيز رجلاً لأجل أن يحجّ عن المرسل والمنوب عنه لا أنّه يحجّ عن نفسه.

وبالجملة: لا اشكال على وجوب الاستنابة في الروايات ولا دليل على حملها على الاستحباب، وعلى كلّ حال لا يمكن رفع اليد عن ظهور هذه الروايات المعتبرة في الوجوب، فمن وجب عليه الحجّ وأهمل ذلك ولم يحجّ ثمّ لم يتمكّن من مباشرة الحجّ أو لم يكن قد استقرّ عليه الحجّ وهو مستطيع من الناحية المالية فقط ولم يتمكّن من الذهاب بنفسه فيجب عليه أن يرسل نائباً لأجل أن يحجّ عنه؛ لدلالة الروايات الصحيحة على ذلك.

ثمّ ذكر السيد الحكيم (قده) في المستمسك: إنّ المذكور في كلام الأصحاب من المانع لمباشرة الحجّ هو الهرم والمرض والضعف ونحو ذلك ممّا يرجع إلى قصور الاستطاعة البدنية، ولم يذكروا غير ذلك من الموانع من حبس أو صدّ أو نحوهما ممّا يوجب فقد الاستطاعة السربية كما دلّت عليه صحيحة الحلبي. فإذن تعميم المانع هو الأوفق بالنصوص وقد ذهب إليه المصنّف وصاحب الشرائع ولكنّ المشهور خلاف هذا التعميم[7] .

الأمر الثاني:

هل يختصّ وجوب الاستنابة بصورة اليأس من زوال العذر؟

ثمّ ذكر المصنّف (قده) بأنّ وجوب الاستنابة مختص باليأس من زوال العذر ـ سواء كان العذر بدنياً أو سربياً ـ وذلك هو المنساق من بعض الروايات وذهب إليه المشهور أيضاً.

ولكن ذهب المحقّق الخوئي (قده) تبعاً لجماعة من المتقدّمين منهم صاحب الدروس وصاحب الحدائق (قدس سرّهم) إلى عدم الاختصاص؛ لأنّه لم يرد في الروايات اليأس من زوال العذر أو رجاء زواله بل المذكور فيها عدم التمكّن من إتيان الحجّ لمرض أو هرم أو نحو ذلك كالحبس. فتجب الاستنابة حينئذ مطلقاً سواء كان ذلك العذر يرجى زواله أم لا.

نعم اليأس من زوال العذر هو طريق عقلائي لعدم التمكّن من إتيان الحجّ واقعاً إلّا أنّ الواجب لا يختصّ به، فإنّ من كان يرجو زوال العذر فهو غير متمكّن من الحجّ أيضاً وإذا شكّ في الزوال وعدمه فيستصحب بقاء العذر. وبناء على ذلك، تجب الاستنابة لمن كان آيساً من زوال العذر أو كان يرجو ذلك. ولكن هذا حكم ظاهري، فإذا برئ من مرضه أو زال المانع بعد الاستنابة يجب عليه مباشرة الحجّ في الصورتين؛ لأنّ الحكم الظاهري لا يجزي عن الواقعي.

الأمر الثالث:

لو قامت الحجّة على عدم التمكّن من إتيان الحجّ المباشري ـ كما إذا يأس من زوال العذر أو حصل له العلم والاطمئنان بعدم الزوال أو أخبرته البيّنة العادلة من الأطباء بعدم الزوال أو استصحب بقاء العذر ـ واستناب نائباً ثمّ زال العذر وتمكّن من الحجّ مباشرة، هل هذا يجزئه عن حجّة الإسلام أو لا؟

قال المصنف (قده): حجّ النائب يُجزي عن حجّة الإسلام؛ نظراً إلى أنّ تكليف المنوب عنه حين قيام الحجّة على عدم التمكّن من الحجّ المباشري انقلب إلى الحجّ النيابي، وإذا زال العذر بعد ذلك لا دليل على وجوب إتيانه مرّة أخرى. وكذا يجزي عن حجّة الإسلام حتّى لو قلنا باستحباب النيابة؛ لأنّ النائب أتى بما وجب على المنوب عنه وحجّ عن ذمّته. وكذلك الحال لو ارتفع العذر في أثناء العمل بعد إحرام النائب، فإنّه يجب على النائب أن يتمّ الأعمال ويكفي بها عن المنوب عنه. بل يكفي عمله عن المنوب عنه لو ارتفع العذر قبل الإحرام وفي أثناء الطريق إلى مكّة.

ولكن خالفه كثير من العلماء؛ لأنّ ذلك الحجّ النيابي هو حكم ظاهري غير مجزئ عن الحكم الواقعي.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo