< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحج/شرائط وجوب حجة الإسلام /إذا مات من استقرّ عليه الحجّ في الطريق

 

(مسألة73): إذا مات من استقرّ عليه الحجّ في الطريق فإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام، فلا يجب القضاء عنه، وإن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه وإن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى، خلافاً لما عن الشيخ وابن إدريس فقالا بالإجزاء حينئذ أيضا، ولا دليل لهما على ذلك إلّا إشعار بعض الأخبار كصحيحة بريد العجلي حيث قال فيها بعد الحكم بالإجزاء إذا مات في الحرم: وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جُعل جمله وزاده ونفقته في حجّة الإسلام فإنّ مفهومه الإجزاء إذا كان بعد أن يحرم ، لكنّه معارض بمفهوم صدرها، وبصحيح ضريس وصحيح زرارة ومرسل المقنعة ...[1]

إذا مات من استقرّ عليه الحجّ في الطريق بعد الإحرام ودخول الحرم وإن لم يدخل مكّة فذلك يجزي عن حجّة الإسلام ولا يجب القضاء عنه، وحدود الحرم أوسع من مكّة ومحيط بها من جهاتها الأربع، وهو بريد في بريد، أي: اثنان وعشرون كيلومتراً طولاً في اثنين وعشرين عرضاً، فأحد حدود الحرم عرفات، وأحده الجعران، وأحده الحديبيّة، وأحده مسجد التنعيم.

وإن مات قبل ذلك، أي: قبل الدخول في الحرم فلا يجزي عن حجّة الإسلام ويجب القضاء عنه ولو كان موته بعد الإحرام.

والدليل على ذلك صحيحة ضريس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «في رجل خرج حاجّاً حجّة الإسلام، فمات في الطريق، فقال: إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجّة الإسلام، وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليّه حجّة الإسلام»[2] .

ربّما يقال: بأنّ المذكور فيها هو «إن مات في الحرم»، وليس فيها أنّه قد دخل الحرم بعد الإحرام، وبناء على ذلك، تشمل مطلق من دخل الحرم وإن لم يحرم.

وفيه: هذه الرواية منصرفة عمّن لم يحرم ودخل الحرم؛ إذ لا يصحّ لمن خرج حاجّاً أن يدخل الحرم من دون إحرام، فإذن لا بدّ أن يكون محرماً وقد دخل الحرم.

ولكن صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا أُحصر الرجل بعث بهديه ـ إلى أن قال: ـ قلت: فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكّة؟ قال: يُحجّ عنه إن كانت حجّة الإسلام ويعتمر، إنّما هو شيء عليه»[3] ، تدلّ على عدم الإجزاء قبل أن ينتهي إلى مكّة وإن دخل الحرم، ومفهوم هذه الصحيحة هو الإجزاء بعد أن ينتهى إلى مكّة، فيقع التعارض بين مفهومها وبين منطوق صحيحة ضريس الدالّة صريحاً على أنّ الإجزاء بعد الموت مختص بما إذا دخل الحرم وإن لم يدخل مكّة، فيُقدّم المنطوق على المفهوم عند التعارض وتُرفع اليد عن ظاهر صحيحة زرارة.

وأمّا إذا مات بعد الإحرام وقبل الدخول في الحرم فالمشهور هو عدم الإجزاء ويجب قضاء حجّة الإسلام عنه من أصل المال إن لم يوصي بها ومن الثلث إن أوصى بها لاشتغال ذمّته بالحجّ ولعدم دليل على الإجزاء، فإنّ الدليل علىه هو فيما إذا كان محرماً وقد دخل الحرم ومات فيه.

ولكن خالف الشيخ وابن إدريس (قدّس سرّهما) في ذلك وقالا بالإجزاء فيما إذا أحرم ولم يدخل الحرم، لصحيحة بريد العجلي، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج حاجّاً ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق؟ قال: إن كان صرورة ثمّ مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجّة الإسلام، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جُعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجّة الإسلام، فإن فضل من ذلك شيء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين»[4] ، بدعوى أنّ مفهوم قوله (عليه السلام) «قبل أن يحرم» هو الإجزاء إن مات بعد أن يحرم، فالميزان في الإجزاء حسب مفهوم الصحيحة هو الإحرام؛ ولذا إن مات بعد الإحرام فذاك يجزي عن حجّة الإسلام، وإن مات قبل الإحرام فلا يجزي عنها.

ثمّ أنّ هذه الصحيحة وصحيحة ضريس ـ الدالّة بالإجزاء إن أحرم ودخل في الحرم ـ كليهما مثبتان ولا تعارض بينهما فيكون العمل بهما معاً ويحكم بالإجزاء فيما إذا مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم وفيما إذا مات بعد الإحرام وبعد دخول الحرم.

ولكن يلاحظ علىه:

الأوّل: إنّ لهذه الصحيحة مفهومان؛ أحدهما في الصدر والثاني في الذيل، فيقع بينهما التعارض ويتساقطان ثمّ يرجع إلى الأدلّة الأخرى، وتوضيح ذلك:

جاء في صدر هذه الصحيحة «إن كان صرورة ثمّ مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجّة الإسلام»، فإنّ مفهوم ذلك هو «إن كان صرورة ولم يمت في الحرم فلا يجزي عنه حجّة الإسلام»، إذن مفهوم الصدر هو عدم الإجزاء عن حجّة الإسلام لو مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم.

وجاء في ذيلها «وإن كان قد مات وهو صرورة قبل أن يحرم جُعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجّة الإسلام»، فإنّ مفهوم ذلك «وإن كان قد مات وهو صرورة بعد أن يحرم لا يُجعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجّة الإسلام»، إذن مفهوم الذيل هو الإجزاء لو مات بعد الإحرام كما استدل بذلك الشيخ وابن إدريس (قدس سرّهما).

ولذا يقع التعارض بين مفهومي الصدر والذيل في نفس هذه الصحيحة؛ لأنّ مفهوم الصدر يدلّ على عدم الإجزاء عن حجّة الإسلام لو مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم ومفهوم الذيل يدلّ على الإجزاء لو مات بعد الإحرام، فيتساقطان ثمّ يرجع إلى ما دلّ على وجوب القضاء عنه لو مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم وهي صحيحة ضريس.

والثاني: لا يدلّ مفهوم ذيل هذه الصحيحة على الإجزاء؛ إذ المفهوم هو «إن كان قد مات وهو صرورة بعد أن يحرم لا يُجعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجّة الإسلام» أي إذا مات بعد الإحرام فهذا الحكم ـ جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجّة الإسلام ـ مرتفع، وهذا لا يدلّ على الإجزاء عن حجّة الإسلام.

ولتوضيح ذلك نقول: إنّ المستفاد من تعليق الجزاء في الجملة الشرطية على الشرط هو ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط ففي مثل «إن جائك زيد فأكرمه» يكون الجزاء ثابتاً عند مجيء زيد، والمفهوم منها هو انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط ـ أي عدم وجوب الإكرام عند عدم المجيء ـ ولا يثبت حينئذ حكماً وجزاءً آخر لعدم المجيء غير عدم وجوب الإكرام، فكذلك الحال في المقام؛ إذ انتفي الشرط ومات الصرورة بعد الإحرام فينتفي الجزاء ولا يُجعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجّة الإسلام، وهذا لا يدلّ على ثبوت حكم آخر وهو الإجزاء.

إذن لا مفهوم للذيل على الإجزاء، فيبقى مفهوم الصدر وهو «عدم الإجزاء عن حجّة الإسلام لو مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم» بلا معارض، مضافاً إلى مفادّ صحيحة ضريس، فيجب القضاء عنه لو مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم من أصل ماله لا ممّا أخذه معه في الطريق وهو الجمل وزاده ونفقته ونحو ذلك.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo