< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحج/شرائط وجوب حجة الإسلام /إذا مات من استقرّ عليه الحجّ في الطريق

 

(مسألة73): إذا مات من استقرّ عليه الحجّ في الطريق فإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام، فلا يجب القضاء عنه، وإن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه وإن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى ...

والظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الإحلال، كما إذا مات بين الإحرامين، وقد يقال بعدم الفرق أيضاً بين كون الموت في الحلّ أو الحرم بعد كونه بعد الإحرام ودخول الحرم وهو مشكل ، لظهور الأخبار في الموت في الحرم.

والظاهر عدم الفرق بين حجّ التمتع والقران والإفراد، كما أنّ الظاهر أنّه لو مات في أثناء عمرة التمتّع أجزأه عن حجّه أيضاً، بل لا يبعد الإجزاء إذا مات في أثناء حجّ القران أو الإفراد عن عمرتهما وبالعكس، لكنّه مشكل، لأنّ الحجّ والعمرة فيهما عملان مستقلان بخلاف حجّ التمتّع فإنّ العمرة فيه داخلة في الحجّ، فهما عمل واحد.

ثمّ الظاهر اختصاص حكم الإجزاء بحجّة الإسلام فلا يجري الحكم في حجّ النذر والإفساد إذا مات في الأثناء، بل لا يجري في العمرة المفردة أيضاً، وإن احتمله بعضهم. ...

كان الكلام في هذه المسألة في من استقرّ عليه الحجّ إذا مات في الطريق بعد الإحرام ودخول الحرم فيجزي عن حجّة الإسلام وإن لم يدخل مكّة ولم يكمّل الأعمال، وإذا مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم فلا يجزي عن حجّة الإسلام ويجب على وليّه القضاء عنه من أصل المال إن لم يوص بها ومن الثلث إذا أوصى بها؛ لدلالة النصوص على ذلك.

ثمّ يقع الكلام في عدّة تنبيهات:

التنبية الأوّل:

لو أحرم ودخل الحرم وأتى بعمرة التمتّع وحلّ من الإحرام وخرج من الحرم وذهب إلى جدّة ليشتري بعض الحاجيّات مثلاً ثمّ مات، هل يجزي عن حجّة الإسلام أو لا؟

ذهب بعض من الفقهاء إلى الإجزاء عن حجّة الإسلام؛ لأنّ موضوع عدم الإجزاء ووجوب القضاء في الأخبار هو فيما إذا كان الموت بعد الإحرام وقبل دخول الحرم، وهذا لم يشمل من دخل الحرم مع الإحرام ومات. وبناء على ذلك، لو مات في جدّة كذلك ـ أي بعد الإحرام وبعد دخول الحرم ـ لا يجب القضاء عنه ومعنى ذلك هو الإجزاء عن حجّة الإسلام وإن كان الأحوط وجوب القضاء عنه.

ولكنّ المصنّف (قده) ذهب إلى عدم الإجزاء عن حجّة الإسلام؛ لأنّ موضوع الإجزاء في الأخبار هو الموت في الحرم، فلا تشمل من مات في خارج الحرم بعد دخوله مع الإحرام.

ونحن نقول الحقّ هو ما ذهب إليه المصنّف (قده) وأنّه هو الأقوى وليس أحوط؛ لأنّ الروايات تدلّ على الإجزاء فيما إذا مات في الحرم، منها: صحيحة ضريس «في رجل خرج حاجّاً حجّة الإسلام، فمات في الطريق، فقال: إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجّة الإسلام، وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليّه حجّة الإسلام»[1] ، فإنّ المذكور فيها «إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجّة الإسلام، وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليّه»، فلو خرج من الحرم لحاجة ومات دونه فيجب على وليّه أن يقضي عنه حجّة الإسلام ومعنى ذلك هو عدم الإجزاء.

ومنها: صحيحة بريد العجلي، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج حاجّاً ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق؟ قال: إن كان صرورة ثمّ مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجّة الإسلام، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جُعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجّة الإسلام، فإن فضل من ذلك شيء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين»[2] ، حيث قال (عليه السلام) «إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجّة الإسلام».

فالحاصل أنّ المذكور في الأخبار أن يكون الموت في الحرم لا في خارجه، ولعلّ للموت في الحرم خصوصيّة خاصة توجب الإجزاء مثل خصوصية الدفن عند أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الذي يمنع من ضغطة القبر أو مثل خصوصية المدينة المنوّرة الذي يجوز فيها الصيام ثلاثة أيام وإن لم ينذر وكان مسافراً أو مثل خصوصية كربلاء المقدّسة في جواز تخيير الصلاة بين القصر والتمام في الحائر الحسيني، فلا يمكن أن نجرّد الحكم من الخصوصيّات الخاصة التي جاء فيه، فما ذهب إليه المصنّف (قده) هو الأقوى لا أنّه أحوط فقط.

وبناء على ذلك، مَن أحرم ودخل الحرم ومات فيه أجزأ عن حجّة الإسلام، وإذا خرج من الحرم لحاجة ومات دونه لم يجز عن حجّة الإسلام ويجب على وليّه أن يقضي عنه حجّة الإسلام.

وربّما يقال بأنّ الأخبار تدلّ على الإجزاء فيما إذا كان الموت بعد الإحرام وبعد دخول الحرم، فيكون هذا مقسماً لصورتين: أحدهما: من مات في الحرم بعد دخوله مع الإحرام، والثاني: من مات في خارج الحرم بعد دخوله مع الإحرام، ولذا يحكم بالإجزاء في هاتين الصورتين.

ويرد عليه بأنّ الأخبار لا تدلّ على ذلك؛ لأنّ مفادّها هو الإجزاء إن أحرم ودخل الحرم ومات فيه ولا تشمل من كان موته في خارج الحرم وإن دخل فيه مع الإحرام.

ولذلك قال الشيخ المفيد (قده) في المقنعة «من خرج حاجّاً فمات في الطريق فإنّه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجّة، وإن مات قبل دخوله الحرم لم تسقط عنه الحجّة وليقض عنه وليّه»[3] .

التنبيه الثاني:

الظاهر عدم الفرق بين حجّ التمتّع والقران والإفراد في الحكم بالإجزاء لو مات في الحرم بعد الإحرام وبعد الدخول في الحرم؛ لأنّ الحكم بالإجزاء في الروايات مختص بحجّة الإسلام من غير فرق بين الأقسام الثلاثة.

وكذا الظاهر أنّه لو مات في أثناء عمرة التمتّع أجزأه عن حجّة الإسلام أيضاً؛ لأنّها جزء من حجّ التمتّع ويشملها دليل الإجزاء.

وكذلك لو مات في الحرم بعد الإحرام وبعد الدخول في أثناء حجّ القران أو الإفراد يجزي عن حجّة الإسلام.

وأمّا لو مات في الحرم في أثناء العمرة المفردة، فالظاهر عدم الإجزاء؛ لأنّ الإجزاء على خلاف القاعدة، فإنّ مقتضى القاعدة هو اشتراط الاستطاعة الزمانيّة في وجوب الحجّ، فإذا مات قبل إكمال الأعمال سواء دخل الحرم أو لم يدخل يتبيّن أنّه لم يجب عليه الحجّ لعدم القدرة والاستطاعة ولا يجب القضاء عنه من صلب المال إن لم يوص به من الثلث، ولكن دلّت النصوص المتقدّمة على خلاف القاعدة على الإجزاء إذا كان الموت في الحرم بعد الإحرام وبعد دخول الحرم، وعلى عدم الإجزاء ووجوب القضاء عنه إذا كان الموت بعد الإحرام وقبل دخول الحرم.

وهذا التفصيل الوارد في النصوص بين الإجزاء وعدمه يكون على خلاف القاعدة فيقتصر فيه على مورد النص وهو حجّة الإسلام، ولا يشمل العمرة المفردة. وبناء على ذلك، لو مات في أثناء العمرة المفردة فالظاهر عدم الإجزاء عن بقيّة الأعمال، لعدم وجود نص في المقام يدلّ على الإجزاء.

ولذا من وجب عليه حجّ القران والإفراد ومات في الحرم أثناء أعمال الحجّتين بعد الإحرام وبعد دخول الحرم فهو يجزي عن حجّة الإسلام، ولكن لو مات في أثناء العمرة المفردة التي تجب عليه بعد حجّ القران والإفراد فلا تجزي عن حجّة الإسلام؛ لأنّها عبادة أخرى مستقلة بعد حجّ القران أو حجّ الإفراد، ولا دليل على الإجزاء فيها كما تقدّم.

وهذا بخلاف عمرة التمتّع؛ لأنّها جزء من حجّ التمتع وليست مستقلة عنه، فالواجب في حجّ التمتّع هو عمل واحد مركب من جزئين ـ عمرة التمتّع وحجّ التمتّع ـ ولذا إن مات في أثنائها في الحرم بعد الدخول والإحرام فقد تشمله دليل الإجزاء.

التنبيه الثالث:

الظاهر اختصاص حكم الإجزاء بحجّة الإسلام فلا يجري الحكم في الحجّ النذري إذا مات في الأثناء في الحرم بعد دخوله مع الإحرام، لما ذكر من أنّ الإجزاء على خلاف القاعدة ومختص بحجّة الإسلام.

نعم في الحجّ الإفسادي بناء على أنّ الحجّ الذي أفسده في هذا العام هو حجّة الإسلام ولذا أُمر بإتمامه فإذا مات فيه بعد الإحرام وبعد دخول الحرم أجزأ عن حجّة الإسلام، وأمّا الحجّة التي في السنة الآتية فهي حجّة عقوبة عليه لما فعله فإذا لم يمت في الحجّة السابقة الافساديّة التي هي حجّة الإسلام بل مات في الحجّة العقوبتيّة بعد الإحرام ودخول الحرم فلا يجزي عنها بل يجب على وليّه قضاءها عنه من أصل ماله إن لم يوص بها.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo