< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحج/شرائط وجوب حجة الإسلام /الكافر يجب عليه الحجّ إذا استطاع

(مسألة74): الكافر يجب عليه الحجّ إذا استطاع، لأنّه مكلّف بالفروع، لشمول الخطابات له أيضاً، ولكن لا يصحّ منه ما دام كافراً كسائر العبادات وإن كان معتقداً لوجوبه، وآتيا به على وجهه مع قصد القربة، لأنّ الإسلام شرط في الصحّة، ولو مات لا يقضى عنه لعدم كونه أهلا للإكرام والإبراء.

ولو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه، وكذا لو استطاع بعد إسلامه، ولو زالت استطاعته ثمّ أسلم لم يجب عليه على الأقوى؛ لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله كقضاء الصلوات والصيام، حيث إنّه واجب عليه حال كفره كالأداء، وإذا أسلم سقط عنه.

ودعوى أنه لا يعقل الوجوب عليه ، إذ لا يصحّ منه إذا أتى به وهو كافر ويسقط عنه إذا أسلم مدفوعة بأنه يمكن أن يكون الأمر به حال كفره أمرا تهكمياً ليعاقب، لا حقيقياً، لكنّه مشكل بعد عدم إمكان إتيانه به، لا كافراً ولا مسلماً، والأظهر أن يقال: إنّه حال استطاعته مأمور بالاتيان به مستطيعاً وإن تركه فمتسكّعاً وهو ممكن في حقّه لإمكان إسلامه وإتيانه مع الاستطاعة ولا معها إن ترك، فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال، ومأمور على فرض تركه حالها بفعله بعدها، وكذا يدفع الإشكال في قضاء الفوائت فيقال: إنّه في الوقت مكلف بالأداء، ومع تركه بالقضاء وهو مقدور له بأن يسلم فيأتي بها أداء، ومع تركها قضاء، فتوجّه الأمر بالقضاء إليه إنما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلّق فحاصل الإشكال أنّه إذا لم يصحّ الإتيان به حال الكفر ولا يجب عليه إذا أسلم فكيف يكون مكلفاً بالقضاء ويعاقب على تركه؟ وحاصل الجواب أنّه يكون مكلفاً بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب المعلّق، ومع تركه الإسلام في الوقت فوّت على نفسه الأداء والقضاء، فيستحق العقاب عليه، وبعبارة أخرى كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء وحينئذ فإذا ترك الإسلام ومات كافرا يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء، وإذا أسلم يغفر له وإن خالف أيضاً واستحق العقاب.

ذهب المشهور ومنهم المصنّف (قده) إلى أنّ الكافر مكلّف بالفروع وتشمله الخطابات أيضاً، فإنّ المخاطب بشريعة الإسلام كلّ الناس ولا تختّص الخطابات الشرعية بالمؤمنين وإن ورد الاختصاص في بعضها مثل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ لكنّه للتشريف.

ولكن ذهب المحقّق الخوئي وصاحب الحدائق (قدّس سرّهما) إلى أنّه غير مكلّف بالفروع، إذ لا يمكن تكليفه بالصلاة والصوم والحجّ وغير ذلك من العبادات مع بطلان عمله حال الكفر، ولو أسلم فلا تكليف له بالقضاء؛ إمّا لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله أو لأنّ السيرة القطعية في زمن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) هي على عدم وجوب قضاء الصلوات والصيام وسائر العبادات ومنها الحجّ على من يسلم من الكفّار. وهذا هو أهمّ دليل على عدم تكليفه بالفروع.

ولكن هذا في الحقيقة إشكال على تكليفه بقضاء العبادات لا بالنسبة إلى أدائها، حيث أنّه يمكن أن يسلم ويأتي بالصلاة والصوم والحجّ وغيرها من العبادات في الوقت، وإذا ترك هذا الأمر الأدائي المتوجّه إليه بها وكان باقياً في ذمّته ولم يأت به وكان مقدوراً علىه بأن يسلم ولم يفعل فيعاقب عليه إن مات كافراً.

ثمّ أنّ هذا الإشكال يأتي فيما إذا كان التكليف بالفروع متوجّهاً إلىه بالخصوص، والحال أنّ التكليف عام لكلّ الناس ولا يتوجّه إلى خصوص العاجز وهو الكافر حتّى يقال كيف يمكن توجيه التكليف إليه مع بطلان عمله حال الكفر، فإنّه يصحّ أن يفرض الله تكليفه على عموم الناس وإن علم أنّ بعضهم عاجز عنه، كما أنّ الله قد فرض الجهاد على الناس كلّهم وهو يعلم بأنّ بعضهم عاجز عن القيام به.

وبناء على ذلك، الكافر يجب عليه الحجّ إذا استطاع أو كانت الاستطاعة مستمرة إلى بعد الإسلام؛ لأنّه مكلّف بالفروع وحكمه كحكم سائر المسلمين حين الاستطاعة فيتحقّق موضوع وجوب الحجّ عليه بأنّه مكلّف مستطيع، ولكن لا يصحّ منه ما دام كافراً كسائر العبادات؛ لأنّ الإسلام شرط في صحّة الحجّ، وهو قادر على امتثال هذا الأمر صحيحاً بقبول الإسلام اختياراً.

ولا مانع من الالتزام بذلك ولا يكون لغويّاً بل هو أمرممكن ومعقول وله فائدة، فيحكم عليه بالعقاب إذا مات من دون إمتثال التكاليف المتوجّه إليه. وهذا مثل وجوب الصوم على المكلّف المجنب لكن لم يصح منه قبل الغسل؛ لأنّ الغسل من الجنابة قبل الفجر شرط صحّة الصوم والمكلّف قادر على امتثال أمره بإتيان الغسل، أو كوجوب الصلاة على المكلّف لكن لم تصح منه قبل الوضوء؛ لأن الوضوء شرط صحة الصلاة والمكلّف قادر على امتثال أمرها بإتيان الوضوء.

وإذا زالت الاستطاعة ثمّ أسلم، لا يجب عليه الحجّ متسكّعاً؛ إمّا لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله كما هو الحال في سائر العبادات من الصلاة والصوم أيضاً، فإنّها وإن كانت واجبة عليه حال كفره ولكن لم تصح منه قبل قبول الإسلام وإذا أسلم لا يجب عليه قضاء تلك العبادات، ولكن أخبار الجبّ ضعيفة مروية من غير طرقنا، أو لأنّ السيرة القطعيّة في زمن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) هو على عدم قضاء الصلوات والصيام وسائر العبادات ومنها الحجّ على من أسلم من الكفّار.

وربّما يقال في خصوص الحجّ بأنّه يجب عليه إتيانه ولو متسكّعاً؛ لأنّه غير مؤقت بسنة الاستطاعة فلا يتصوّر فيه القضاء فإذا أسلم وإن زالت استطاعته يجب عليه إتيانه، والحكم بعدم وجوب القضاء إنّما هو في العبادات المؤقته من الصلوات والصيام وليس الحجّ منها. وهذا نظير ما لو أسلم في وقت يمكن أن يأتي بأداء الصلاة أو الصوم فيه ولذا يجب عليه إتيانهما.

ويرد علىه: وإن صحّ أنّه لا موضوع للقضاء في الحجّ؛ لأنّه غير مؤقت بسنة الاستطاعة وليس حاله كحال الواجبات المؤقته من الصلوات والصوم إلّا أنّ موضوعه الاستطاعة فاذا زالت سقط الوجوب، كما هو الحال في المسلم المستطيع والمتمكّن من الناحية الماليّة والبدنيّة والزمانيّة والسربيّة ثمّ بعد ذلك عرض له مانع وسرق ماله في سنة الاستطاعة أو غير ذلك من الموانع الموجبة لفقد الاستطاعة من مرض أو موت أو حصر أو نحو ذالك فلا يجب عليه الحجّ حينئذ لزوال الموضوع وهو الاستطاعة.

وأمّا وجوب الحجّ متسكّعاً على المسلم إذا فوّت الاستطاعة بتسويفه للحجّ فإنّما هو لأجل النصوص الخاصّة التي تدلّ على ذلك وهي أخبار التسويف، ولولاها لكان مقتضى القاعدة هو سقوط الوجوب أيضاً بزوال الاستطاعة. ولكن هذه النصوص لا تشمل الكافر؛ لأنّها وردت فيمن يعتقد وجوب الحجّ ويتركه فيستقرّ عليه في ذمّته، والكافر حال كفره لا يعتقد بالوجوب فلا تجري نصوص التسويف في المقام. وبناء على ذلك، لو زالت الاستطاعة حتّى بعد استقرار الحجّ عليه سقط عنه الوجوب.

ولو مات كافراً لا يقضى عنه الحجّ ولا يخرج من تركته؛ لأنّه لا يصحّ منه الحجّ حال كفره ويشترط في صحّته الإسلام، فلا يقضى عنه ولو تبرّعاً، ولا نيابة عنه؛ لعدم دليل عليها وأنّه يشترط فيها أن يكون المنوب عنه مسلماً والمفروض أنّه مات ولم يسلم.

نعم تصحّ النيابة عن الكافر في الناصبي إذا كان أباً للنائب كما دلّ علىه النص وسيأتي ذكرها.

وذكر المصنّف (قده) بأنّه «لا يقضى عنه لو مات؛ لعدم كونه أهلاً للإكرام والإبراء»، وهذا لا يناسب فتواه من عدم وجوب القضاء بل المناسب أن يذكر دليلاً لعدم وجوب القضاء وهو اشتراط كون المنوب عنه مسلماً وعدم صحة النيابة عن الكافر.

ثمّ يقع الكلام في أنّه هل يستحق الكافر العقاب بتركه الحجّ وسائر العبادات مع أنّه لا يصحّ منه ذلك حال كفره وإذا أسلم يسقط عنه القضاء؟

وهذا بحث كلامي لا فقهي ولكن مع ذلك، اختلف الفقهاء في عقابه، وذهب المشهور إلى أنّه يصحّ عقابه، وذهب بعضهم إلى أنّه لا يصحّ عقابه؛ لأنّه ما دام كافراً لا يتمكّن من أداء الحجّ صحيحاً، إذ إنّ شرط صحّته هو الإسلام، وإذا أسلم فقد سقط عنه القضاء؛ إمّا لحديث الجبّ كما قال أهل السنّة أو للسيرة القطعية على عدم تكليفه بالإعادة والقضاء.

وقد أجاب عن ذلك المصنّف فقال: إنّه مأمور بالحجّ حال كفره وهذا أمر تهكّمي استهزائي صوري فيعاقب على تركه ولو لم يكن أمراً حقيقياً.

وفيه: إنّ ترك الأمر الحقيقي يوجب استحقاق العقاب، وليس في مخالفة الأمر التهكّمي كالأمر الامتحاني استحقاق للعقاب.

والصحيح في الجواب هو أن يقال: إذا مات كافراً ولم يحجّ وكان مستطيعاً فيستحق العقاب؛ لأنّه لم يأت بما أُمر به، إذ أنّه كان مستطيعاً ويمكن أن يأتي بالحجّ الصحيح بإتيان مقدمته وهي الإسلام، وإذا ترك ما أُمر به وهو متمكّن منه بإسلامه الاختياري مع قدرته عليه ومع تمكّنه منه فقد فوّت الملاك المُلزم وخالف أمر الله اختياراً، ولذا يستحق عليه العقاب.

وهذا مثل المكلّف المسلم إذا كان جنباً ولم يغتسل قبل طلوع الفجر وفات عنه الصوم فيعاقب على تركه، أو لم يتوضأ وفاتته الصلاة فيعاقب على تركها.

فإذن يستحق الكافر العقاب على تفويت الملاك المُلزم ومخالفة التكليف الممكن والمقدور والمتوجّه إليه في الحجّ وسائر العبادات.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo