< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحج/شرائط وجوب حجة الإسلام /لو أحرم مسلماً ثمّ ارتد، وإذا حجّ المخالف

 

(مسألة76): المرتد يجب عليه الحجّ، سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق أو حال ارتداده، ولا يصحّ منه، فإن مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه، ولا يُقضى عنه على الأقوى؛ لعدم أهليته للإكرام وتفريغ ذمّته، كالكافر الأصلي، وإن تاب وجب عليه وصحّ منه وإن كان فطرياً على الأقوى من قبول توبته، سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته، فلا تجري فيه قاعدة جبّ الإسلام؛ لأنّها مختصة بالكافر الأصلي بحكم التبادر، ولو أحرم في حال ردّته ثمّ تاب وجب عليه الإعادة كالكافر الأصلي.

ولو حجّ في حال إحرامه ثمّ ارتدّ لم يجب عليه الإعادة على الأقوى. ففي خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «من كان مؤمناً فحجّ ثمّ أصابته فتنة ثمّ تاب يحسب له كلّ عمل صالح عمله ولا يبطل منه شيء». وآية الحبط مختصّة بمن مات على كفره بقرينة الآية الأخرى، وهي قوله تعالى: ﴿ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم﴾[1] وهذه الآية دليل على قبول توبة المرتد الفطري، فما ذكره بعضهم من عدم قبولها منه لا وجه له[2] .

تقدّم الكلام في أنّه يجب الحجّ على المرتد الفطري والملّي كالكافر الأصلي، سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق أو حين ارتداده؛ لأنّه مكلّف بالفروع وتشمله الخطابات أيضاً، فإنّ المخاطب بشريعة الإسلام جميع الناس من المؤمنين والمرتديّن والكفّار وليست مختصة بطائفة خاصة من المسلمين أو المؤمنين، ولكن لا يصحّ منه ما دام مرتداً كسائر العبادات؛ لما تقدّم من أنّ الإسلام شرط في صحّة الحجّ.

ويعاقب على ترك الحجّ إذا مات مرتداً ولم يأت به وكان مستطيعاً، ولا يقضى عنه.

ويجب عليه الحجّ إذا تاب ويصحّ منه وإن كان الارتداد فطرياً سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته، ولكن تطبّق الأحكام الثلاثة علىه وإن قبلت توبته ظاهراً، وهي تقسيم أمواله ومفارقة زوجته ووجوب قتله على تفصيل قد مرّ ذكره.

ثمّ يقع الكلام في الفرع الخامس.

والخامس:

ولو حجّ حال إسلامه ثمّ ارتدّ ثمّ تاب لم يجب عليه الإعادة؛ لسقوط الأمر بوجوب الحجّ في تمام العمر مرّة واحدة، والكفر بين الإسلام الأوّل والإسلام الذي جاء بعد الارتداد لا يبطل الأعمال السابقة على الكفر، وآية الحبط ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [3] مقيّدة بمن مات وهو كافر.

ومضافاً إلى ذلك، صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «من كان مؤمناً فحجّ وعمل في إيمانه، ثمّ أصابته في إيمانه فتنة فكفر، ثمّ تاب وآمن، قال: يحسب له كلّ عمل صالح عمله في إيمانه، ولا يبطل منه شيء» [4] ، فإنّ قوله (عليه السلام) «يحسب له كلّ عمل صالح عمله في إيمانه»، ناظر إلى الأعمال التي جاء بها وهو مسلم قبل إصابة الفتنة، وليس المراد منه يحسب له كلّ عمل صالح بعد رجوعه إلى الإسلام من الفتنة؛ لأنّ مدلولها «من كان مؤمناً فحجّ».

ولعلّ التعبير عنها بالخبر في كلام المصنّف (قده) ـ مع أنّ جميع رجال السند من الثقات ـ هو لجهالة طريق الشيخ (قده) إلى الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، فإنّه وإن لم يذكر الطريق إليه لا في المشيخة ولا في الفهرست إلّا أنّه ذكره في الرجال، حيث قال: «الحسين بن علي بن سفيان البزوفري: خاصّي، يكنّى أبا عبد الله، له كتب، ذكرناها في الفهرست، روى عنه التلعكبري، وأخبرنا عنه جماعة منهم محمّد بن محمّد بن النعمان، والحسين بن عبيد الله، وأحمد ابن عبدون»[5] ، والطريق إلى كتبه صحيح، والرواية صحيحة. نعم قد ذكر الشيخ (قده) بأنّه ذكر الطريق إليه في الفهرست والحال أنّه غير موجود فيه، فلعلّ الاشتباه من النساخ.

فالحاصل: إذا حجّ في حال إسلامه، ثمّ ارتدّ ثمّ تاب لم يجب عليه الإعادة.

وذكر صاحب البحر الرائق والحصّاف قولاً للحنفية بأنّه إذا أوقف المسلم بستاناً للفقراء ثمّ ارتدّ فقد بطل وقفه وأصبح البستان ميراثاً للفقراء، سواء قتل في ردّته أو مات أو عاد إلى الإسلام، ولكن سائر أعماله المتقدّمة على الفتنة لم تبطل.

وفيه: لا دليل على بطلان الوقف دون سائر الأعمال إذا ارتدّ.

(مسألة77): لو أحرم مسلماً ثمّ ارتد ثمّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصح كما هو كذلك لو ارتد في أثناء الغسل ثمّ تاب، وكذا لو ارتد في أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ثمّ تاب قبل فوات الموالاة، بل وكذا لو ارتد في أثناء الصلاة ثمّ تاب قبل أن يأتي بشيء أو يفوت الموالاة على الأقوى من عدم كون الهيئة الاتصالية جزء فيها، نعم لو ارتد في أثناء الصوم بطل وإن تاب بلا فصل [6] .

قال المصنّف (قده) لو أحرم ثمّ ارتد، ثمّ تاب، لم يبطل إحرامه؛ لأنّ الزمان غير داخل في مفهوم الإحرام، فإنّه صفة متحقّقة للمحرم ولا يزول إلّا أن يحصل المحلّل من الحلق أو التقصير وإن حصل الارتداد.

وكذا القول لو أحرم وأتى ببعض أعمال الحجّ، ثمّ ارتدّ في الأثناء، ثمّ تاب، لم تبطل أعماله المتقدّمة على الارتداد؛ لأنّ الزمان غير داخل في مفهوم الحجّ وإن كان يقع في زمان معيّن.

وكذلك إذا ارتدّ في أثناء الطهارة من الغسل والوضوء ثمّ تاب بعد ذلك؛ لأنّ الزمان غير داخل في مفهومها بل هي صفة متحقّقة للمتطهّر فلا تزول ـ بشرط عدم فوت الموالاة ـ إلّا أن يأتي بأحد النواقض وإن حصل الارتداد. وكذا الأمر في الأذان والإقامة.

وهذا بخلاف الصوم، فإنّ الزمان داخل في مفهومه؛ لأنّه عبارة عن عمل واحد زماني وهو الإمساك من طلوع الفجر إلى الغروب مع النيّة، وإن ارتدّ فيه ولو آناً ما ثمّ تاب يبطل صومه، إذ يشترط في صحّته الإسلام في جميع هذا الزمان فالارتداد ولو لحظة يضر بصحّته.

وكذلك الصلاة إذا حدث فيها قطع وارتد ثمّ تاب تبطل؛ لأنّ الهيئة الاتصالية شرط في صحّتها وإن حصل الارتداد ولو لحظة اختلّت هذه الهيئة المعتبرة في الصحّة، خلافاً لما ذهب إليه المصنّف (قده)، كما أنّ الضحك فيها موجب لزوال الهيئة فتبطل معه.

(مسألة78): إذا حجّ المخالف ثمّ استبصر لا يجب عليه الإعادة، بشرط أن يكون صحيحاً في مذهبه وإن لم يكن صحيحاً في مذهبنا من غير فرق بين الفرق، لإطلاق الأخبار، وما دلّ على الإعادة من الأخبار محمول على الاستحباب بقرينة بعضها الآخر من حيث التعبير بقوله (عليه السلام): «يقضي أحبّ إليّ». وقوله (عليه السلام): «والحجّ أحبّ إليّ» [7] .

قال المصنّف: إذا حجّ المخالف الذي لم يكن على مذهب الإماميّة ثمّ استبصر ـ وكذا سائر عباداته إذا جاء بها ثمّ استبصر ـ فلا يجب عليه الإعادة بشرط أن يكون صحيحاً في مذهبه وإن لم يكن صحيحاً في مذهبنا، وقد دلّت على ذلك نصوص كثيرة بأنّه لا يبطل شيء من أعماله المتقدّمة إلّا الزكاة؛ لأنّه وضعها في غير موضعها، منها: صحيحة بريد بن معاوية العجلي، قال: «كلّ عمل عمله وهو في حال نصبه [8] وضلالته ثمّ منّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلاّ الزكاة فإنّه يعيدها، لأنّه يضعها في غير موضعها؛ لأنّها لأهل الولاية، وأمّا الصلاة والحجّ والصيام فليس عليه قضاء» [9] .

ومنها: صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنّهما قالا: «في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانيّة والقدرية ثمّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه، أيعيد كلّ صلاة صلاّها أو صوم أو زكاة أو حجّ أوليس عليه إعادة شيء من ذلك؟ قال: ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة، لا بدّ أن يؤدّيها؛ لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها وإنّما موضعها أهل الولاية» [10] .

 


[1] البقرة: 217.
[3] البقرة: 217.
[8] فإنّ ذكر الناصب فيها من باب المثال لأشدّ أنواع الخلاف.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo