< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحج/شرائط وجوب حجة الإسلام /إذا حجّ المخالف

 

(مسألة78): إذا حجّ المخالف ثمّ استبصر لا يجب عليه الإعادة، بشرط أن يكون صحيحاً في مذهبه وإن لم يكن صحيحاً في مذهبنا من غير فرق بين الفرق، لإطلاق الأخبار، وما دلّ على الإعادة من الأخبار محمول على الاستحباب بقرينة بعضها الآخر من حيث التعبير بقوله (عليه السلام): «يقضي أحبّ إليّ». وقوله (عليه السلام): «والحجّ أحبّ إليّ» [1] .

قال المصنّف (قده): إذا حجّ المخالف الذي لم يكن على مذهب الإماميّة ثمّ استبصر واعتقد بالولاية ـ وكذا سائر عباداته إذا جاء بها ثمّ استبصر ـ فلا يجب عليه الإعادة بشرط أن يكون صحيحاً في مذهبه وإن لم يكن صحيحاً في مذهبنا.

وقد دلّت على ذلك نصوص كثيرة بأنّه لا يبطل شيء من أعماله المتقدّمة إلّا الزكاة؛ لأنّه وضعها في غير موضعها، منها: صحيحة بريد بن معاوية العجلي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كلّ عمل عمله وهو في حال نصبه [2] وضلالته ثمّ منّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلاّ الزكاة فإنه يعيدها؛ لأنّه يضعها في غير موضعها لأنّها لأهل الولاية، وأما الصلاة والحجّ والصيام فليس عليه قضاء» [3] .

ومنها: صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنّهما قالا: «في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانيّة والقدرية ثمّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه، أيعيد كلّ صلاة صلاّها أو صوم أو زكاة أو حجّ أوليس عليه إعادة شيء من ذلك؟ قال: ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة، لا بدّ أن يؤدّيها؛ لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها وإنّما موضعها أهل الولاية» [4] .

والحكم بعدم الإعادة والإجزاء في المقام مختص بحجّ المخالف، فلا يشمل حجّ مَن كان من أهل الحقّ والولاية لو صدر منه ذلك على وفق مذهب أهل السنّة لجهله بالحكم؛ لأنّ مقتضى القاعدة هو بطلان الحجّ إذا كان فاسداً عندنا إلّا أنّ النصوص دلّت على صحّة حجّ المخالف إذا كان عمله صحيحاً في مذهبة وإن كان فاسداً في مذهبنا، وهو حكم تعبّدي.

وعليه، من كان من أهل الحقّ والولاية إذا أوقع حجّه على وفق مذهب أهل السنّة وكان جاهلاً بالحكم ثمّ بان له الحجّ الصحيح فيجب عليه الإعادة ولا دليل على الإجزاء حينئذ.

وذهب ابن الجنيد وابن البراج (قدس سرّهما) إلى بطلان حجّ المخالف وسائر عباداته بلا فرق بين الزكاة وغيرها وإن كان صحيحاً في مذهبه، فإذا استبصر وعرف الولاية وجب عليه الإعادة، والدليل على ذلك روايتان:

الأولى: رواية أبي بصير، قال: «وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحجّ وإن كان قد حجّ» [5] .

والثانية: رواية علي بن مهزيار، قال: «كتب إبراهيم بن محمّد بن عمران الهمداني إلى أبي جعفر (عليه السلام): أنّي حججت وأنا مخالف وكنت صرورة فدخلت متمتعاً بالعمرة إلى الحجّ، قال: فكتب إليه: أعد حجّك» [6] .

ولكن الروايتين ضعيفتان سنداً بسهل بن زياد، وعلى تقدير صحّة سندهما نقول بعدم وجوب الإعادة أيضاً؛ لأنّ التصريح بعدم وجوب الإعادة والإجزاء في تينك الروايتين المتقدّمتين يوجب رفع اليد عن ظهور هاتين الروايتين في الوجوب، والتصريح يقدّم على الظهور فيحمل الأمر في هاتين الروايتين على الاستحباب.

ويشهد لذلك بعض الأخبار الدالّة على الاستحباب، منها: صحيحة بريد بن معاوية العجلي، قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل حجّ وهو لا يعرف هذا الأمر، ثمّ منّ الله عليه بمعرفته والدينونة به، عليه حجّة الإسلام، أو قد قضى فريضته؟ فقال: قد قضى فريضته، ولو حجّ لكان أحبّ إليّ، قال: وسألته عن رجل حجّ وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة، ناصب متديّن، ثمّ منّ الله عليه فعرف هذا الأمر، يقضي حجّة الإسلام؟ فقال: يقضي أحبّ إليّ» [7] ، فإنّ قوله (عليه السلام) «ولو حجّ لكان أحبّ اليّ» وكذا قوله (عليه السلام) «يقضي أحبّ إليّ» يدلّ على الاستحباب.

ومنها: صحيحة عمر بن أُذينة، قال: «كتبت إلى أبي عبدالله (عليه السلام) أسأله عن رجل حجّ ولا يدري ولا يعرف هذا الأمر ثمّ منّ الله عليه بمعرفته والدينونة به، أعليه حجّة الإسلام؟ قال: قد قضى فريضة الله، والحجّ أحبّ إليّ» [8] .

ومنها: صحيحته الأُخرى التي زاد فيها «أنّه سأله عن رجل هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة، ناصب متديّن، ثمّ منّ الله عليه فعرف هذا الأمر، أيقضي عنه حجّة الإسلام، أو عليه أن يحجّ من قابل؟ قال: يحجّ أحبّ إليّ» [9] .

وبناء على ذلك، إذا حجّ المخالف وكان حجّه صحيحاً في مذهبه وإن لم يكن صحيحاً في مذهبنا ثمّ استبصر لا يجب عليه الإعادة بل يستحب عليه ذلك.

الاحتمالات في موضوع الروايات الدالّة على الإجزاء:

الأوّل: إنّ موضوع الحكم بالإجزاء مختص بما إذا كان عمل المخالف صحيحاً عندنا، وذلك لأنّ الروايات ناظرة إلى تصحيح عمله الفاقد لشرط الولاية وأنّه يكفي في صحّته إيمانه المتأخّر.

وفيه: إنّه لا يتصوّر أن يكون الحكم بالإجزاء وعدم الإعادة مختصّاً في صورة كون عمله صحيحاً عندنا؛ لأنّ عمله مخالف للواقع الصحيح الذي عليه عملنا، ولا أقلّ من بطلان حجّه من جهة الوضوء المعتبر في الطواف وصلاته.

والثاني: إنّ الحكم مختص بما إذا كان عمله صحيحاً عنده وفاسداً عندنا، وهو القدر المتيقّن من الروايات. وبناء على ذلك، لا يجب عليه إعادة الحجّ مرّة ثانية إذا استبصر وإن كان غير صحيح في مذهبنا.

والثالث: إنّ الحكم بما إذا كان عمله فاسداً عنده وعندنا.

وفيه: ليس موضوع هذه الروايات اختصاص الحكم فيما إذا كان العمل فاسداً عنده وعندنا؛ لأنّ السؤال فيها يتمحور حول حكم إعادة العمل السابق من ناحية فقدان الولاية وأنّه حجّ من دون ولاية ولا إيمان عنده وكانت عقيدته فاسدة، ولا يسأل عن الإعادة لأجل خلل قد وقع في العمل بل يسأل عن إعادة الحجّ أو سائر الفروع كالصلاة والصوم لأجل تبديل عقيدته وتغييرها، إذ لو بقي على حاله ولم يستبصر لما كان يرى نفسه مأموراً بالإعادة حسب عقيدته السابقة بل يرى أنّ عمله كان صحيحاً.

وقد ذهب المحقّق الخوئي (قده) إلى الإجزاء فيما لو كان العمل فاسداً عنده وصحيحاً عندنا، كما لو استند المخالف إلى فتوى من يرى جواز العمل على فتوى الشيعة كالشيخ شلتوت وأتى بالعمل الصحيح عندنا، فإن كان عمله مع عدم قصد القربة فهو خارج عن موضوع هذه الروايات، وإن كان عمله مع قصد القربة فلا يبعد الإجزاء لشمول الروايات لذلك فيكون صحيحاً ولا يجب عليه الإعادة.

ويضاف إلى ذلك، أنّ الأولويّة العرفية تحكم بالإجزاء هنا؛ لأنّه إذا كان الحكم بالإجزاء مختصّاً فيما لو كان العمل فاسداً عندنا وصحيحاً عنده وكان هذا هو القدر المتيقّن من الروايات، فبطريق أولى يكون كذلك لو كان العمل صحيحاً عندنا مع قصد القربة وإن كان فاسداً عنده.

والحاصل: إنّ موضوع الروايات الدالّة على الإجزاء مختصّ بما إذا كان العمل صحيحاً عنده وفاسداً عندنا، ولكن يشمل من كان عمله صحيحاً على مذهبه أو على مذهبنا استناداً إلى فتوى من يرى صحّة العمل وفق مذهب الشيعة وقصد القربة.

فرع:

إنّ الحكم بإجزاء حجّ المخالف ـ وسائر عباداته من غير الزكاةـ هو فيما إذا كان الاستبصار بعد انتهاء الأعمال بشرط أن يكون صحيحاً على مذهبه وفاسداً على مذهبنا، كما إذا حجّ أو صلّى صلوات كثيرة أو صام في سنين ماضية ثمّ بعد ذلك استبصر، فلا يجب عليه الإعادة حينئذ، لدلالة النصوص المتقدّمة على ذلك.

وأمّا لو كان الاستبصار في أثناء الحجّ، فهل الأعمال السابقة صحيحة وعلىه إكمال الباقي على وفق مذهب الإماميةّ أو أنّ تلك الأعمال السابقة غير صحيحة ويجب إعادتها إذا تمكّن من ذلك وإلّا يعيد الحجّ في العام المقبل إذا لم يتمكّن من إعادة الأعمال السابقة على استبصاره؟ فهنا وجهان:

الأوّل: يجب عليه إعادة تلك الأعمال السابقة إذا تمكّن من ذلك، كما لو كان الاستبصار بعد انتهاء عمرة التمتّع وقبل أعمال الحجّ، فيجب عليه الذهاب إلى الميقات والإحرام منه وإعادة عمرة التّمتع ثمّ يكمّل الأعمال اللاحقة على وفق مذهب الإماميّة، وإذا لم يتمكّن من ذلك وكان الاستبصار في وقت لا يمكن أن يأتي فيه بعمرة التمتّع ـ كما إذا استبصر في عرفات مثلاً ـ فيجب عليه إعادة الحجّ في العام المقبل.

والدليل على ذلك، أنّ مدلول الروايات الدالة على الإجزاء هو من جاء بالحجّ بأكمله وكان مخالفاً كـ «رجل حجّ» أو «حججت وأنا مخالف»، وهذا لا يدلّ على الإجزاء لو كان الاستبصار في الأثناء. وبناء على ذلك، لو كان الاستبصار في الأثناء وتمكّن من الإعادة وجب عليه ذلك ويكمّل الأعمال اللاحقة على وفق مذهب الإمامية وإن لم يتمكّن فيعيد الحجّ في المقبل.

والثاني: لا يجب عليه إعادة الأعمال السابقة بل إنّها صحيحة ويكمّل الأعمال اللاحقة على وفق مذهب الإماميّة؛ حيث إنّ صحيحة بريد العجلي «كلّ عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثمّ منّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه» تدلّ على الإجزاء لو كان الاستبصار في الأثناء، فإنّ «كل عمل عمله وهو في حال نصبه» يشمل الأعمال السابقة التي لم يتمكّن من إعادتها ومنها عمرة التمتّع، ومعنى «يؤجر عليه» هو صحّة تلك الأعمال؛ لأنّ أعمال في الحجّ وإن كانت مترابطة ومتوالية ولكنّها مستقلة، ولذا كلّ واحد منها من الإحرام والطواف والسعي وغيرها يحتاج إلى نية مستقلة، بخلاف الصلاة فإنّها تكون عملاً واحداً يحتاج فيها إلى نية واحدة.

والحاصل: إنّ مفادّ هذه الصحيحة هو أنّه يؤجر على كلّ عمل عمله وهو في حال النصب، وهذا يشمل عمرة التمتّع التي عملها وهو مخالف، ومعنى ذلك هو عدم الإعادة والإجزاء، فالاستبصار في الأثناء يكون مُجزياً أيضاً.

ويضاف إلى ذلك، أنّ الأولويّة العرفية تحكم بالإجزاء فيما لو كان الاستبصار في الأثناء؛ لأنّه لو كان الحكم بعد جميع الأعمال على طريقة أهل السنّة مُجزياً، فبطريق أولى يكون كذلك لو كان بعضها مطابقاً لمذهب الإمامية.


[2] فإنّ ذكر الناصب فيها من باب المثال لأشدّ أنواع الخلاف.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo