< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/07/04

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحج/شرائط وجوب حجة الإسلام /لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ

 

(مسألة79): لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ إذا كانت مستطيعة، ولا يجوز له منعها منه، وكذا في الحجّ الواجب بالنذر ونحوه إذا كان مضيّقاً، وأمّا في الحجّ المندوب فيشترط إذنه، وكذا في الواجب الموسّع قبل تضيّقه على الأقوى، بل في حجّة الإسلام يجوز له منعها من الخروج مع أوّل الرفقة مع وجود الرفقة الأخرى قبل تضيّق الوقت، والمطلّقة الرجعية كالزوجة في اشتراط إذن الزوج ما دامت في العدّة، بخلاف البائنة لانقطاع عصمتها منه، وكذا المعتدة للوفاة فيجوز لها الحجّ واجباً كان أو مندوباً، والظاهر أنّ المنقطعة كالدائمة في اشتراط الإذن، ولا فرق في اشتراط الإذن بين أن يكون ممنوعاً من الاستمتاع بها لمرض أو سفر أو لا [1] .

كان الكلام في هذه المسألة بأنّه لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ إذا كانت مستطيعة، ولا يجوز له منعها منه، وكذا في الحجّ الواجب بالنذر ونحوه من الإجارة والعهد واليمين إذا كان مضيّقاً.

كان الكلام في الأمر الثالث من هذه المسألة.

الأمر الثالث:

ذهب المصنّف وصاحب الجواهر وغيرهما من العلماء (قدس سرّهم) إلى إلحاق الحجّ الواجب بالنذر ونحوه من العهد واليمين ـ إذا كان مضيّقاً ـ بحجّة الإسلام فلا يجوز له منعها من الحجّ.

واستدلّ في المستمسك على ذلك بأنّ النصوص الواردة في المقام موردها حجّة الإسلام، فإلحاق غيرها بها إمّا لإلغاء خصوصية المورد، وعدم الفرق في الوجوب بين حجّة الإسلام والحجّ الواجب بالنذر ونحوه أو للإجماع أو لقوله (عليه السلام): «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» [2] .

وفيه: إنّ إلغاء الإذن في حجّة الإسلام لا يدلّ على الإلغاء في الحجّ الواجب بالنذر ونحوه؛ فإنّ لحجّة الإسلام خصوصيّة ولذا عبّرت النصوص عمّن تركها بأنّه كافر أو يموت يهودياً أو نصرانياً، وليس الأمر في ترك الحجّة المنذورة ونحوها كذلك.

والإجماع في المقام لا محصّل له؛ لاحتمال استناد المجمعين لإلغاء الخصوصية فيكون مدركيّاً لا قيمة له فلا يكشف عن رأي المعصوم (عليه السلام).

وأمّا رواية: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» فهي عند أهل السنّة صحيحة ومعتبرة، ولكن شكّك بعض فقهائنا في صحّة سندها لأنّها مرسلة؛ إذ إنّها لم ترو مسندة في طرقنا بل رواها الصحابي نوّاس ابن سمعان الأنصاري وقد يلقّب بالكلابي والعامري نسبة إلى أجداده.

وقد رويت هذه الرواية من طرقنا في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) [3] وفي المعتبر مرسلة [4] وحكي ذلك عن المحقّق (قده) في الوسائل [5] ، وكذا وردت في عدّة روايات، منها: عن الإمام الرضا (عليه السلام) ـ في كتابه إلى مأمون ـ قال: «وبرّ الوالدين واجب وإن كانا مشركين، ولا طاعة لهما في معصية الخالق ولا لغيرهما فإنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» [6] ، وغيرها [7] [8] [9] .

والحاصل أوّلاً: إنّ هذه الرواية رواها صحابي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مباشرة وثانياً أنّ مضمونها صحيح قطعاً؛ إذ من الواضح جدّاً عدم طاعة المخلوق في معصية الخالق، وهذه مثل الرواية عن أبي عبد الله (عليه السلام) حيث قال: «القضاة أربعة: ثلاثة في النار وواحد في الجنّة» [10] ، فإنّ مضمونها صحيح لأنّ الذي في الجنة هو من يفتي بالحقّ وهو يعلم، والباقي كلّهم في النار؛ لأنّهم يفتون بغير علم. ويضاف إلى ذلك أنّ عمل الأصحاب يجبر ضعف سندها، فهذه الرواية معتبرة عندنا وردّها بالإرسال غير صحيح، ولعلّ الفتوى بأنّه «لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ إذا كانت مستطيعة» تكون مستندة إلى أنّ طاعته طاعة للمخلوق في معصية الخالق.

وبناء على ذلك، نؤيّد ما ذهب إليه المصنّف وصاحب الجواهر (قدس سرّهما) من إلحاق الحجّ الواجب بالنذر ونحوه من العهد واليمين ـ إن كان صحيحاً ـ بحجّة الإسلام فلا يجوز له منعها من الحجّ.

 

ولكنّ الكلام في صحّة نذرها؟

ذهب المحقّق الخوئي (قده) إلى عدم صحّة النذر، وذلك إمّا لأنّ نذر الحجّ مرجوح ومحرّم في نفسه؛ لأنّه ملازم لخروجها من البيت من غير إذنه فلا ينعقد النذر المحرّم، أو لأنّه ينعقد ولكن يشترط في صحّته أن يكون متعلّقه راجحاً في وقت العمل لدلالة النصوص على ذلك في اليمين «إذا رأيت خيراً من يمينك فدعها» [11] وكذا الحكم في النذر والعهد، فإذا رأيتِ خيراً من نذركِ فدعيه، أي: إذا كان الزوج ينهى عن الخروج من البيت في وقت العمل فلا يكون نذرها للحجّ راجحاً حينئذ. فلا ينعقد نذرها في المقام من الأوّل؛ لأنّه إمّا مرجوح ومحرّم في نفسه أو غير راجح في ظرف العمل؛ إذ المفروض أنّ الزوج لم يأذن لها في الخروج من البيت والذهاب إلى الحجّ [12] .

وفيه: لا إشكال في رجحان نذرها للحجّ؛ لأنّ المنذور في المقام هو الحجّ وليس الخروج من البيت من دون إذن الزوج إلّا أنّ غايته يقع التزاحم بين الحجّ النذري والخروج المحرّم من البيت من دون إذنه فيقدّم الأهم منهما؛ إذ لا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال، فإنّه إن ذهبت إلى الحجّ فقد ارتكبت معصية بترك إذنه، وإن لم تذهب إطاعةً لأمره فقد تركت الحجّ الواجب المضيّق في هذه السنة.

وأمّا في تشخيص الأهم، نقول تارة بأنّ الحجّ النذري هو الأهم؛ نظراً إلى أنّه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، وإن وقع التشكيك في صحّة سند هذه الرواية لكن عمل بها المشهور فهي صحيحة من ناحية المدلول فيُؤخذ بها ويقدّم الحجّ حينئذ، وأُخرى نقول بأنّ طاعة الزوج هو الأهم؛ نظراً إلى تقديم حقّ الناس ـ طاعة الزوج بأن لا تخرج من البيت إلّا بإذنه ـ على حقّ الله في غير حجّة الإسلام، أي: في الحجّ النذري.

وأمّا إذا كان الحجّ الواجب بالاستيجار وكانت الإجارة مضيقّة في هذه السنة ثمّ تزوّجت، فقد أفاد المحقّق الخوئي (قده) بأنّه لا ريب في تقدّم الإجارة على حقّ الزوج وليس له منعها؛ لأنّ المدّة التي تعلّقت بها الإجارة ملك للغير [13] .

وفيه: إنّ المدّة ليست ملكاً للغير، وكذا لا يصحّ أن يقال بأنّ عملها ملك للغير؛ إذ لا معنى لذلك. والصحيح أن يقال: إنّها التزمت أن تحجّ عن الغير بأجرة فوجب عليها الوفاء بالالتزام ولا يجوز له منعها من ذلك.

 


[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص174، باب3 من أبواب الجهاد، ح1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo