< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/07/11

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /لا يشترط وجود المحرم في حجّ المرأة

 

(مسألة80): لا يُشترط وجود المحرم في حجّ المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها وبضعها، كما دلّت عليه جملة من الأخبار، ولا فرق بين كونها ذات بعل أو لا، ومع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم ولو بالأُجرة مع تمكّنها منها، ومع عدمه لا تكون مستطيعة، وهل يجب عليها التزويج تحصيلاً للمحرم؟ وجهان، ولو كانت ذات زوج وادّعى عدم الأمن عليها وأنكرت قدّم قولها مع عدم البيّنة أو القرائن الشاهدة والظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها إلّا أن ترجع الدعوى إلى ثبوت حقّ الاستمتاع له عليها، بدعوى أنّ حجّها حينئذ مفوّت لحقّه مع عدم وجوبه عليها، فحينئذ عليها اليمين على نفي الخوف، وهل للزوج مع هذه الحالة منعها عن الحجّ باطناً إذا أمكنه ذلك؟ وجهان في صورة عدم تحليفها. وأمّا معه فالظاهر سقوط حقّه، ولو حجّت بلا محرم مع عدم الأمن صحّ حجّها إن حصل الأمن قبل الشروع في الإحرام، وإلّا ففي الصحّة إشكال وإن كان الأقوى الصحّة [1] .

قلنا في ما تقدّم أنّ المرأة التي تخاف من الطريق لاعتداء عليها ضرباً أو قتلاً أو جرحاً أو تخاف على عرضها من الغصب والاعتداء يجب أن تأخذ معها من يؤمّن لها الطريق؛ لأنّ رفع خوفها مقدّمة الواجب.

الفرع السادس:

لو حجّت المرأة مع عدم أمن الطريق من دون مَن يرفع عنها الخوف فلا شكّ في صحّة حجّها إن حصل الأمن قبل الشروع في الإحرام؛ لأنّ المفروض حينئذ حصول الأمن وزوال خوفها قبل الإحرام، وإن كان الخوف وعدم الأمن مستمراً إلى تمام الأعمال ففي صحّة الحجّ إشكال وقد ذهب المصنّف (قده) إلى أنّ الأقوى هو الصحّة.

وقال المحقّق الخوئي (قده): إذا حصل الأمن من الطريق وارتفع الخوف قبل الإحرام فلاريب في صحّة حجّها كما ذهب إليه المصنّف (قده) وذلك؛ لأنّ جميع أفعال الحجّ اقترنت بالشرائط المعتبرة حيث إنّ الاستطاعة بشروطها الأربعة متحقّقة وقد حصل الأمن وعدم الخوف من الطريق أيضاً قبل الإحرام والوصول إلى الميقات.

وإذا لم يحصل الأمن وكان الخوف حاصلاً حين الإحرام وحين عمرة التمتّع وحتّى في عرفات والمشعر الحرام، ربّما يقال بأنّ المقام من باب التزاحم بين السفر المحرّم ووجوب الحجّ عليها، فلابد من تقديم الأهم وهو عدم السفر والمحافظة على نفسها، وفي فرض عصيان الأهم والذهاب إلى الحجّ فيحكم بصحّة الحجّ للأمر الترتّبي به.

ولكنّ المحقّق الخوئي (قده) ناقش هذا القول بقوله إنّ التزاحم يقع بين فعلين واجبين أو أحدهما واجب والآخر حرام، فحينئذ يلاحظ الأهم لعدم إمكان الجمع بينهما في مقام الامتثال، وفي فرض العصيان يكون المهم فعلياً فيصحّ إتيانه، إلّا أنّ المفروض في المقام أنّ السفر والحجّ فعل واحد، فإن كان الخروج من الدار (السفر) محرّماً عليها لخوفها على نفسها فلا يكون مصداقاً للواجب حتّى يجري فيه أحكام باب التزاحم، وكذا وقوفها في عرفة والمشعر وطوافها وسعيها محرّم عليها؛ لأنّ ذلك كلّه من مصاديق الخروج المحرّم فلا يمكن أن تتقرّب بذلك إلى الله سبحانه وتعالى، فيقع حجّها فاسداً حينئذ خلافاً لما ذهب إلىه المصنّف (قده).

ولكن إذا تمشّى منها قصد القربة فيحكم عليها بصحّة الحجّ، كما في بعض النساء المغفّلات باعتقاد أنّ الناس يذهبون إلى الحجّ مع كونهم آمنين ويصحّ حجّهم فهكذا يكون الأمر في حال عدم الأمن والخوف.

فهنا لا بأس بالحكم بالصحّة لوجود الأمر وحصول القربة؛ لأنّ المفروض عدم الخطر في الواقع ولكنّها لا تعلم به فالشروط الواقعية موجودة ولكنّها لا تعلم بها. أمّا عدم أمنها فهو لا يضرّ؛ لأنّ الأمن لها طريق إلى إحراز الواقع، وقد فرضنا أنّه موجود واقعاً وإن لم يقم عندها طريق إليه.

وممّا يدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمّار، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تحجّ إلى مكّة بغير وليّ؟ (سؤاء كانت آمنة أو خائفة ولكن لم يوجد خطر في الواقع) فقال: لا بأس، تخرج مع قوم ثقات» [2] ، فقد علّق وجوب الحجّ عليها بكون القوم ثقات وطبعاً الوثوق طريق إلى الواقع لا أنّه مأخوذ في الحكم [3] .

يرد عليه:

إنّ الصحيح عدم كون السفر والحجّ فعلاً واحداً بل هما فعلان تقارن أحدهما بالآخر، فإنّ الإحرام وقع في حال السفر المحرّم ـ وكذا سائر أعمال الحجّ ـ فيكون أحدهما مصداقاً للواجب والثاني مصداقاً للحرام؛ لأنّ المرأة يجب عليها الحجّ لتحقّق الاستطاعة المالية والبدنية والزمانية والسربية، وغاية الأمر أنّها تخاف على نفسها فيجب عليها استصحاب مَن تثق به لأجل رفع الخوف تحصيلاً لشرط الواجب ومع عدم ذلك يكون سفرها محرّماً عليها، فيدخل المقام في باب التزاحم ولابدّ من تقديم الأهم وهو الحرام لأجل المحافظة على نفسها، فإذا عصت الأمر الأهم وذهبت إلى الحجّ مع كونها خائفة يكون الأمر المهم وهو وجوب الحجّ فعلياً ويحكم بصحّة حجّها، كما ذهب إليه المصنّف (قده). وهذا نظير اقتران الصلاة بالنظر المحرّم إلى الأجنية، فإنّ الصلاة تكون مصداقاً للواجب والنظر يكون مصداقاً للحرام. هذا أوّلاً.

وثانياً إذا كان الحجّ في حال السفر المحرّم فاسداً؛ لعدم تمشّي قصد القربة، فإنّه يستلزم أن تكون الصلاة في السفر المحرّم كسفر المعصية فاسدة أيضاً، والحال أنّ الروايات تدلّ على صحّتها، وغاية الأمر ينقلب التكليف من القصر إلى التمام عقوبة له للنصّ، فالصلاة في السفر المحرّم ليست باطلة بل صحيحة ويتمكّن تمشّي قصد القربة من المسافر بالسفر المعصية؛ لأن الصلاة والسفر فعلان اقترن أحدهما بالآخر، فكذا يكون الأمر في المقام؛ لأنّ الإحرام ـ وكذا سائر المناسك ـ غير السفر هما فعلان اقترن أحدهما بالآخر ووقع في حال السفر المحرّم.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo