< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/07/17

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /إذا استقرّ عليه الحجّ بأن استكملت الشرائط

 

(مسألة81): إذا استقرّ عليه الحجّ بأن استكملت الشرائط وأهمل حتّى زالت أو زال بعضها صار ديناً عليه، ووجب الإتيان به بأيّ وجه تمكّن، وإن مات فيجب أن يُقضى عنه إن كانت له تركة، ويصحّ التبرّع عنه، واختلفوا فيما به يتحقّق الاستقرار على أقوال، فالمشهور مُضي زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله مستجمعاً للشرائط، وهو إلى اليوم الثاني عشر من ذي الحجة، وقيل باعتبار مُضي زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعاً للشرائط، فيكفي بقاؤها إلى مُضي جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوفان والسعي، وربّما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة، وقد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام ودخول الحرم، وقد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة، فلو أهمل استقرّ عليه وإن فقدت بعض ذلك؛ لأنّه كان مأموراً بالخروج معهم، والأقوى اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية والبدنية والسربية، وأمّا بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقاؤه إلى آخر الأعمال، وذلك لأنّ فقد بعض هذه الشرائط يكشف عن عدم الوجوب عليه واقعاً، وأنّ وجوب الخروج مع الرفقة كان ظاهرياً، ولذا لو علم من الأوّل أن الشرائط لا تبقى إلى الآخر لم يجب عليه، نعم لو فرض تحقّق الموت بعد تمام الأعمال كفى بقاء تلك الشرائط إلى آخر الأعمال، لعدم الحاجة حينئذ إلى نفقة العود والرجوع إلى كفاية وتخلية السرب ونحوها، ولو علم من الأوّل بأنّه يموت بعد ذلك فإن كان قبل تمام الأعمال لم يجب عليه المشي، وإن كان بعده وجب عليه، هذا إذا لم يكن فقد الشرائط مستنداً إلى ترك المشي وإلّا استقرّ عليه كما إذا علم أنّه لو مشى إلى الحجّ لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله مثلاً، فإنّه حينئذ يستقرّ عليه الوجوب؛ لأنّه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه، وأمّا لو شكّ في أنّ الفقد مستند إلى ترك المشي أو لا فالظاهر عدم الاستقرار للشكّ في تحقّق الوجوب وعدمه واقعاً، هذا بالنسبة إلى استقرار الحجّ لو تركه، وأمّا لو كان واجداً للشرائط حين المسير فسار ثمّ زال بعض الشرائط في الأثناء فأتمّ الحجّ على ذلك الحال كفى حجّه عن حجّة الإسلام إذا لم يكن المفقود مثل العقل، بل كان هو الاستطاعة البدنية أو المالية أو السربية ونحوها على الأقوى.

تقدّم ذكر فروع في هذه المسألة ويقع الكلام في الفرع الرابع.

الرابع:

اختلفوا فيما يتحقّق به استقرار الحجّ على أقوال:

الأوّل: إنّ الحجّ يستقرّ عليه فيما إذا كانت الاستطاعة المالية والبدنية والزمانية والسربية باقية إلى حين خروج الرفقة، فلو أهمل وسوّف ولم يخرج معهم استقرّ عليه الحجّ وإن فُقدت الاستطاعة بعد ذلك؛ لأنّه كان مأموراً بالخروج معهم.

وفيه: إنّ الاستطاعة المتحقّقة ووجوب الخروج مع الرفقة حكم ظاهري لا واقعي، فإذا فُقدت بعد خروج الرفقة ينكشف أنّه لا يجب عليه الحجّ من الأوّل وأنّه كان يتخيّل الوجوب ظاهراً، ومع ذلك لا معنى لاستقرار الحجّ عليه، كما لو كان يعلم بطرو مانع من مرض وسرقة ونحوه، فإنّ ذلك يكشف عن عدم الاستطاعة البدنية والمالية واقعاً وأنّ الحجّ غير واجب عليه حينئذ وكان يتصوّر الوجوب.

نعم، لو كان جاهلاً بفقدان الاستطاعة ويتصوّر وجوب الحجّ عليه ومع ذلك لم يخرج مع الرفقة، كان ذلك مصداقاً للتجرّي.

الثاني: إنّ الحجّ يستقرّ عليه فيما إذا كانت الاستطاعة باقية إلى زمان يمكن فيه الإحرام ودخول الحرم، فإذا فقدت بعد ذلك فقد استقرّ عليه الحجّ.

وفيه: إنّ العبرة بإتيان المناسك بأجمعها وهو مستطيع لا بالإحرام ودخول الحرم، ولذا لو كان يعلم بأنّه بعد الإحرام ودخول الحرم سوف يموت لا يجب عليه الحجّ؛ لأنّه لا يتمكّن من أن يأتي بجميع أفعال الحجّ مع الاستطاعة البدنية، ولا يصحّ منه الإحرام حيث إنّ الإحرام لا ينعقد للعمل الناقص. نعم لو مات اتفاقاً بعد الإحرام ودخول الحرم فقد دلّ الدليل على الإجزاء عن حجّة الإسلام وهذا حكم تعبّدي ثبت بنص خاص وليس معنى ذلك استقرار الحجّ عليه.

الثالث: إنّ الحجّ يستقرّ عليه فيما إذا كانت الاستطاعة باقية بعد مُضي زمان يمكن فيه من إتيان أركان الحجّ جامعاً للشرائط، أي: تكون الاستطاعة موجودة إلى جزء من يوم النحر بمقدار يتمكّن فيه من الإتيان بالأركان من رمي جمرة العقبة والذبح والحلق أو التقصير والطواف وصلاته والسعي، فإذا فقدت بعد ذلك يستقرّ عليه الحجّ.

وفيه: إن الاستطاعة تشترط في جميع أعمال الحجّ وأفعاله حتّى الأعمال التي بعد يوم النحر ومنها المبيت ورمي الجمار وليست مختصّة بوجودها في الأركان، بل تشترط حتّى بعد الانتهاء من جميع أفعال الحجّ من تخلية السرب والرجوع إلى بلده؛ فإنّ الاستطاعة السربية تُشترط في الوجوب ذهاباً وإياباً، وإذا كان الطريق غير مخلّى ولم تتحقّق الاستطاعة السربة لا يجب عليه الحجّ من الأوّل.

الرابع: إنّ الحجّ يستقرّ عليه فيما إذا كانت الاستطاعة باقية بعد مضي زمان يمكن فيه من إتيان جميع أعمال الحجّ وأفعاله مستجمعاً للشرائط حتّى طواف النساء والمبيت في منى، فإذا فقدت بعد ذلك استقرّ عليه الحجّ.

وفيه: إنّ طواف النساء وإن كان يجب عليه الإتيان به حتّى تحلّ زوجته التي حرمت عليه بالإحرام إلّا أنّه عمل مستقل وليس من أعمال الحجّ فلو تركه عمداً لا يكون حجّه فاسداً وإنّما لم تحل عليه زوجته، وكذلك المبيت في منى وإن كان يجب عليه الإتيان به إلّا أنّه عمل مستقل وإذا تركه عمداً لا يكون حجّه فاسداً بل تجب عليه الكفّارة.

الخامس: إنّ الحجّ يستقرّ عليه فيما إذا كانت الاستطاعة المالية والبدنية والسربية باقية إلى زمان يمكن فيه الرجوع إلى وطنه، فإذا فُقدت هذه الاستطاعة بعد ذلك استقرّ عليه الحجّ. ولذا لو كان يعلم بطرو مانع موجب لعدم هذه الاستطاعة من مرض وسرقة وصدّ بعد جميع الأعمال وقبل رجوعه إلى وطنه لا يجب عليه الحجّ من الأوّل ولا يستقرّ عليه الحجّ لو فُقدت حينئذ.

وأمّا بالنسبة إلى بعض الشرائط العقلية كالعقل والحياة، فإنّه لا يعتبر بقاءها إلى حين الرجوع إلى وطنه بل المعتبر وجودها حين العمل ولا يضرّ في صحّة العمل إذا فُقدت بعد الأعمال، ولذا لو كان عالماً بتحقّق الجنون والموت بعد الأعمال صحّ حجّه؛ لأنّ الجنون اللاحق لا يفسد العمل السابق وكذا الموت لا يُفسد العمل السابق لعدم حاجة الميّت إلى نفقة العود. وبناء على ذلك، يجب عليه الذهاب إلى الحجّ حتّى لو كان يعلم بتحقّق الجنون والموت بعد تمام الأعمال وقبل الرجوع إلى وطنه، ولو ترك الذهاب حينئذ استقرّ عليه الحجّ.

وهذا القول هو الصحيح وذهب إليه المصنّف (قده).

ولكن جميع ما تقدّم يتمّ فيما لو كان فقدان الاستطاعة أو الشرائط المعتبرة مستنداً إلى أمر طبيعي، فإنّ فقدانها يكشف عن عدم وجوب الحجّ عليه من الأوّل، ومعه لا معنى لاستقرار الحجّ عليه. وأمّا لو كان فقدانها مستنداً إلى نفسه وعدم ذهابه إلى الحجّ بحيث لو ذهب وخرج مع الرفقة لما فقدت تلك الاستطاعة أو الشرائط المعتبرة في الحجّ ولم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله مثلاً، ومع ذلك أهمل ولم يذهب إلى الحجّ، فإنّه يستقرّ عليه الحجّ حينئذ؛ لأنّه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo