< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/07/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /تقضى حجّة الإسلام من أصل التركة إذا لم يوص بها

 

(مسألة83): تُقضى حجّة الإسلام من أصل التركة إذا لم يوص بها، سواء كانت حج التمتّع أو القران أو الإفراد ، وكذا إذا كان عليه عمرتهما، وإن أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك أيضاً، وأمّا إن أوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه، وتُقدّم على الوصايا المستحبة وإن كانت متأخّرة عنها في الذكر، وإن لم يف الثلث بها أخذت البقيّة من الأصل، والأقوى أن حجّ النذر أيضاً كذلك ، بمعنى أنّه يخرج من الأصل كما سيأتي الإشارة إليه .... [1] .

 

بيّن المصنّف (قده) بأنّ حجّة الإسلام تُقضى من أصل التركة إذا لم يوص بها، وكذلك إذا أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث، وأمّا إذا أوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه.

وهذه المسألة فيها فروع:

الأوّل: مَن وجب عليه حجّة الإسلام ولم يحجّ ومات تُقضى عنه من أصل التركة إذا لم يوص بها.

ويدلّ على ذلك روايات كثيرة:

منها: موثقة سماعة به مهران، قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يموت ولم يحجّ حجّة الإسلام ولم يوص بها وهو موسر؟ فقال: يُحجّ عنه من صلب ماله، ولا يجوز غير ذلك» [2] .

ومنها: صحيحة محمّد ابن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل مات ولم يحجّ حجّة الإسلام ولم يوص بها، أيُقضى عنه؟ قال: نعم» [3] . وكذا صحيحته الأُخرى، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل مات ولم يحجّ حجّة الإسلام، يحجّ عنه؟ قال: نعم» [4] .

ومنها: معتبرة رفاعة، قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يموت ولم يحجّ حجّة الإسلام ولم يوص بها، أتُقضى عنه؟ قال: نعم» [5] .

ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: «يُقضى عن الرجل حجّة الإسلام من جميع ماله» [6] .

وربّما تُتصور المعارضة بينها وبين صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل توفّي وأوصى أن يحجّ عنه، قال: «إن كان صرورة فمن جميع المال، إنّه بمنزلة الدَّين الواجب، وإن كان قد حجّ فمن ثلثه، ومن مات ولم يحجّ حجّة الإسلام ولم يترك إلّا قدر نفقة الحمولة وله ورثة فهم أحقّ بما ترك، فإن شاؤوا أكلوا وإن شاؤوا حجّوا عنه» [7] ، حيث إنّها تدلّ على عدم وجوب القضاء عنه إذا لم يترك إلّا نفقة الحمولة، والمال يرجع إلى الورثة وهم يتصرّفون به إن شاؤوا لأنفسهم وإن شاؤوا حجّوا عنه.

وفيه: إنّ هذه الصحيحة لا تعارض تلك الروايات؛ لأنّها ظاهرة في أنّ ما تبقّى بعد موته لا يفي إلّا لنفقة الحمولة، فلا يجب القضاء عنه إذا لم تكن التركة بمقدار ما يفي لمؤونة الحجّ.

الثاني: مَن وجب عليه حجّة الإسلام ولم يحجّ ومات تُقضى عنه من أصل التركة إذا أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو من الثلث. ويدلّ على ذلك روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار وغيره، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل مات فأوصى أن يُحجّ عنه؟ قال: إن كان صرورة فمن جميع المال، وإن كان تطوّعاً فمن ثلثه» [8] .

ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثل صحيحة معاوية بن عمّار، وزاد فيه: «فإن أوصى أن يحجّ عنه رجل فليحجّ ذلك الرجل» [9] ، وعنه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: «يُقضى عن الرجل حجّة الإسلام من جميع ماله» [10] ، فإنّ مقتضى إطلاقها الوصيّة مع عدم تعيين الأجرة من الأصل أو من الثلث.

الثالث: مَن وجب عليه حجّة الإسلام ولم يحجّ ومات تُقضى عنه من الثلث إذا أوصى بإخراجها منه.

والدليل على وجوب قضاء حجّة الإسلام عنه من الثلث إذا أوصى بإخراجها منه هو الجمع بين ما دلّ على وجوب إخراج حجّة الإسلام من الأصل وبين ما دلّ على نفوذ الوصيّة بإخراجها من الثلث، فإنّ مقتضى الجمع بين الدليلين هو إخراج حجّة الإسلام من الثلث إن أوصى بذلك، ولا تنافي بين الدليلين حينئذ، ويتحقّق أداء حجّة الإسلام من الثلث كما أوصى بذلك؛ لأنّه إرفاق منه للورثة واسقاط لحقّه من الثلث.

وأمّا لو أوصى بإخراج حجّة الإسلام من الثلث بالإضافة إلى أمور أُخرى أيضاً، فإن كان المال وافياً بجميع ما أوصى به فهو، وإلّا فتُقدّم حجّة الإسلام على غيرها من الوصايا، لدلالة النصوص الكثيرة على ذلك في باب الوصايا، منها: صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله (عليه ‌السلام)، قال: «في امرأة أوصت بمال في عتق وحجّ وصدقة فلم يبلغ، قال: ابدأ بالحجّ فإنّه مفروض، فإن بقي شيء فاجعل في الصدقة طائفة وفي العتق طائفة» [11] .

ومنها صحيحة معاوية بن عمّار، قال: «ماتت اُخت مفضّل بن غياث وأوصت بشيء من مالها الثلث في سبيل الله، والثلث في المساكين، والثلث في الحجّ، فإذا هو لا يبلغ ما قالت ـ إلى أن قال ـ ولم تكن حجّت المرأة فسألت أبا عبد الله (عليه ‌السلام)، فقال لي: ابدأ بالحجّ، فإنّه فريضة من فرائض الله عليها، وما بقي اجعله بعضاً في ذا وبعضا في ذا ... » [12] ، وغيرها [13] .

وكذا روايتان ذكرهما صاحب الوسائل في كتاب الحجّ، منها: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة أوصت بمال في الصدقة والحجّ والعتق؟ فقال: إبدأ بالحجّ فإنّه مفروض، فإن بقي شيء فاجعل في العتق طائفة، وفي الصدقة طائفة» [14] .

ومنها: معتبرة معاوية بن عمّار الأُخرى، قال: «إنّ امرأة هلكت وأوصت بثلثها يتصدّق به عنها ويحجّ عنها ويعتق عنها، فلم يسع المال ذلك ـ إلى أن قال: ـ فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك؟ فقال: ابدأ بالحجّ فإنّ الحجّ فريضة، فما بقي فضعه في النوافل» [15] .

والحاصل: إذا كان المال وافياً بجميع ما أوصى به فهو، وإلّا فتُقدّم حجّة الإسلام على غيرها من الوصايا، لدلالة النصوص الكثيرة على ذلك.

ولولا تلك النصوص لكان مقتضى القاعدة هو تقسيم الثلث بالسوية على موارد الوصيّة كما أفتى به بعض أهل السنّة كأبي حنيفة ومالك والنخعي وسفيان الثوري، واستدلّ على ذلك بما أشارت إليه صحيحة معاوية بن عمّار، قال: «إنّ امرأة هلكت فأوصت بثلثها يُتصدّق به عنها ويُحجّ عنها ويُعتق عنها فلم يسع المال ذلك، فسألت أبا حنيفة وسفيان الثوري فقال كلّ واحد منهم: انظر إلى رجل قد حجّ فقُطع به فيُقوّى ورجل قد سعى في فكاك رقبته فيبقى عليه شيء فيعتق ويتصدّق بالبقيّة، فأعجبني هذا القول وقلت للقوم ـ يعنى أهل المرأة ـ : إنّي قد سألت لكم فتريدون أن اسأل لكم من هو أوثق من هؤلاء؟ قالوا: نعم، فسألت أبا عبد الله (عليه ‌السلام) عن ذلك، فقال: ابدأ بالحجّ فإنّ الحجّ فريضة فما بقي فضعه في النوافل، [ثمّ] قال [معاوية بن عمّار]: فأتيت أبا حنيفة، فقلت: إنّي قد سألت فلاناً [أي: الإمام الصادق عليه السلام] فقال لي كذا وكذا، قال: فقال هذا والله الحقّ وأخذ به ...» [16] .

ويرد عليه: إنّ قول بعض أهل السنّة باطل وليس فيه دليل؛ لأنّ المرأة أوصت بثلثها يُتصدّق به عنها ويُحجّ به عنها ويُعتق به عنها، ولكن حجّ الرجل الذي قُطع به عن نفسه ليس حجّاً عن المرأة، وكذا العتق، فإنّ العبد كان مع سيّده في عقد فكاك رقبته فبقي عليه شيء وليس هذا عتق عن المرأة.

وأمّا إذا أوصى أن تكون حجّة الإسلام من الثلث ولكن لم يكن الثلث وافياً للحجّ، فتأخذ البقية من الأصل وكأنّ الباقي بعد تمام الثلث الذي أوصى أن يكون الحجّ منه لم يوص به فيخرج من الأصل.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo