< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/07/23

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /تقضى حجّة الإسلام من أصل التركة إذا لم يوص بها

 

(مسألة83): تُقضى حجّة الإسلام من أصل التركة إذا لم يوص بها، سواء كانت حج التمتّع أو القران أو الإفراد ، وكذا إذا كان عليه عمرتهما، وإن أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك أيضاً، وأمّا إن أوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه، وتُقدّم على الوصايا المستحبة وإن كانت متأخّرة عنها في الذكر، وإن لم يف الثلث بها أخذت البقيّة من الأصل، والأقوى أن حجّ النذر أيضاً كذلك ، بمعنى أنّه يخرج من الأصل كما سيأتي الإشارة إليه ، ولو كان عليه دَين أو خمس أو زكاة وقصرت التركة فإن كان المال المتعلّق به الخمس أو الزكاة موجوداً قدم لتعلّقهما بالعين، فلا يجوز صرفه في غيرهما، وإن كانا في الذمّة فالأقوى أنّ التركة توزع على الجميع بالنسبة، كما في غرماء المفلس، وقد يقال بتقدّم الحجّ على غيره، وإن كان دَين الناس، لخبر معاوية بن عمّار الدال على تقديمه على الزكاة، ونحوه خبر آخر لكنّهما موهونان بإعراض الأصحاب مع أنّهما في خصوص الزكاة، وربّما يحتمل تقديم دَين الناس لأهميته، والأقوى ما ذكر من التخصيص، وحينئذ فإن وفت حصّة الحجّ به فهو، وإلّا فإن لم تف إلا ببعض الأفعال كالطواف فقط أو هو مع السعي فالظاهر سقوطه وصرف حصّته في الدَّين أو الخمس أو الزكاة، ومع وجود الجميع توزع عليها، وإن وفت بالحجّ فقط أو العمرة ففي مثل حجّ القران والإفراد تصرف فيهما مخيراً بينهما، والأحوط تقديم الحجّ، وفي حجّ التمتّع الأقوى السقوط وصرفها في الدَّين وغيره، وربّما يحتمل فيه أيضاً التخيير أو ترجيح الحجّ لأهميته أو العمرة لتقدمها، لكن لا وجه لها بعد كونهما في التمتّع عملاً واحداً، وقاعدة الميسور لا جابر لها في المقام [1] .

تقدّم في هذه المسألة بأنّ حجّة الإسلام تُقضى عمّن وجب عليه الحجّ ولم يحجّ ثمّ مات من أصل التركة إذا لم يوص بها، وكذا إذا أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو من الثلث؛ لدلالة النصوص على ذلك.

وكذا تُقضى عمّن وجب عليه الحجّ ولم يحجّ ومات من الثلث إذا أوصى بإخراجها منه، والدليل على ذلك هو الجمع بين ما دلّ على وجوب إخراج حجّة الإسلام من الأصل وبين ما دلّ على نفوذ الوصيّة بإخراجها من الثلث، فإنّ مقتضى الجمع بين الدليلين هو إخراج حجّة الإسلام من الثلث إن أوصى بذلك، ولا تنافي بين الدليلين حينئذ، ويتحقّق أداء حجّة الإسلام من الثلث كما أوصى بذلك؛ لأنّه إرفاق منه للورثة واسقاط لحقّه من الثلث.

وقال أهل السنّة بأنّ حجّة الإسلام تُقضى من أصل التركة؛ لأنّها دَين لله ودَين الله أحقّ بالقضاء فيجب إخراجها كسائر الديون من أصل التركة بعد الوفاة، ولكنّنا لا نقبل ذلك؛ لأنّ الحجّ مجموعة مناسك أوجبها الله على المكلّفين بعد الاستطاعة، وحاله حال سائر التكاليف الشرعية من الصلاة والصوم المتوجّه إليهم، فإنّهم يعاقبون على تركها، ولكنّها ليست بدَين، ولا تُقضى عنهم من أصل التركة إن تركوا ذلك. والتعبير بأنّ «الحجّ دَين» غير صحيح، وإنّ الرويات الدالة على ذلك كما في «أرأيت لو كان على أبيك دَين فقضيته، أما كان يجزئ؟ قالت: نعم، قال: فدَين الله أحقّ» [2] ، وغيرها في صدد تشبيه وجوب قضاء الحجّ وأداءه بعد الموت والاستطاعة كما يجب أداء ديون الناس المالية ﴿من بعد وصية يوصي بها أو دين﴾ [النساء: 11]، وليس معناه أنّ الحجّ دينٌ كسائر الأمور المالية فيجب أداءه من أصل التركة. وبناء على ذلك فإنّ الحجّ وسائر التكاليف الشرعية غير المالية تتعلّق بعهدة المكلّف لا في ذمّته، والعهدة وعاء اعتباري اعتبره العقلاء لكي تتعلّق به الواجبات غير المالية، بخلاف الواجبات المالية كالدَين والخمس والزكاة التي تتعلّق بالذمّة.

نعم، حجّة الإسلام تُقضى إمّا من أصل التركة إذا لم يوص بها وكذا إذا أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو من الثلث، أو تُقضى من الثلث إذا أوصى بإخراجها منه، وذلك لدلالة النصوص علىه وأنّه حكم تعبّدي لا من حيث القاعدة بأنّها دَين لله ودَين الله أحقّ بالقضاء.

وأمّا لو أوصى بإخراج حجّة الإسلام من الثلث بالإضافة إلى أمور أُخرى أيضاً، فإن كان المال وافياً بجميع ما أوصى به فهو، وإلّا فتُقدّم حجّة الإسلام على غيرها من الوصايا ولو كان ذكرها متأخّراً في الوصيّة؛ لدلالة النصوص الكثيرة على ذلك في باب الوصايا وفي كتاب الحجّ وقد تقدّم ذكرها.

ولولا تلك النصوص لكان مقتضى القاعدة هو تقسيم الثلث بالسوية على موارد الوصيّة كما أفتى به بعض أهل السنّة كأبي حنيفة ومالك والنخعي وسفيان الثوري، واستدلّ على ذلك بما أشارت إليه صحيحة معاوية بن عمّار، قال: «إنّ امرأة هلكت فأوصت بثلثها يُتصدّق به عنها ويُحجّ عنها ويُعتق عنها فلم يسع المال ذلك، فسألت أبا حنيفة وسفيان الثوري فقال كلّ واحد منهم: انظر إلى رجل قد حجّ فقُطع به فيُقوّى ورجل قد سعى في فكاك رقبته فيبقى عليه شيء فيعتق ويتصدّق بالبقيّة، فأعجبني هذا القول وقلت للقوم ـ يعنى أهل المرأة ـ : إنّي قد سألت لكم فتريدون أن اسأل لكم من هو أوثق من هؤلاء؟ قالوا: نعم، فسألت أبا عبد الله (عليه ‌السلام) عن ذلك، فقال: ابدأ بالحجّ فإنّ الحجّ فريضة فما بقي فضعه في النوافل، [ثمّ] قال [معاوية بن عمّار]: فأتيت أبا حنيفة، فقلت: إنّي قد سألت فلاناً [أي: الإمام الصادق عليه السلام] فقال لي كذا وكذا، قال: فقال هذا والله الحقّ وأخذ به ...» [3] .

ويردّ عليه: إنّ قول بعض أهل السنّة باطل وليس فيه دليل؛ لأنّ المرأة أوصت بثلثها يُتصدّق به عنها ويُحجّ به عنها ويُعتق به عنها، ولكن حجّ الرجل الذي قُطع به عن نفسه ليس حجّاً عن المرأة، وكذا العتق، فإنّ العبد كان مع سيّده في عقد فكاك رقبته فبقي عليه شيء وليس هذا عتق عن المرأة.

وهذه الرواية معتبرة وقد أفاد المحقّق الخوئي (قده) بذلك؛ لأنّ زكريا المؤمن ثقة لكونه من رجال كامل الزيارات ولم يرد فيه تضعيف، وما ذكره النجاشي من «أنّه كان مختلط الأمر في حديثه» لا يدلّ على ضعفه وإنّما يدلّ على أنّه كان يروي عن الضعفاء [4] . وإذا قلنا بأنّ المحقّق الخوئي تراجع عن توثيق رواة «كامل الزيارات» فالرواية غير صحيحة إلّا أنّه يوجد في المقام روايات أُخرى تقدّم ذكرها، ومنها: محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن معاوية بن عمّار، قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة أوصت بمال في الصدقة والحجّ والعتق؟ فقال: إبدأ بالحجّ فإنّه مفروض، فإن بقي شيء فاجعل في العتق طائفة، وفي الصدقة طائفة« [5] ، فإنّ طريق محمّد بن علي وهو الصدوق إلى معاوية بن عمّار صحيح وجيّد جدّاً.

وعلى كلّ حال إذا كان الثلث وافياً بجميع ما أوصى به فلا كلام، وإلّا فتُقدم حجّة الإسلام على غيرها من الوصايا ولو كان ذكرها متأخّراً في الوصيّة لدلالة نصوص كثيرة علىه في باب الوصايا وكتاب الحجّ وقد تقدّم ذكرها. ويضاف إلى ذلك أنّ مقتضى القاعدة هو تقديم حجّة الإسلام؛ لأنّها واجبة، وهي ركن الإسلام، فتُقدّم على غيرها من العتق والصدقة المندوبة وليس مقتضاها تقسيم الثلث بالسوية على موارد الوصيّة.

وأمّا قول علماء أهل السنّة في المقام:

القول الأوّل: إنّ حجّة الإسلام تُقضى من جميع المال، وهو قول ابن قدامه في المغني حيث قال: من فرّط في الحجّ وتوفّي أُخرج من جميع ماله حجّة وعمرة، وكذا من وجب عليه الحجّ ولم يفرّط ومات ولو لم يوص. وهذا قول الحسن وطاووس والشافعي.

والقول الثاني: إنّ حجّة الإسلام لا تُقضى بالموت، وهو قول أبو حنيفة ومالك حيث قالا بأنّه يسقط عنه الحجّ بالموت إلّا أن يوصي بإخراجه من الثلث. وهذا قول الشعبي والنخعي؛ لأنّ الحجّ عبادة تسقط عنه بالموت كالصلاة.

ولكنّ القول الأوّل هو الصحيح واستدلّوا له بما ورد عن ابن عباس بأنّ امرأة سألت النبي (صلّى الله عليه وآله) عن أبيها مات ولم يحجّ، قال: حجّي عن أبيك.

وبما ورد في امرأة نذرت أن تحجّ فماتت، فأتى أخوها إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) وسأله عن ذلك، فقال: أرأيت لو كان على أختك دَين أما كنت قاضيه، قال نعم، قال فاقضوا دَين الله فهو أحقّ بالقضاء. ولو فرض أنّ المورد المذكور في النذر فهكذا يكون في حجّة الإسلام بالأولوية؛ لأنّها دَين.

وبما ورد في وجوب القضاء عن الميّت الذي وجب عليه الحجّ ولم يحجّ؛ لأنّه استقرّ عليه الحجّ وأنّه حقّ تدخله النيابة كما إذا وجب عليه ذلك وعجز عن الإتيان المباشري، بخلاف الصلاة، فإنّها حقّ لم تقبل النيابة إذا عجز عنها. وبناء على ذلك، فإنّ الحجّ حقّ استقرّ على المكلّف ويدخله النيابة إذا لم يتمكّن من المباشرة فلا يسقط بالموت ويُقضى عنه من جميع ماله.

وبما ورد في أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمر أبا زرّين أن يحجّ عن أبيه ويعتمر، ويكون ما يحجّ به ويعتمر من جميع ماله؛ لأنّه دَين.

المختار

ونحن نرى أيضاً إخراج حجّة الإسلام وأنّها تُقضى من جميع المال قبل القسمة إلّا أنّ أدلّتنا تختلف عن أدلّة أهل السنّة في هذا القول وقد تقدّمت.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo