< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/08/02

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /لا يجوز للورثة التصرّف في التركة

 

(مسألة84): لا يجوز للورثة التصرّف في التركة قبل استئجار الحجّ إذا كان مصرفه مستغرقاً لها، بل مطلقاً على الأحوط إلّا إذا كانت واسعة جداً فلهم التصرّف في بعضها حينئذ مع البناء على إخراج الحجّ من بعضها الآخر كما في الدين، فحاله حال الدَّين.

 

تتضمّن في هذه المسألة ثلاثة فروع:

الأوّل: إذا كان مصرف الحجّ أو الدَّين مستغرقاً للتركة ومساوياً لها.

الثاني: إذا كان مصرف الحجّ أو الدَّين أقل من التركة ويبقى جزء قليل منها للورثة.

الثالث: إذا كان مصرف الحجّ أو الدَّين أقل من التركة ويبقى جزء كثير منها للورثة.

الأوّل:

قال المصنّف (قده): لا يجوز للورثة التصرّف في التركة قبل استئجار شخص للحجّ إذا كان مصرف الحجّ مستغرقاً للتركة ومساوياً لها.

ويدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء:11و12]، والنصوص كموثّقة السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «أوّل شيء يبدأ به من المال الكفن، ثمّ الدَّين، ثمّ الوصيّة، ثمّ الميراث» [1] وغيرها، فهذه الأدلّة تدلّ على أنّ مرتبة الإرث متأخّرة عن الدَّين، وبما أنّ الحجّ بمنزلة الدَّين فلو كان مصرف الحجّ بمقدار التركة فلا يجوز للورثة التصرّف في التركة؛ لأنّها لم تنتقل إلىهم وليس لهم نصيب فيها، ولا يملكون شيئاً منها حتّى يجوز لهم التصرّف فيها، بل تكون باقية على ملك الميّت وعلى شخصيّته الاعتبارية وتُنتقل منه ـ لا من ورثته ـ إلى الديّان أو إلى الحجّ، وحينئذ لا يجوز لهم التصرّف في ملك الغير.

وكذا لا يجوز للورثة التصرّف في التركة إذا قلنا بانتقالها من الميّت إلىهم ثمّ إلى الديّان؛ لتعلّق حقّ الغير (حقّ الديّان أو حقّ الحجّ) بها.

نعم، لو تبرّع الوارث أو غيره بأداء الدَّين أو بإتيان الحجّ، أو أبرأ الدائن ذمّة المدين ففي هذه الحالة تنتقل التركة إلى الورثة ويجوز لهم التصرّف فيها.

وتوجد هنا فتوى من بعض العلماء بأنّه يجوز للورثة التصرّف في التركة إذا كانت بقدر الحجّ بشرط أن يتعهّد بأداء الدَّين، والحال أنّ مجرّد الضمان والتعهّد لا قيمة له مع عدم رضى الدائن به ولا يُبيح هذا جواز التصرّف أصلاً.

نعم لو تعهّد أحد الورثة أو غيره بالحجّ فقد صار الحجّ عن الميّت واجباً عليه بتعهّده فهو كاستئجار شخص للحجّ فيتمكّن الورثة عندئذ من التصرّف بالتركة.

الثاني:

قال المصنّف (قده): لا يجوز للورثة التصرّف في التركة قبل استئجار شخص للحجّ إذا كان مصرف الحجّ أقل من التركة وبقى شيء منها على الأحوط وجوباً؛ لتعلّق حقّ الغير ـ حقّ الديّان أو حقّ الحجّ ـ بها من دون تشخّص، فيكون كلّ جزء منها متعلّقاً بحقّ الغير وحقّ الورثة على نحو الإشاعة والشركة المالية.

وقد أفتى البعض بعدم جواز التصرّف.

وفيه: أوّلاً: إنّ الصحيح هو جواز التصرّف في غير مقدار الدَّين وغير مقدار مصارف الحجّ؛ لأنّ حقّ الوارث في التركة ليس على نحو الشركة والإشاعة بل حقّ الدائن ومقدار الحجّ في التركة هو على نحو الكلّي في المعيّن والذي يطبّقه الوارث، فإنّ المال المتروك من قِبل الميّت لا ينتقل إلى الورثة بقدر الدَّين أو بقدر مقدار الحجّ وأمّا الزائد فهو ينتقل إليهم، إذن الميّت يملك كلّياً معيّناً من التركة للحجّ أو للدَّين والوارث يملك الباقي من التركة، وهنا يجوز للوارث أن يتصرّف بهذا الذي يملكه ويمكن للوارث أن يطبّق الكلّي الذي يملكه الديّان أو يكون بمقدار الحجّ على الأفراد الخارجية من المال ويتصرّف في الباقي مثل مَن باع صاعاً من صبرة فيجوز له التصرّف في الزائد عن الصاع بتطبيق الصاع على الخارج ولو بعد تصرّفه.

وللمزيد من التوضيح نقول: يجوز للورثة التصرّف في التركة بعد أداء الدَّين أو استئجار شخص للحجّ، نظراً إلى أنّ الشركة المالية بين الحقّين ـ حقّ الورثة وحقّ الديّان أو حقّ الحج ـ ليست على نحو الإشاعة؛ فالقول بعدم جواز التصرّف في المقام مخالف للقواعد الشرعية والفتوى، فإنّه لو كانت قيمة التركة مثلاً ثلاثين مليون دينار وكان هناك اثنان من الورثة وهما أخوان فإنّهما يتقاسمان الإرث بالمناصفة فيأخذ كلّ واحد منهم خمسة عشر مليون دينار، فإذا أقرّ بعد ذلك أحد الأخوين بوجود أخ آخر يشاركهما في التركة وأنكره الآخر، فيجب على المقرّ دفع الفاضل عن حصّته ـ فيما لو قُسّمت التركة من البداية إلى ثلاثة أقسام وكان الثالث وارثاً للميّت أيضاً ـ إلى مَن يقرّ بكونه وارثاً ويدفع إليه خمس مليون دينار من حصّته التي كانت خمسة عشر مليون دينار. ومعنى ذلك عدم الشركة على نحو الإشاعة؛ إذ إنّ الشركة لو كانت على نحو الإشاعة فاللازم منها أن يدفع المقرّ إلى الوارث الثالث نصف حصّته التي هي خمسة عشر مليون دينار ـ أي: سبعة ونصف مليون دينار ـ وذلك لأنّ التالف من مال الشركة يكون عليهما وكذا الحاصل منه يكون لهما بالسوية.

والحاصل: ما ذهب إليه صاحب العروة (قده) من الاحتياط الوجوبي وما أفتى به البعض غيرُ صحيح ولا يُطبّق قواعد الشركة على نحو الإشاعة؛ لوجود النصّ والفتوى على عدم ذلك. وبناء على ذلك، يجوز للورثة التصرّف في غير مقدار الدَّين والحجّ؛ لأنّ المال المتروك من قِبل الميّت لا ينتقل إلى الورثة بقدر الدَّين أو بقدر مقدار الحجّ وأمّا الزائد فهو ينتقل إليهم، إذن الميّت يملك كلّياً معيّناً من التركة للحجّ أو للدَّين والوارث يملك الباقي من التركة. وهذا مثل مَن باع صاعاً من صبرة فيجوز له التصرّف في الزائد عن الصاع الذي لم يبعه بتطبيق الصاع على الخارج ولو بعد تصرّفه.

ثانياً: إنّ السيرة العقلائية قائمة على جواز تصرّف الورثة في التركة فيما لو زادت على الدَّين أو ثمن الحجّ، والسيرة العقلائية حجّة.

ثالثاً: إنّ موثّقة عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي الحسن (عليه السلام) «أنّه سُئل عن رجل يموت ويترك عيالاً وعليه دين أيُنفق عليهم من ماله؟ قال: إن كان يستيقن أن الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق عليهم، وإن لم يكن يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال» [2] تدلّ على التفصيل بينما لوكانت التركة بقدر الدَّين (أو الحجّ؛ لأنّه كالدَّين) فلا يجوز التصرّف فيها وبينما لو لم تكن كذلك وشكّ في كونها بقدر الدَّين أو أكثر من ذلك فيجوز التصرّف فيها، فإذا كان الحكم في الموثّقة جواز التصرّف في التركة لو شكّ في كونها بقدر الدَّين أو أكثر، فإنّه يكون كذلك بطريق أولى لو علم بكون التركة أكثر من الدَّين (أو الحجّ). وهذه الرواية موثّقة بالحسن بن محمّد بن سماعة في السند.

إذن هذه الموثّقة صريحة في المطلوب بالأولوية ولا وجه للقول بأنّها غير صريحة فيه.

الثالث:

قال المصنّف (قده): يجوز للورثة التصرّف في التركة إذا كان مصرف الحجّ أو الدَّين أقل من التركة ويبقى جزء كثير منها للورثة.

وإن كان القول بالجواز في هذا الفرع صحيح إلّا أنّه لا وجه لما ذهب إليه المصنّف (قده) من التفصيل بين القول بالجواز هنا وبين القول بعدمه في الفرع الثاني.

(مسألة85): إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحجّ على المورّث وأنكره الآخرون لم يجب عليه إلّا دفع ما يخصّ حصّته بعد التوزيع، وإن لم يف ذلك بالحجّ لا يجب عليه تتميمه من حصّته، كما إذا أقرّ بدين وأنكره غيره من الورثة، فإنه لا يجب عليه دفع الأزيد، فمسألة الإقرار بالحجّ أو الدَّين مع إنكار الآخرين نظير مسألة الإقرار بالنسب، حيث إنّه إذا أقرّ أحد الأخوين بأخ آخر وأنكره الآخر لا يجب عليه إلّا دفع الزائد عن حصّته، فيكفي دفع ثلث ما في يده، ولا ينزل إقراره على الإشاعة على خلاف القاعدة للنصّ.

وتتضمّن هذه المسألة ثلاثة فروع:

الأوّل: إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحجّ على المورّث وأنكره الآخرون.

الثاني: إذا أقرّ بعض الورثة بدَين وأنكره غيره من الورثة.

الثالث: إذا أقرّ أحد الأخوين بأخ آخر وأنكر الآخر.

أمّا الأوّل: إذا أقرّ أحد الوارثين بوجوب الحجّ على المورّث وأنكره الآخر فالمقرّ يدفع الفاضل عن حصّته لثمن الحجّ، وهو نصف ثمن الحجّ إذا كان للمورِّث وارثان.

فلو كانت التركة ثلاثين مليون دينار وكان هناك اثنان من الورثة وهما أخوان، فإنّهما يتقاسمان الإرث بالمناصفة فيأخذ كلّ واحد منهم خمسة عشر مليون دينار، فلو كان ـ من باب الفرض ـ ثمن الحجّ عشرة ملايين دينار، فيدفع الفاضل عن حصّته لثمن الحجّ وهو خمسة ملايين دينار.

ويرد على عبارة المصنّف (قده) «وإن لم يف ذلك بالحجّ لا يجب عليه تتميمه من حصّته» بأنّه لو دفع الفاضل عن حصّته لثمن الحجّ، فإنّه لا يكفي لإتيان الحجّ قطعاً حيث إنّه يدفع نصف ثمن الحجّ الذي هو من الميقات حسب الفرض.

والثاني: إذا أقر أحد الوارثين بوجوب دَين على المورّث وأنكره الآخر فالمقرّ يدفع الفاضل عن حصّته إلى الدَّين.

والثالث: إذا أقر أحد الوارثين بأخ وأنكره الآخر فالمقرّ يدفع الفاضل عن حصّته إلى أخيه، هذا ما قاله صاحب العروة (قده) في هذه المسألة في الفروع الثلاثة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo