< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/08/07

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحجّ...، إذا كان على الميّت الحجّ ولم تكن تركته وافيه به

 

(مسألة85): إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحجّ على المورّث وأنكره الآخرون لم يجب عليه إلّا دفع ما يخصّ حصّته بعد التوزيع، وإن لم يف ذلك بالحجّ لا يجب عليه تتميمه من حصّته، كما إذا أقرّ بدَين وأنكره غيره من الورثة، فإنّه لا يجب عليه دفع الأزيد، فمسألة الإقرار بالحجّ أو الدَّين مع إنكار الآخرين نظير مسألة الإقرار بالنسب، حيث إنّه إذا أقرّ أحد الأخوين بأخ آخر وأنكره الآخر لا يجب عليه إلّا دفع الزائد عن حصّته، فيكفي دفع ثلث ما في يده، ولا ينزل إقراره على الإشاعة على خلاف القاعدة للنصّ [1] .

كان الكلام في هذه المسألة وتقدّم بأنّ المصنّف (قده) ذكر ثلاثة فروع فيها:

الأوّل: إذا أقرّ أحد الوارثين بوجوب الحجّ على المورّث وأنكره الآخر فالمقرّ يدفع الفاضل عن حصّته من ثمن الحجّ، وهو نصف ثمن الحجّ إذا كان للمورِّث وارثان. وللمقرّ مطالبة المنكر بما دفعه من الثمن.

والثاني: إذا أقرّ أحد الوارثين بوجوب دَين على المورّث وأنكره الآخر فالمقرّ يدفع الفاضل عن حصّته من الدَّين.

والثالث: إذا أقرّ أحد الوارثين بأخ وأنكره الآخر فالمقرّ يدفع الفاضل عن حصّته إلى أخيه. هذا ما قاله المصنّف (قده) في هذه المسألة.

ولكن يردّ علىه في الفرع الأوّل والثاني كما ذكر ذلك المحقّق الخوئي (قده) [2] :

أوّلاً: يجب على المقرّ دفع تمام ثمن الحجّ الذي أقرّ به من حصّته؛ لأنّه مقدّم على الإرث، وأنّ الشركة بين ثمن الحجّ والوارث على نحو الكلّي في المعيّن فيجب علىه دفع تمام ثمن الحجّ من حصّته، وله أن يطالب المنكر بما أعطاه من ثمن الحجّ.

وثانياً: يجب على المقرّ دفع تمام الدَّين الذي أقرّ به من حصّته؛ لأنّ الدين مقدّم على الإرث ويجب إخراجه من الأصل قبل التقسيم وأنّ الشركة بين الدَّين والوارث على نحو الكلّي في المعيّن فيجب عليه دفع تمام ذلك ولا يكتفي بدفع الفاضل عن حصّته فقط، وله مطالبة المنكر بما دفعه إلى الديّان.

وأمّا بالنسبة إلى الفرع الثالث فوافق المحقّق الخوئي (قده) ما ذهب إليه المصنّف (قده) في أنّه لو أقرّ أحد الوارثين بأخ وأنكره الآخر فيدفع المقرّ الفاضل عن حصّته إلى المقرّ له ويدفع ثلث ما في يده إليه ولا يجب عليه التنصيف، فلو كانت التركة مثلاً ثلاثين مليون دينار وكان هناك اثنان من الورثة وهما أخوان فإنّهما يتقاسمان الإرث بالمناصفة فيأخذ كلّ واحد منهم خمسة عشر مليون دينار، فإذا أقرّ بعد ذلك أحد الأخوين بوجود أخ آخر يشاركهما في التركة وأنكره الآخر، فيجب على المقرّ دفع الفاضل عن حصّته إلى مَن يقرّ بكونه وارثاً ويدفع إليه ثلث ما في يده وهو خمسة ملايين دينار ولا يجب عليه التنصيف، أي: لا يدفع المقرّ إلى المقرّ له سبعة ونصف مليون دينار.

نعم، لو غصب غاصب نصف التركة وعيّن أنّه غصب حصّة فلان، فنحكم بالتنصيف فيما بقي من التركة لجريان قاعدة الشركة على نحو الإشاعة بأنّ التالف من التركة يكون علىهما والباقي منها يكون لهما بالسويّة، والسرّ في ذلك هو: أنّ كلّ واحد منهما يعتقد بأنّ الغاصب غصب ما لا حقّ له فيه، وأنّهما مشتركان في التركة على نحو الإشاعة فيكون التالف عليهما والباقي لهما، بخلاف الفرع الثالث حيث إنّ الوارثين هناك كليهما لم يقرّا بوجود أخ ثالث بل يقرّ به أحدهما وينكره الآخر.

(مسألة86): إذا كان على الميّت الحجّ ولم تكن تركته وافية به ولم يكن دَين فالظاهر كونها للورثة، ولا يجب صرفها في وجوه البرّ عن الميّت، لكن الأحوط التصدّق عنه، للخبر عن الصادق (عليه السلام) عن رجل مات وأوصى بتركته أن أحجّ بها، فنظرت في ذلك فلم يكفه للحجّ فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا: تصدّق بها، فقال (عليه السلام): ما صنعت بها؟ فقال: تصدّقت بها، فقال (عليه السلام): ضمنت إلّا أن لا يكون يبلغ ما يحجّ به من مكّة، فإن كان لا يبلغ ما يحجّ به من مكّة فليس عليك ضمان. نعم، لو احتمل كفايتها للحجّ بعد ذلك أو وجود متبرّع بدفع التتمّة لمصرف الحجّ وجب إبقاؤها.

قال المصنّف (قده): إذا كان على الميّت حجّ ولم تكن تركته وافيه به ولم يكن عليه دَين فالظاهر كونها للورثة، ولا يجب صرفها في وجوه البرّ عن الميّت، لكن الأحوط استحباباً التصدّق عنه؛ لأنّ المانع عن انتقال التركة إلى الورثة هو وجوب الحجّ الكامل الذي يمكن الإتيان به، والمفروض عدم إمكان ذلك؛ لأنّ التركة لم تكن وافيه للحجّ الكامل وإن كانت وافية ببعض أفعاله إلّا أنّه عمل ارتباطي واحد لا يبعّض ولا دليل على إتيان بعض أفعاله دون الأُخرى، بخلاف الدَّين حيث إنّه واجب استقلالي يمكن التبعيض فيه إن لم تكن التركة وافية لطلب جميع الديّان فيأخذ كلّ واحد منهم بنسبة طلبه من التركة.

اذن المانع عن انتقال التركة إلى الورثة هو الحجّ ومع عدم إمكانه من صلب المال تنتقل التركة إلى الورثة أخذاً بإطلاقات ما تركه الميّت فهو لوارثه من بعد وصيّة يوصي بها أو دَين.

هذا في الحجّ الواجب المستقرّ في ذمّة الميّت، لكن لو أوصى بالحجّ من الثلث ولم يكن وافياً لذلك فلا ينتقل إلى الورثة؛ لأنّ الوصيّة تمنع من انتقال الثلث إليهم بل يبقى على ملك الميّت ويُصرف عليه في وجوه الخير فيما هو الأقرب بما أوصى به فالأقرب، ولذا لو لم يكن الثلث وافياً لإتيان حجّ التمتّع يُحجّ عنه حجّ الإفراد نظراً إلى أنّه أقلّ مؤونة من حجّ التمتّع، ولو لم يكن وافياً لذلك أيضاً يُصرف في سائر وجوه البرّ من بناء مسجد أو حسينية أو مدرسة دينية أو إطعام للفقراء أو تصدّق عليهم وغير ذلك من الوجوه التي يعود نفعها إلى الميّت؛ وذلك لأنّ الوصيّة حسب المتفاهم العرفي منها تنحلّ إلى أمرين على نحو تعدّد المطلوب حيث إنّ الميّت أوصى بثلثه لأجل تحصيل الثواب لنفسه وحدّد ذلك بمورد خاص فإذا تعذّر ذاك المورد الخاص يُصرف في مورد آخر قريب منه.

إذن هذه المسألة لها حالتان: الحالة الأُولى: مَن استقرّ عليه الحجّ الواجب وكانت تركته لا تكفي لإتيان الحجّ الكامل فالظاهر أنّها للورثة وترجع ميراثاً لهم، والحالة الثانية: مَن أوصى بإتيان الحجّ عنه من الثلث وكان الثلث غير كاف لذلك فلا يرجع إلى الورثة ويصرف على الميّت الأقرب فالأقرب، والظاهر أنّ كلام المصنّف (قده) في الحالة الأُولى حيث حكم بأنّ التركة كلّها إذا لم تكن وافيه للحجّ ولم يكن دَين عليه فالظاهر أنّها ترجع إرثاً لكن الأحوط استحباباً التصدّق عنه، واستدلّ على ذلك برواية علي بن مزيد (أو علي بن فرقد) صاحب السابري، قال: «أوصى إليّ رجل بتركته فأمرني أن أحجّ بها عنه فنظرت في ذلك فإذا هي شيء يسير لا يكفي للحجّ، فسألت أبا حنيفة وفقهاء أهل الكوفة، فقالوا: تصدّق بها عنه ـ إلى أن قال: ـ فلقيت جعفر بن محمّد (عليه السلام) في الحِجر فقلت له: رجل مات وأوصى إليّ بتركته أن أحجّ بها عنه فنظرت في ذلك فلم يكف للحجّ، فسألت من عندنا من الفقهاء، فقالوا: تصدّق بها، فقال: ما صنعت؟ قلت: تصدّقت بها، قال: ضمنت إلّا أن لا يكون يبلغ ما يحجّ به من مكّة فإن كان لا يبلغ ما يحجّ به من مكّة فليس عليك ضمان، وإن كان يبلغ ما يحجّ به من مكّة فأنت ضامن» [3] .

وفيه: أوّلاً: إنّ هذه الرواية ضعيفة بعلي بن مزيد أو علي بن فرقد حيث إنّه مجهول، مضافاً إلى ضعف زيد النرسي.

وثانياً: إنّ التصدّق عن الميّت فيما لو كانت تركته غير كافية للحجّ يكون في مورد الوصية وعدم وفاء الوصية بالحجّ وليس فيما نحن فيه من عدم وفاء التركة بأجمعها لأداء الحجّ الواجب عن الميّت، فما ذكره المصنف (قده) في استحباب التصدّق عنه يكون في مورد آخر غير مقامنا.

وثالثاً: إنّ الخبر يدلّ على أنّ الوصيّة إذا لم تكف لحجّ التمتّع فيجب الأقرب ـ أي: حجّ الإفراد من مكّة ـ فإن لم يمكن ذاك فيُتصدّق بها عن الميّت.

وبناء على ذلك، ما ذكره المصنّف (قده) من جعل التصدّق عن الميّت إذا لم تكف التركة للحجّ الذي عليه بلا موجب ولا دليل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo