< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/08/08

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /إذا كان على الميّت الحجّ ولم تكن تركته وافيه به...، إذا تبرّع متبرّع بالحجّ...

 

(مسألة86): إذا كان على الميّت الحجّ ولم تكن تركته وافية به ولم يكن دَين فالظاهر كونها للورثة، ولا يجب صرفها في وجوه البرّ عن الميّت، لكن الأحوط التصدّق عنه، للخبر عن الصادق (عليه السلام) عن رجل مات وأوصى بتركته أن أحجّ بها، فنظرت في ذلك فلم يكفه للحجّ فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا: تصدّق بها، فقال (عليه السلام): ما صنعت بها؟ فقال: تصدّقت بها، فقال (عليه السلام): ضمنت إلّا أن لا يكون يبلغ ما يحجّ به من مكّة، فإن كان لا يبلغ ما يحجّ به من مكّة فليس عليك ضمان. نعم، لو احتمل كفايتها للحجّ بعد ذلك أو وجود متبرّع بدفع التتمّة لمصرف الحجّ وجب إبقاؤها.

كان الكلام في هذه المسألة بأنّه إذا كان على الميّت حجّ ولم تكن تركته وافيه به ولم يكن عليه دَين فالظاهر كونها للورثة، ولا يجب صرفها في وجوه البرّ عن الميّت، لكن الأحوط استحباباً التصدّق عنه؛ لأنّ المانع عن انتقال التركة إلى الورثة هو وجوب الحجّ الكامل الذي يمكن الإتيان به، والمفروض عدم إمكان ذلك، فتُنتقل التركة إلى الورثة من دون وجود مانع.

وتقدّم بأنّ ما ذهب إليه المصنّف (قده) من أنّ الأحوط استحباباً التصدّق عن الميّت تمسّكاً بالخبر المذكور عن الإمام الصادق (عليه السلام) غير صحيح؛ لأنّ الخبر ضعيف بعلي بن مزيد أو علي بن فرقد وكذا زيد النرسي الموجود في السند، وثانياً إنّ الخبر يدلّ على أن الوصية إذا لم تكف لحجّ التمتّع فيجب عليه الأقرب ـ أي: حجّ الإفراد من مكّة ـ وإن لم يمكن ذاك فيُتصدّق بها عن الميّت، ولكن كلامنا في المقام في عدم وفاء التركة بأجمعها لأداء الحجّ الواجب عن الميّت.

وتقدّم أيضاً بأنّه لو أوصى بالحجّ من الثلث ولم يكن وافياً لذلك فلا ينتقل إلى الورثة؛ لأنّ الوصيّة تمنع من انتقال الثلث إليهم بل يبقى على ملك الميّت ويُصرف عليه في وجوه الخير فيما هو الأقرب بما أوصى به فالأقرب.

وقال المصنّف (قده): نعم، لو احتمل كفاية التركة للحجّ بعد ذلك أو وجود متبرّع بدفع التتمّة لمصرف الحجّ وجب إبقاؤها.

وقال المحقّق الخوئي (قده) [1] : لعلّ وجه إبقاء التركة هو عدم جريان البراءة في موارد الشكّ في القدرة حيث إنّ الوارث يشكّ في قدرته على إرسال نائب يحجّ عن الميّت لأجل احتمال انخفاض ثمن الحجّ أو وجود متبرّع بدفع التتمّة، والشكّ في القدرة موجب للاشتغال وإبقاء التركة حتّي ينكشف الحال إمّا بحصول الامتثال أو اليأس عنه.

ثمّ ناقش المحقّق الخوئي (قده) ما ذهب إليه المصنّف (قده) من الفتوى والدليل الذي استدلّ به له، فقال: الشكّ في المقام ليس شكّاً في الحكم التكليفي بأنّه يجب على الوارث إبقاء المال إلى حين مجيء متبرّع لدفع التتمّة أو لا يجب عليه ذلك، بل الصحيح في المقام هو: أنّ الشكّ يرجع إلى الحكم الوضعي بأنّ التركة التي لا تفي لثمن الحجّ هل تنتقل إلى الورثة ـ إذا لم يكن هناك متبرّع بالتتمّة ـ أو لا تنتقل إليهم وتبقى على ملك الميّت ـ إذا كانت التركة مع وجود المتبرّع بالتتمّة وافية لثمن الحجّ ـ ، فإذن يكون الشكّ في انتقال التركة إلى الورثة وعدمه بأنّ التركة في صورة وفائها للحجّ ولو بالتتمّة تكون باقية على ملك الميّت وفي صورة عدم وفائها للحجّ تنتقل إلى الورثة، فيُستصحب استمرار عدم الوفاء في السنة المقبلة وبذلك يتحقّق موضوع الانتقال إلى الورثة بناء على جريان الاستصحاب في الأمور الاستقبالية، وبناء على ذلك لا يجب إبقاء التركة.

نعم، لو تصرّف الورثة في التركة ثمّ انكشف الخلاف ووُجد المتبرّع أو ظهر وفاء التركة للحجّ بسبب انخفاض الثمن فإنّه يكشف بأنّ الاستصحاب لم يكن مطابقاً للواقع فيكونون ضامنين لما أتلفوه من التركة، ولكن هذا مطلب آخر ناشئ عن كشف الخلاف في الحكم الظاهري، ولكنّ كلامنا في أنّه يجوز للورثة التصرّف في التركة إذا كانت غير وافية للحجّ أو لا يجوز لهم ذلك.

(مسألة87): إذا تبرّع متبرّع بالحجّ عن الميّت رجعت أجرة الاستئجار إلى الورثة، سواء عيّنها الميّت أو لا، والأحوط صرفها في وجوه البرّ أو التصدّق عنه، خصوصاً فيما إذا عيّنها الميّت للخبر المتقدّم.

قال المصنّف (قده): إذا تبرّع متبرّع بالحجّ عن الميّت رجعت أجرة الاستئجار إلى الورثة؛ لأنّ الحجّ التبرّعي يُجزي عن الحجّ الاستئجاري وتبرأ ذمّة الميّت كما تبرأ ذمّته بتبرّع شخص بأداء الدَّين الذي كان عليه.

ويدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمّار، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل مات ولم يكن له مال ولم يحجّ حجّة الإسلام فحجّ عنه بعض إخوانه، هل يُجزي ذلك عنه أو هل هي حجّة ناقصة؟ قال: بل هي حجّة تامّة» [2] .

ومعتبرة عامر بن عميرة، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بلغني عنك أنّك قلت: لو أنّ رجلاً مات ولم يحجّ حجّة الإسلام فحجّ عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه؟ فقال: نعم، أشهد بها على أبي أنّه حدّثني أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أتاه رجل فقال: يا رسول الله إنّ أبي مات ولم يحجّ ، فقال له رسول الله ( صلّى الله عليه وآله): حجّ عنه فإنّ ذلك يُجزي عنه» [3] .

والحاصل: لا مانع من رجوع التركة والأُجرة إلى الورثة سواء كانا وافيان للحجّ أو لا؛ لأنّ المانع من الإرث ليس إلّا وجوب الحجّ وقد ارتفع بتبرّع شخص آخر عنه، ولكن إذا أوصى بالحجّ من الثلث وتبرّع متبرّع عنه بالحجّ لا ينتقل ما أوصى به إلى الورثة بل يبقى على ملك الميّت ويُصرف عنه في وجوه البرّ (كما تقدّم قريباً).

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo