< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /هل الواجب الاستئجار عن الميّت من الميقات أو من البلد؟

 

(مسألة88): هل الواجب الاستئجار عن الميّت من الميقات أو البلد؟ المشهور وجوبه من أقرب المواقيت إلى مكّة إن أمكن، وإلّا فمن الأقرب إليه فالأقرب، وذهب جماعة إلى وجوبه من البلد مع سعة المال وإلّا فمن الأقرب إليه فالأقرب، وربّما يحتمل قول ثالث وهو الوجوب من البلد مع سعة المال وإلّا فمن الميقات، وإن أمكن من الأقرب إلى البلد فالأقرب. والأقوى هو القول الأوّل وإن كان الأحوط القول الثاني، لكن لا يحسب الزائد عن أجرة الميقاتية على الصغار من الورثة، ولو أوصى بالاستئجار من البلد وجب ويحسب الزائد عن أجرة الميقاتية من الثلث ولو أوصى ولم يعيّن شيئاً كفت الميقاتية إلّا إذا كان هناك انصراف إلى البلدية أو كانت قرينة على إرادتها كما إذا عيّن مقداراً يناسب البلدية.

إذا وجب الحجّ على المكلّف المستطيع ولكن أهمل ولم يذهب واستقرّ ذلك في ذمّته فلا كلام في أنّه يقضى عنه ويستأجر مَن يحجّ عنه من أصل التركة قبل تقسيمها، وكذا إذا أوصى أن يُحجّ عنه حجّة الإسلام فإنّه يُخرج عنه حجّة من أصل التركة ما لم يقيّد إخراج الحجّة من الثلث، ولكن وقع الخلاف في المكان الذي يجب الاستئجار منه على أقوال:

الأوّل: يُستأجر مَن يحجّ عنه من أقرب المواقيت إلى مكّة إن أمكن وإلّا فمن غيره مراعياً الأقرب فالأقرب، وهو ما نُسب إلى المشهور.

والثاني: يُستأجر مَن يحجّ عنه من البلد وهو ما نُسب إلى الشيخ الطوسي (قده).

والثالث: يُستأجر مَن يحجّ عنه من البلد إذا اتّسع المال وإلّا فمن الأقرب إلى البلد فالأقرب، وهو ما نسب إلى ابن إدريس وصاحب الدروس.

والكلام في هذه المسألة يقع في ثلاث مقامات وفي كلّ مقام تطرح الأقوال الثلاثة المتقدّمة.

المقام الأوّل: الاستئجار عن الميّت، والمقام الثاني: الاستئجار عن الحيّ، والمقام الثالث: الوصيّة بالحجّ عن الميّت.

المقام الأوّل: الاستئجار عن الميّت:

إنّ المستفاد من النصوص أنّه لو وجب علىه الحجّ ولكن لم يذهب واستقرّ عليه في الذمّة فيجب عليه الإتيان بأيّ وجه تمكّن وإن مات يجب أن يقضى عنه ويُستأجر مَن يحجّ عنه من أصل التركة؛ لأنّ الحجّ كالدَّين يخرج من صلب المال قبل التقسيم، ولكن لم يرد نصّ في المقام دالّ على وجوب الإخراج من الميقات أو من البلد بشكل محدّد، وما دلّ من النصوص على ذلك فإنّه في خصوص المقام الثاني والثالث، أي: في خصوص مَن لم يتمكّن من الحجّ المباشري بعد طرو المانع أو في خصوص مَن أوصى بالحجّ.

وبناء على ذلك، لابدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه الأدلّة والروايات، فإنّها تدلّ على وجوب قضاء الحجّ الواجب عن الميّت الذي استقرّ عليه الحجّ من أصل التركة قبل التقسيم، وأنّ التركة بمقدار ثمن الحجّ لا تنتقل إلى الورثة، والحجّ هو عبارة عن مجموعة مناسك مخصوصة أوّلها الإحرام من الميقات وآخرها طواف النساء، فلذا يجب الاستئجار لها، وأمّا قطع المسافة وسائر المقدمّات كتهيئة جواز السفر وغير ذلك كلّها خارجة عن تلك المناسك وليست جزءاً منها فلا يجب الاستئجار لها.

فإذن مقتضى القاعدة هو وجوب الاستئجار لحجّة الإسلام من الميقات، وهذا المقدار من الأُجرة يُخرج من التركة، ونظراً لاختلاف المواقيت في القرب والبعد من مكّة وتفاوت ثمن الاستئجار بينها فيتخيّر الوارث في اختيار الميقات الأقرب أو الأبعد وله تطبيق ذلك.

وأمّا ما ذهب إليه ابن ادريس [1] وصاحب الدروس [2] من القول بالتفصيل فقد استدلّ علىه في السرائر بأنّه لو كان حيّاً لوجب عليه أداء الحجّ وصرف المال من البلد ولو مات وجب الاستئجار عنه كذلك إلّا إذا كانت النفقة بقدر ما يحجّ به من بعض المواقيت فيجب عليه ذلك، حيث قال: «والصحيح الأوّل (الحجّ عنه من البلد) لأنّه كان يجب عليه نفقة الطريق من بلده، فلمّا مات سقط الحجّ عن بدنه وبقي في ماله بقدر ما كان يجب عليه لو كان حياً من نفقة الطريق من بلده، فأمّا إذا لم يخلف إلّا قدر ما يحجّ به من بعض المواقيت، وجب أيضاً أن يُحجّ عنه من ذلك الموضع»، وادّعى تواتر الأخبار على ذلك أيضاً.

وفيه: صرف المال لأداء الحجّ من البلد وإن كان واجباً إلّا أنّه واجب عقلي أو واجب شرعي مقدّمي لا نفسي، ولذا لو فرض أنّ مكلّفاً اتّفق له الذهاب إلى المدينة أو إلى الميقات لغاية أُخرى غير الحجّ ثمّ قام بأداء فريضة الحجّ من المدينة أو من ذلك الميقات فإنّ حجّه صحيح ولا حاجة له للعود إلى بلده لأداء الحجّ منه، وكذلك الحال في ما لو استأجر شخصاً لأداء الحجّ عن الميّت. مضافاً إلى أنّ ادّعاء التواتر غير ثابت ولم يرد أيّ نص في المقام ولو رواية ضعيفة تدلّ على وجوب إخراج الحجّ عن الميّت من الميقات أو من البلد فضلاً عن التواتر. ولعلّ ما ذهب إليه أصحاب هذا القول من التفصيل ناظر إلى الوصيّة بالحجّ والروايات الواردة فيه لكنّ كلامنا في القضاء عنه بدون وصيّة.

ولا دليل على ما ذهب إليه الشيخ الطوسي (قده) بأنّ يجب الاستئجار من البلد.

والحاصل: يجب استئجار مَن يحجّ عن الميّت من الميقات.

المقام الثاني: الاستئجار والنيابة عن الحيّ:

إذا كان المكلّف الحيّ مُوسراً من حيث المال ولم يتمكّن من مباشرة الحجّ يُجزي أن يُستأجر مَن كان صرورة يحجّ عنه من الميقات ولا يجب عليه ذلك من البلد وإن كان جائزاً. وبناء على ذلك فالقول الثاني بوجوب استئجار شخص يحجّ عنه من البلد غير صحيح ولا دليل على ذلك خصوصاً بعد ما كان الحجّ هو عبارة عن مجموعة مناسك مخصوصة أوّلها الإحرام من الميقات وآخرها طواف النساء، مضافاً إلى صحيحة حريز بن عبد الله، قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أعطى رجلاً حجّة يحجّ بها عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة؟ فقال: لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه» [3] ، فإنّها صريحة في كفاية الاستنابة عن الحيّ من غير البلد. نعم، هذه الصحيحة تدلّ على إجزاء حجّ النائب عن المنوب عنه ولكن النائب لا يستحقّ تمام الأُجرة حيث إنّه استأجر على الحجّ من الكوفة وقد حجّ من البصرة، ولكن هذا أمر آخر وكلامنا في الإجزاء وعدمه لا في استحقاق الأُجرة وعدمه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo