< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/08/16

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /لو لم يمكن الاستئجار إلّا من البلد

 

(مسألة89): لو لم يمكن الاستئجار إلّا من البلد وجب، وكان جميع المصرف من الأصل [1] .

لو لم يمكن الاستئجار للحجّ عن الميّت إلّا من البلد فيجب ذلك ويخرج عنه من أصل التركة؛ لأنّ الاستئجار من البلد مقدّمة لتفريغ ذمّة الميّت (إذا قلنا أنّ الواجب هو الحجّ الميقاتي وهو الصحيح كما تقدّم)، وتفريغ الذمّة واجب فكذا مقدّمته. وكذا لو لم يمكن الاستئجار إلّا من مكان أبعد من البلد إلى مكّة فإنّه يجب أيضاً؛ إذ لا خصوصيّة للبلد بل الخصوصيّة لتفريغ الذمّة عن الميّت بالاستئجار من الميقات، فإذا لم يمكن فمن البلد وإذا لم يمكن من البلد أيضاً فمن الأبعد.

وبعبارة أُخرى تكون أُجرة النيابة من البلد أو من الأبعد إذا لم يمكن من البلد هي المؤنة الطبيعية للحجّ التي تخرج من التركة.

(مسألة90): إذا أوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقاً فخولف واستؤجر من الميقات أو تبرّع عنه متبرّع منه برأت ذمّته وسقط الوجوب من البلد، وكذا لو لم يسع المال إلّا من الميقات [2] .

إذا أوصى الميّت بالحجّة البلدية أو قلنا بوجوب الاستئجار للحجّ البلدي من الأوّل ـ كما هو أحد الأقوال في المسألة ونُسب ذلك إلى الشيخ الطوسي (قده) ـ ولكن خالف الوارث واستأجر مَن يحجّ عنه من الميقات أو تبرّع عنه متبرّع برأت ذمّة الميّت وسقط وجوب الحجّ عنه من البلد.

ويقع الكلام في هذه المسألة في فروع:

الأوّل: في براءة ذمّة الميّت

لو كان الواجب هو الحجّ البلدي ـ سواء أوصى الميّت به أو قلنا بوجوبه من الأوّل ـ وخالفه الوارث واستأجر مَن يحجّ عنه من الميقات أو تبرّع عنه متبرّع، فهل تبرأ ذمّة الميّت أو لا؟

واستشكل صاحب المدارك في الحكم بالإجزاء لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه؛ لأنّ الميّت أوصى بالحجّ البلدي أو كان الواجب علىه من الأوّل هو الحجّ من البلد، وإذا استأجر الوارث مَن يحجّ عنه من الميقات أو تبرّع عنه متبرّع كذلك فلا يقع المأمور به على وجهه ولا يتحقّق الامتثال حينئذ [3] .

ويردّ عليه: إنّ ذمّة الميّت كانت مشغولة بخصوص الحجّ، والحجّ هو إتيان مجموعة مناسك مخصوصة أوّلها الإحرام من الميقات وآخرها طواف النساء، وقطع المسافة وتهيئة سائر المقدّمات ليس منه، فإنّه في فرض وجوب الحجّ البلدي على الميّت ـ كما هو المفروض في المقام بمقتضى الوصيّة أو بمقتضى وجوبه من الأوّل ـ يكون الواجب عليه هو أداء جميع المناسك بالإضافة إلى الإتيان به من البلد، ولكنّ الإتيان به من البلد واجب آخر غير الحجّ، ولذا لو خالف الوارث هذا الأمر الآخر بأن استأجر نائباً يحجّ عنه من الميقات وإن ارتكب مخالفة بفعله واستحق عليها العقاب إلّا أنّ الحجّ يكون صحيحاً، وهذه المخالفة لا توجب بطلان الحجّ وأعماله.

وبناء على ذلك تبرأ ذمّة الميّت بالاستئجار والحجّ عنه من الميقات؛ لصحّة الحجّ من الميقات وعدم بطلان الحجّ بعدم الإتيان بالمقدّمات، فإنّها واجبات أُخر لا يوجبان البطلان.

مضافاً إلى أنّ المستفاد من صحيحة حريز بن عبد الله هو الصحّة، حيث قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أعطى رجلاً حجّة يحجّ بها عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة؟ فقال: لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه» [4] ، فإنّ الرجل حجّ من البصرة التي هي أقرب إلى مكّة وترك الحجّ من البلد الأبعد المستأجر عليه ـ أي: الكوفة ـ ، فقال الإمام (عليه السلام) إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه.

وربّما يقال: هذه الصحيحة لا تدلّ على ما نحن فيه؛ لأنّها وردت في مورد مخالفة المستأجَر ـ أي: الأجير ـ والحال أنّ الكلام في المقام حول مخالفة المستأجِر وهو الوراث الذي لم يعمل بالوصيّة، فالصحيحة لا تشمل المقام.

وفيه: إن هذه الصحيحة تشمل المقام أيضاً ولا فرق فيها بين الموردين بعد أن كانت الصحيحة معلّلة بأنّه «إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه»، فهذه العلّة للإجزاء واحدة ومشتركة في كلا الموردين، فالمستأجَر إذا خالف ما استأجر عليه ولكن قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه وتبرأ ذمّة الميّت، وكذا المستأجِر إذا خالف واستأجر من الميقات ولكنّ النائب قضى جيمع المناسك فقد تمّ حجّه وتبرأ ذمّة الميّت. إذن تبرأ ذمّة الميّت في كلا الموردين؛ لأنّه قضى جميع المناسك نيابة عنه.

الثاني: انتقال التركة إلى الورثة:

لو كان الواجب هو الحجّ البلدي وخالفه الوارث واستأجر مَن يحجّ عنه من الميقات أو تبرّع عنه متبرّع من الميقات، وقلنا بأنّ الحجّ من الميقات يقع صحيحاً وتبرأ ذمّة الميّت بذلك، فهل التركة ـ بالنسبة إلى التفاوت المالي بين الحجّة البلدية والحجّة الميقاتية أو بالنسبة إلى جميع ثمن الحجّ فيما لو تبرّع عنه متبرّع ـ تنتقل إلى الورثة أو تصرف في وجوه البرّ عن الميّت، فقد ذهب المحقّق الخوئي (قده) [5] إلى القول بالتفصيل وحاصله:

الحجّ البلدي تارة يكون ثابتاً في ذمّة الميّت من دون وصيّة وأخرى يكون ثابتاً في الذمّة بالوصيّة.

أمّا الأوّل: لو كان الحجّ من البلد ثابتاً في الذمّة من دون وصيّة وخالفه الوارث واستأجر مَن يحجّ عنه من الميقات أو تبرّع عنه متبرّع كذلك، فهنا تنتقل التركة إلى الورثة؛ لأنّه لم يبق موضوع لوجوب الحجّ أو لإتيان المقدّمات حتّى تصرف التركة في ذلك، إذ المفروض أنّ المستأجَر أتي بالحجّ من الميقات وكان حجّه صحيحاً وبرأت الذمّة حينئذ فلا يبقى موضوع لإتيان المقدّمات وقطع المسافة من البلد حينئذ، أو المفروض أنّ المتبرّع أتي بالحجّ من الميقات فسقط وجوبه عن الميّت ولا يبقى موضوع لإتيانه ثانياً. إذن هنا لا مانع من انتقال التركة إلى الورثة؛ لأنّ المانع من الانتقال كان الحجّ، والمستأجَر أو المتبرّع قد أتى به، وهذا نظير انتقال الدَّين الثابت في ذمّة الميّت إلى الورثة بعد ما تبرّع متبرّع بأداءه.

وكذلك الكلام فيمن كان متمكّناً من الناحية المالية ثمّ عرض له مانع ولم يكن قادراً على مباشرة الحجّ فيجب عليه أن يجهّز رجلاً صرورة يحجّ عنه من البلد، فإنّه إذا خالف هذا الأمر واستأجر من الميقات وأتي النائب بجميع الأفعال فقد برأت ذمّته وإن كان عاصياً بعدم الاستئجار من البلد، وينتقل إليه تفاوت ثمن الحجّتين.

وأمّا الثاني: لو أوصى بالحجّ من البلد وخالفه الوارث واستأجر مَن يحجّ عنه من الميقات فلا يجب صرف المال الزائد بسبب تفاوت ثمن الحجّتين في الحجّ ثانياً؛ لانتفاء موضوع الوصيّة بالحجّ عنه من الميقات، ولكنّ الوارث يستحقّ العقاب على مخالفة الوصيّة، ولا ينتقل المال إلى الورثة بل يبقى على ملك الميّت ويُصرف عليه في وجوه البرّ.

وكذا لو تبرّع عنه متبرّع فلا يجب عنه الحجّ ثانياً؛ لانتفاء موضوع الوصيّة بحجّ المتبرّع عنه، فلا ينتقل ثمن الحجّ الموصى به إلى الورثة بل يخرج عن ملكهم بالوصيّة ويبقى على ملك الميت ويُصرف عليه في وجوه البرّ، وذلك لأنّ الوصيّة تنحل إلى أمرين على نحو تعدد المطلوب حيث إنّه أوصى بالحجّ لأجل تحصيل الثواب لنفسه وحدّد ذلك بمورد خاص وهو الحجّ من البلد فإذا تعذرّ ذلك يُصرف في مورد آخر قريب منه تحصيلاً للثواب.

ولكن هذا الكلام من قبل المحقّق الخوئي (قده) مجمل يجب تفصيله وسيأتي الكلام عن ذلك.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo