< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/08/20

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /إذا أوصى بالبلدية ...، والظاهر أنّ المراد من البلد

 

(مسألة90): إذا أوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقاً فخولف واستؤجر من الميقات أو تبرّع عنه متبرّع منه برأت ذمّته وسقط الوجوب من البلد، وكذا لو لم يسع المال إلّا من الميقات [1] .

كان الكلام في الفرع الثاني من هذه المسألة بأنّه لو كان الواجب على الميّت هو الحجّ البلدي وخالف الوارث ذلك واستأجر مَن يحجّ عنه من الميقات أو تبرّع عنه متبرّع من الميقات، فهل التركة ـ بالنسبة إلى الفارق المالي بين الحجّة البلدية والحجّة الميقاتية أو بالنسبة إلى جميع ثمن الحجّ فيما لو تبرّع عنه متبرّع ـ تنتقل إلى الورثة أو تُصرف في وجوه البرّ عن الميّت، فقد ذهب المحقّق الخوئي (قده) [2] إلى القول بالتفصيل وحاصله:

الحجّ البلدي تارة يكون ثابتاً في ذمّة الميّت من دون وصيّة وأخرى يكون ثابتاً في الذمّة بالوصيّة.

أمّا الأوّل: لو كان الحجّ من البلد ثابتاً في الذمّة من دون وصيّة وخالفه الوارث واستأجر مَن يحجّ عنه من الميقات أو تبرّع عنه متبرّع كذلك فهنا تنتقل التركة إلى الورثة؛ لأنّ المانع من الانتقال كان وجوب الحجّ على الميّت، والمستأجَر أو المتبرّع قد أتى به فارتفع هذا المانع ولذا تنتقل التركة إليهم، ولكن الوارث يستحقّ العقاب على مخالفة الوصيّة.

وأمّا الثاني: لو كان الحجّ من البلد ثابتاً في الذمّة بالوصيّة وخالفه الوارث واستأجر مَن يحجّ عنه من الميقات أو تبرّع عنه متبرّع فلا تنتقل التركة إلى الورثة بل تبقى على ملك الميّت وتُصرف عليه في وجوه البرّ؛ لأنّ المورِّث أخرج المال الموصى به للحجّ عن ملك الورثة فيبقى على ملكه ويُصرف علىه في وجوه البرّ حتّى لو تبرّع عنه متبرّع بالحجّ.

هذا الكلام من قِبل المحقّق الخوئي (قده) على إطلاقه غير صحيح، فإنّه في الوصيّة بالحجّ من البلد ومخالفة الوارث لذلك والاستئجار له من الميقات صور أربعة:

الصورة الأولى: لو أوصى بحجّة واجبة من البلد، وقلنا بأنّ الواجب هو الاستئجار عنه من الميقات، فإنّ الوارث لو خالف الوصيّة واستأجر من الميقات يستحقّ العقاب على المخالفة لكنّ الزائد على الحجّة الميقاتية لا ينتقل إلى الورثة بل يُصرف عليه في وجوه البرّ؛ لأنّ الزائد أصبح وصيّة من الثلث وقد أوصى به لأجل تحصيل الثواب لنفسه فلا حقّ للورثة فيه ولا ينتقل إليهم.

الصورة الثانية: لو أوصى بحجّة مستحبة من البلد والحجّة المستحبة تُخرج من الثلث، فإنّ الوارث لو خالف الوصيّة واستأجر من الميقات يستحقّ العقاب على المخالفة لكنّ الزائد على الحجّة الميقاتية أو جميع ثمن الحجّ فيما لو تبرّع عنه متبرّع لا ينتقل إلى الورثة بل يبقى على ملك الميّت ويُصرف عليه في وجوه البرّ؛ لأنّه استثنى قيمة الحجّة المستحبة من الإرث.

الصورة الثالثة: لو أوصى بحجّة واجبة من البلد، وقلنا بأنّ الواجب هو الاستئجار عنه من البلد ـ كما هو رأي الشيخ الطوسي (قده) ـ ، فإنّ الوارث لو خالف الوصيّة واستأجر من الميقات يستحق العقاب على المخالفة لكنّ الزائد على الحجّة الميقاتية ينتقل إلى الورثة؛ لأنّ النائب حجّ عن الميّت من الميقات وبعد ذلك لا يمكن الإتيان بحجّة ثانية نيابة عنه؛ لأنّ ذمّة الميّت برأت وسقط التكليف عنه، حيث إنّه أوصى بأمرين: الأمر الأوّل هو الحجّة الواجبة والأمر الثاني أن تكون هذه الحجّة من البلد، فإنّ الوارث وإن كان عاصياً بترك المقدّمات والابتداء بها من البلد ويستحقّ العقاب على المخالفة إلّا أنّ الأمر الأوّل ـ وهو الحجّة الواجبة ـ يسقط بإتيان النائب به من الميقات فتبرأ ذمّة الميتّ عن التكليف؛ وذلك لأنّ الواجب هو الإتيان بالمناسك المخصوصة من الإحرام إلى الطواف النساء وقد أتى به، والابتداء بتلك الحجّة من البلد واجب آخر غير وجوب الحجّ.

وبناء على ذلك وسقوط التكليف عن ذمّة الميّت، فإنّ الزائد على الحجّة الميقاتية ينتقل إلى الورثة؛ لأنّ المانع من الإرث هو وجوب الحجّة الواجبة بالوصيّة، وقد ارتفع هذا المانع بالإتيان عنه من الميقات ولو كان ارتفاع المانع بالمخالفة.

الصورة الرابعة: لو أوصى بحجّة واجبة من البلد وتبرّع عنه متبرّع، فأُجرة الحجّة الموصى بها هنا ترجع إلى الورثة ولو كانت الحجّة واجبة ولابدّ من إخراجها من الأصل؛ لأنّ المانع من الإرث هو الحجّ الواجب الذي كالدَّين، وقد ارتفع بالإتيان عنه من قِبل المتبرّع، فلا مانع من إرث الورثة للتركة.

والحاصل: نوافق كلام المحقّق الخوئي (قده) في الصورتين الأُوليتين بأنّ الزائد عن الحجّة الميقاتية وكذا جميع ثمن الحجّ لو تبرّع عنه متبرّع لا ينتقل إلى الورثة بل يبقى على ملك الميّت ويُصرف علىه في وجوه البرّ، ونخالف ما ذهب إليه في الأخيريتين بأنّه ينتقل الزائد إلى الورثة وإن كان وجوب الحجّ ثابتاً في الذمّة بالوصيّة؛ لارتفاع المانع من الإرث حينئذ.

الثالث: في صحّة الإجارة

لو كان وجوب الحجّ ثابتاً في ذمّة الميّت وأوصى بالحجّ من البلد وخالف الوارث ذلك واستأجر من الميقات فالظاهر فساد هذه الإجارة إذا كانت خلاف الوصيّة؛ لأنّه لا يمكن الجمع بين الوفاء بالإجارة والوفاء بالوصيّة، مع أنّه لا يجوز التصرّف في مال الميّت حسب الوصيّة إلّا في الاستئجار من البلد، ولذا يكون الاستئجار من الميقات تصرّفاً في المال من دون إذنه فيقع فاسداً حينئذ، ولكنّ فساد الإجارة لا ينافي صحّة عمل الأجير وتفريغ ذمّة الميّت، فإنّه وإن كانت الإجارة فاسدة إلّا أنّ الحجّ المأتيّ به يكون صحيحاً وتفرغ ذمّة الميّت به.

والمستأجِر وهو الوارث يكون ضامناً لأُجرة المثل لا المسمّى؛ لأنّه أمر النائب بإتيان الحجّ عن الميّت وينتفع الميّت بذلك وتخرج أُجرة المثل من تركة الميّت حيث إنّ الحجّ كالدَّين وقد أتى به النائب مع عدم قصد التبرّع وقد انتفع به الميّت.

(مسألة91): الظاهر أنّ المراد من البلد هو البلد الذي مات فيه، كما يشعر به خبر زكريا بن آدم (رحمهما الله): «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل مات وأوصى بحجّة، أيجزيه أن يحجّ عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال (عليه السلام): ما كان دون الميقات فلا بأس به». مع أنّه آخر مكان كان مكلّفاّ فيه بالحجّ، وربّما يقال: إنّه بلد الاستيطان؛ لأنّه المنساق من النصّ والفتوى، وهو كما ترى، وقد يحتمل البلد الذي صار مستطيعاً فيه، ويحتمل التخيير بين البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة، والأقوى ما ذكرنا وفاقاً لسيّد المدارك، ونسبه إلى ابن إدريس أيضاً وإن كان الاحتمال الأخير وهو التخيير قوياً جداً [3] .

إنّ المراد من البلد الذي يجب الاستئجار منه للحجّ هل هو بلد الموت أو بلد الاستيطان أو بلد الذي صار مستطيعاً فيه أو التخيير بين بلدان الاستطاعة؟ فيه أقوال:

الأوّل: المراد هو البلد الذي مات فيه المكلّف، وهو ما ذهب إليه المصنّف (قده) ، واستدلّ على ذلك أيضاً بخبر ضعيف وهو خبر زكريا بن آدم (رحمهما الله) حيث قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل مات وأوصى بحجّة، أيجزيه أن يحجّ عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال (عليه السلام): ما كان دون الميقات فلا بأس به» [4] ، مضافاً إلى أنّ بلد الموت هو آخر مكان كان مكلّفاً فيه بالحجّ.

وفيه: ليس في هذه الرواية أيّ شاهد على أنّ المراد من البلد هو البلد الذي مات فيه، فإنّه قال الإمام (عليه السلام): كلّ بلد يُستأجر فيه النائب وهو قبل الميقات يُجزي؛ لأنّ الواجب هو الحجّ من الميقات.

والثاني: المراد هو بلد الاستيطان، فإنّ الغالب أنّ بلد الاستيطان يكون بلد الموت، وهو ما ذهب إليه صاحب الجواهر (قده).

والثالث: المراد هو البلد الذي صار فيه مستطيعاً، وهو ما احتمله صاحب الجواهر (قده) ولم يتبنّاه ونقل ذلك عن بعض أهل السنّة.

والرابع: المراد هو التخيير بين البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة، وهو ما احتمله المصنّف (قده) ووصفه بأنّه قويّ جداً.

والظاهر أنّ الصحيح من هذه الأقوال هو ما ذهب إليه صاحب الجواهر (قده) بأنّ المراد من البلد هو بلد الاستيطان الذي غالباً يموت المكلّف فيه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo