< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/08/21

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /لو عيّن بلدة غير بلده ... ، لا يلزم ان يكون الاستئجار من الميقات... ، إذا لم يمكن الاستئجار من الميقات

 

(مسألة92): لو عيّن بلدة غير بلده كما لو قال: استأجروا من النجف أو من كربلاء تعيّن [1] .

بناء على أنّ الواجب في القضاء عن الميّت هو الاستئجار من الميقات، بيّن المصنّف (قده) بأنّه لو عيّن الميّت بلداً أبعد من بلده إلى مكّة كما لو كان من أهل البصرة وقال: «حجّوا عنّي من النجف أو من كربلاء» تعيّن العمل بالوصيّة، ولكنّ المؤونة الزائدة على الحجّة الميقاتية حينئذ تخرج من الثلث لا من الأصل.

وقال المحقّق الخوئي (قده): بناء على القول بوجوب الحجّ من البلد، لو عيّن بلد غير بلده فلا أثر لهذه الوصيّة؛ لأنّها خلاف السنّة وخلاف ما وجب عليه بالحجّ من البلد.

وفيه: إنّ هذه الكلام على إطلاقه غير صحيح، ولابدّ فيه من القول بالتفصيل بين ما إذا أوصى بالحجّ من بلد لا يمرّ المستأجَر منه في الطريق من بلد الموصي وبين ما لو كان يمرّ من بلد الموصي، فإنّ الوصيّة بالحجّ لا أثر لها في الصورة الأُولى وصحيحة في الصورة الثانية؛ لأنّ المراد من الحجّ البلدي هو أن يكون بلد الموصي مرتبط بالحجّ، فإنّه لو كان الموصي من البصرة وأوصى بالحجّ من النجف أو من كربلاء فالوصيّة هنا صحيحة حيث إنّ المستأجَر منهما يمرّ في طريقه إلى مكّة من البصرة فيكون بلد الموصي ـ أي: البصرة ـ مرتبطاً بالحجّ، وأمّا لو أوصى بالحجّ من قم أو عبّادان فالوصيّة هنا فاسدة ولا أثر لها حيث إنّ المستأجَر منهما لا يمرّ في طريقه إلى مكّة من البصرة فلا يكون ارتباط لبلده بالحجّ.

(مسألة93): على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم أن يكون من الميقات أو الأقرب إليه فالأقرب، بل يكفي كلّ بلد دون الميقات، لكنّ الأجرة الزائدة على الميقات مع إمكان الاستئجار منه لا يخرج من الأصل، ولا من الثلث إذا لم يوص بالاستئجار من ذلك البلد إلّا إذا أوصى بإخراج الثلث من دون أن يعيّن مصرفه ومن دون أن يزاحم واجباً مالياً عليه [2] .

بناء على كفاية الحجّة الميقاتية، بيّن المصنّف (قده) بأنّه لا يلزم أن يكون الاستئجار من الميقات أو الأقرب إليه فالأقرب بل يجوز من أيّ بلد قبل الميقات، لكنّ الأُجرة الزائدة على الحجّة الميقاتية عند إمكان الاستئجار من الميقات لا تخرج من الأصل؛ لأنّ الواجب في الإخراج من الأصل هو أُجرة الحجّ الواجب الذي يكون من الميقات لا أكثر من ذلك، وكذا لا تخرج الأُجرة الزائدة على الحجّة الميقاتية من الثلث إذا لم يوص به في الاستئجار من غير الميقات، بل يتحمّل المستأجِر وهو الوارث تلك الأُجرة الزائدة وتُؤخذ منه؛ لأنّه استأجر من غير الميقات.

نعم، لو أوصى بثلثه في وجوه البرّ فالأُجرة الزائدة تخرج من الثلث؛ لأنّ الحجّ من البلد الأبعد أكثر ثواباً للميّت وهذا يعدّ من البرّ أيضاً، ولكن لو أوصى بثلثه في الصوم والصلاة فالأُجرة الزائدة تكون على المستأجِر؛ لأنّه ليس للميّت ثلث إلّا في الصلاة والصوم، وكذلك تكون على المستأجِر لو أوصى بثلثه في واجب مالي كالخمس والزكاة والدَّين.

(مسألة94): إذا لم يمكن الاستئجار من الميقات وأمكن من البلد وجب وإن كان عليه دَين الناس أو الخمس أو الزكاة فيزاحم الدَّين إن لم تف التركة بهما، بمعنى أنها توزّع عليهما بالنسبة [3] .

قال المصنّف (قده): إذا لم يمكن الاستئجار من الميقات وأمكن من البلد وجب ذلك؛ لأنّ الاستئجار من البلد يكون مقدّمة الواجب، أي: الحجّ من الميقات ـ ومقدّمة لتفريغ الذمّة.

وإذا كان عليه حجّ ودَين الناس وخمس والزكاة فإن كانت التركة كافية لأداء الجميع فهو وإلّا تُقسّم على الجميع بالنسبة فإذا كان الزكاة التي عليه مائة دينار، وكذلك الخمس والدَّين والحجّة البلدية، وكانت تركته مائتين دينار فيُعطى خمسون دينار لكلّ واحد منهم.

وفيه: إنّ التوزيع بالنسبة على الجميع غير صحيح، فإنّ التوزيع بالنسبة إلى الدَّين والخمس والزكاة يكون صحيحاً وتبرأ ذمّة الميّت بمقدار حصّة كلّ واحد منهم، ولكنّه بالنسبة إلى الحجّ لا يصحّ؛ لأنّه لا دليل على جريان التبعيض فيه، وإذا كانت حصّة الحجّ غير كافية لأداء جميع المناسك فيسقط وجوب الحجّ عن الميّت حينئذ، وتُصرف حصّة الحجّ في الدَّين أو الخمس أو الزكاة.

وقد ذهب المحقّق الخوئي (قده) [4] إلى أنّ مقتضى بعض النصوص المعتبرة تقدّم الحجّ على ديون الناس والخمس والزكاة كما في صحيحة بريد العجلي حيث قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج حاجّاً ومعه جمل له ونفقه وزاد فمات في الطريق؟ قال: إن كان صرورة ثمّ مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجّة الإسلام، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جُعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجّة الإسلام، فإن فضل من ذلك شيء فهو للورثة إن لم يكن عليه دَين ... » [5] ، فإنّها تدلّ على تقديم الحجّ على دَين الناس؛ إذ قال الإمام (عليه السلام) جُعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجّة الإسلام، فإن فضل من ذلك شيء فهو للغرماء إن كانوا، ومن بعدهم للورثة. إذن ما ذكره صاحب العروة (قده) لا يتمّ بناء على التقسيط وبناء على عدمه يقدّم الحجّ.

وفيه: لا وجه لتقديم الحجّ على الدَّين؛ لأنّ مفادّ هذه الصحيحة هو تقديم الحجّ من التركة والنفقة التي تكون معه في السفر من جَمَل وزاد ونحو ذلك، فإنّ فضل من ذلك شيء ولم يكن عليه دَين فهو للورثة، فإنّه ربّما يكون للميّت تركة أُخرى في البلد فلا يقدّم الحجّ على الدَّين في تلك النفقة التي ليست معه في السفر، هذا مضافاً إلى أنّ المفروض في المقام قصور التركة لجميع الدَّيون والحال أنّ هذه الصحيحة لم تدلّ على ذلك ولم يفرض فيها قصور التركة للجميع. إذن هذه الصحيحة واردة في غير موردنا ولا يقدّم الحجّ على دَين الناس.

نعم، يقدّم الحجّ على الزكاة وكذا الخمس؛ لأنّه كالزكاة، ويدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل مات وترك ثلاثمائة درهم وعليه من الزكاة سبعمائة درهم، وأوصى أن يحجّ عنه، قال: يُحجّ عنه من أقرب المواضع ويجعل ما بقي في الزكاة» [6] .

والحاصل أنّ ما استدلّ به المحقّق الخوئي (قده) ليس في موردنا، وما يكون في موردنا إنّما هو تقديم الحجّ على الخمس والزكاة لا على ديون الناس.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo