< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/08/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /الاستئجار من الميقات الاضطراري، ووجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت

 

(مسألة95): إذا لم تف التركة بالاستئجار من الميقات لكن أمكن الاستئجار من الميقات الاضطراري كمكّة أو أدنى الحلّ وجب. نعم، لو دار الأمر بين الاستئجار من البلد أو الميقات الاضطراري قدّم الاستئجار من البلاد، ويخرج من أصل التركة؛ لأنّه لا اضطرار للميّت مع سعة ماله.

قال المصنّف (قده): إذا لم تف التركة بالاستئجار من الميقات لكن أمكن الاستئجار من الميقات الاضطراري كمكّة أو من أدنى الحلّ وجب.

واستدلّ السيّد الحكيم على ذلك بعموم دليل البدليّة عند الاضطرار، نظير بدليّة وجوب الصلاة جالساً لمن كان عاجزاً عن القيام أو بدليّة وجوب الإيماء إلى الركوع والسجود لمن كان عاجزاً عن الانحناء إليهما، وهكذا بدليّة كلّ عمل اضطراري لمن كان عاجزاً عن الإتيان به اختياراً.

ويردّ علىه: إنّ المستفاد من الأدلّة هو أنّ دليل بدليّة الميقات الاضطراري ورد فيمن تجاوز الميقات ولم يحرم منه جاهلاً بالحكم أو نسياناً له، فإنّه إذا لم يدخل الحرم وأمكنه الرجوع إلى الميقات والإحرام منه وجب وإن لم يمكنه ذلك يحرم من مكانه، وإذا دخل الحرم وأمكنه الرجوع إلى أدنى الحلّ والإحرام منه وجب وإلّا يحرم من مكانه. ثمّ وسّع الفقهاء هذا الحكم إلى مَن كان عالماً بوجوب الإحرام من الميقات ولم يُحرم منه عامداً، فإنّه إذا أمكنه الرجوع إلى الميقات والإحرام منه وإن كان من أدنى الحلّ وجب ذلك وإلّا يحرم من مكانه. ولكنّنا لم نقبل هذه التوسعة ونقول: إنّ الحكم لا يشمل العامد، فإنّه يستحقّ العقاب لو ترك الإحرام من الميقات عامداً، ولا يجوز له أن يحرم من مكانه بل لابدّ من الرجوع إلى الميقات الذي وقّته رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وعلى كلّ حال فبناء على قول المشهور يكون موضوع دليل بدليّة الميقات الاضطراري هو فيمَن تجاوز الميقات ولم يُحرم منه إلى أن دخل الحرم وإن كان عالماً وعامداً بذلك، فإنّه إذا لم يتمكّن من الرجوع إلى الميقات فيُحرم من الميقات الاضطراري كمكّة أو أدنى الحلّ، وهذا لا يشمل المقام؛ لأنّ البحث هنا في الاستئجار عن الميّت من الميقات الاضطراري لو كانت التركة غير وافية للاستئجار من المواقيت التي وقّتها رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وبناء على ذلك، لم يصحّ الاستئجار من الميقات الاضطراري، فإنّه لا دليل على إجزاء الاستئجار منه ولا يكون مشمولاً لأدلّة بدليّة الميقات الاضطراري، فإنّه إذا أمكن الاستئجار عنه من المواقيت التي وقّتها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجب ذلك وإلّا يسقط وجوب الاستئجار عنه.

ثمّ قال المصنّف (قده): نعم، لو دار الأمر بين الاستئجار من البلد أو من الميقات الاضطراري قدّم الاستئجار من البلد، ويخرج من أصل التركة؛ لأنّه لا اضطرار للميّت مع إمكان الاستئجار من البلد وسعة المال فلا موضوع لبدليّة الميقات الاضطراري حينئذ.

(مسألة97): الظاهر وجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت، خصوصاً إذا كان الفوت عن تقصير من الميّت، وحينئذ فلو لم يمكن إلّا من البلد وجب وخرج من الأصل، ولا يجوز التأخير إلى السنة الأُخرى ولو مع العلم بإمكان الاستئجار من الميقات توفيراً على الورثة، كما أنّه لو لم يمكن من الميقات إلّا بأزيد من الأُجرة المتعارفة في سنة الموت وجب، ولا يجوز التأخير إلى السنة الأُخرى توفيراً عليهم [1] .

قال المصنّف (قده): الظاهر وجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت، خصوصاً إذا كان الفوت عن تقصير من الميّت.

واستدلّ على ذلك المحقّق الخوئي (قده) بأنّ التركة إذا كانت كافية لإتيان الحجّ فهي باقية على ملك الميّت وهي أمانة شرعيّة بيد الورثة أو الوصيّ، ولا يجوز لهم التصرّف فيها في غير الحجّ أو إبقاؤها بين أيديهم والتأخير في الاستئجار عنه إلّا بدليل ولا دليل على ذلك بل يجب القضاء عنه من أصل التركة، فيجب صرفها في الحجّ عن الميّت في أوّل أزمنة الإمكان، خصوصاً إذا كان ترك الحجّ عن تقصير من الميّت، فإنّ وجوب المبادرة حينئذ أولى؛ لأنّه إذا قصّر في إتيان الحجّ، فإنّه يستحقّ العقاب وإذا استُؤجر مَن يحجّ عنه في سنة الموت فوراً ارتفع عنه العقاب [2] .

وفيه: إنّ هذا الدليل يتمّ بناء على القول بأنّ التركة لا تنتقل إلى الورثة إلّا بعد سداد الديون، وأمّا بناء على القول بانتقال التركة كلّها حتّى ثمن الحجّ إلى الورثة وتعلّق حقّ الميّت بها كتعلّق حقّ المرتهن بالعين المرهونة فلابدّ من القول بجواز التأخير وعدم وجوب المبادرة، مع أنّ الفقهاء على كلا القولين قائلون بوجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت. إذن لابدّ وأن يكون الدليل على وجوب المبادرة شاملاً لكلا القولين.

وأمّا ما ذُكر من ارتفاع العقاب لو استُؤجر مَن يحجّ عنه في سنة الموت فوراً، فإنّه غير صحيح أيضاً؛ لاحتمال أنّ رفع العقاب يكون بإتيان الحجّ بجميع الأفعال لا بالاستئجار عنه، هذا أوّلاً.

وثانياً: لا دليل على وجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت؛ لأنّ غاية ما تقتضيه الأدلّة هي وجوب قضاء الحجّ عن الميّت من التركة، فإنّها مطلقة وليس فيها تقييد بكون القضاء في سنة الموت، وهذا الاطلاق دليل على أنّه يجوز التأخير في القضاء والاستئجار عنه ما لم يكن التأخير إهمالاً، وهذا نظير ما لو وجب على الولد الأكبر قضاء ما فات أباه من الصلاة أو الصوم، فإنّه ليس مقيّداً بكونه في السنة الأُولى.

وهناك فرق بين قضاء دَين الميّت فوراً وقضاء الحجّ عنه، فإنّ قضاء الدَّين عن الميّت فوراً إنّما يجب لأنّ تأخير الدَّين مع حلوله ومطالبة الدائن به يكون ظلماً للدائن والظلم لا يجوز، وأمّا بالنسبة إلى الحجّ الذي وجب عليه ووجب الاستنابة عن الميّت، فإنّ تأخيره لا يكون ظلماً، ففرق بين قضاء دَين الميّت فوراً وبين قضاء الحجّ عنه، فإنّ أدلّة قضاء الحجّ عن الميّت مطلقة ويجوز فيها التأخير ولا يكون ظلماً لكن بالنسبة إلى قضاء دَين الدائن مع مطالبته به فيكون التأخير ظلماً.

مع أنّنا لم نقبل تقديم الحجّ على ديون الناس، وإنّما قبلنا تقديم الحجّ على الخمس والزكاة لا على ديون الناس.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo