< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/10/11

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /إذا اختلف تقليد الميّت والوارث

 

(مسألة101): إذا اختلف تقليد الميّت والوارث في اعتبار البلديّة أو الميقاتيّة فالمدار على تقليد الميّت، وإذا علم أنّ الميّت لم يكن مقلّداً في هذه المسألة فهل المدار على تقليد الوارث أو الوصي أو العمل على طبق فتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده إن كان متعيناً، والتخيير مع تعدّد المجتهدين ومساواتهم؟ وجوه، وعلى الأوّل فمع اختلاف الورثة في التقليد يعمل كلّ على تقليده، فمَن يعتقد البلديّة يُؤخذ من حصّته بمقدارها بالنسبة فيستأجر مع الوفاء بالبلديّة بالأقرب فالأقرب إلى البلد، ويحتمل الرجوع إلى الحاكم لرفع النزاع، فيحكم بمقتضى مذهبه، نظير ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة، وإذا اختلف تقليد الميّت والوارث في أصل وجوب الحجّ عليه وعدمه بأن يكون الميّت مقلّداً لمن يقول بعدم اشتراط الرجوع إلى كفاية فكان يجب عليه الحجّ، والوارث مقلّداً لمن يشترط ذلك فلم يكن واجباً عليه، أو بالعكس فالمدار على تقليد الميّت [1] .

كان الكلام في اختلاف تقليد الميّت عن تقليد الوصي أو الوارث في أصل وجوب الحجّ أو في وجوب الحجّة البلديّة أو الميقاتيّة حيث ذهب المصنّف والمحقّق الخوئي (قدّس سرّهما) إلى تقديم قول الميّت أو قول مقلَّده، ولا أثر لنظر الوصي أو نظر مقلَّده في هذا الاختلاف؛ لأنّ الوصي نائب عن الميّت فيما أوصى به ويجب عليه العمل بما عيّنه الميّت حتّى لو كان نظره خلاف ذلك.

ولكنّنا لم نقبل ذلك، وقد تقدّم بأنّ الصحيح تقديم قول الوصي أو الوارث؛ لأنّ معاشر الإماميّة من المخطّئة لا من المصوّبة؛ فإنّنا نعتقد بأنّ الحكم الواقعي واحد ولا يتغيّر باختلاف آراء المجتهدين؛ لأنّ التغيّر في الحكم الواقعي يستلزم التصويب وهو باطل، ولذا ليس كلّ مجتهد مصيباً للواقع في اجتهاده بل الاجتهاد كاشف وطريق إلى الحكم الواقعي، فإنّ المجتهد إن أصاب الواقع فهو وإلّا فهو معذور، هذا أوّلاً.

وثانياً: لا يمكن توجيه الخطاب إلى الميّت؛ لأنّ الميّت بعد تحقّق الموت لا يكون مخاطباً بالأحكام الشرعيّة بل الوصي هو المخاطب بالأحكام، ولذا يكون المدار في الاختلاف على تقليد الوصي ورأيه وليس على تقليد الميّت، لكن منشأ تكليف الوصي هو إهمال الميّت واستقرار الحجّ عليه.

ولذا نقول: إنّ الوصي أو الوارث لو علم جنفاً من الموصي فيما أوصى به إليه ممّا يميل عن الحقّ أو فيه إثم أو ظلم، ولا يرضى الله به، فيجوز له تغيير ما أوصى الميّت وإصلاحه إلى الحقّ حسب رأيه أو رأي مقلَّده، ولا إثم عليه حينئذ، ويدّل على ذلك قوله تعالى: ﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: 182].

إذن لا يجوز تغيير الوصيّة حسب الآية القرآنية وهي آية ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 181]، إنّما ذلك في صورة توافق الوصي مع الميّت في الرأي أو في التقليد، وأمّا إذا اختلفا في التقليد أو في الرأي بحيث يرى الوصي أنّ الموصي قد جنف عن العدل والحقّ أو أثم في الوصيّة فله الحقّ في تبديل الوصيّة إلى الحقّ وهذا ليس تبديل الوصيّة عن الحقّ الذي لا يجوز، فلاحظ.

ثمّ بناء على مبنى صاحب العروة والمحقّق الخوئي (قدّس سرّهما) بأنّ المدار على تقليد الميّت، لو كان الميّت مقلَّداً، فإنّ المتّبع فتوى مقلَّد الميّت، وإن لم يكن مقلَّداً فالمتّبع فتوى المجتهد الذي كان يجب على الميّت تقليده إن كان متعيّناً، ومع تعدّد المجتهدين ومساواتهم في العلم واختلافهم يجب الاحتياط حتّى تبرأ الذمّة فيجب الحجّ البلدي مثلاً.

وأمّا على مبنى الذي اخترناه بأنّ المدار على تقليد الوصي، لو كان الوصي مقلَّداً، فإنّ المتّبع فتوى مقلَّد الوصي، وإن لم يكن مقلَّداً فالمتّبع فتوى المجتهد الذي كان يجب على الوصي تقليده إن كان متعيّناً، والاحتياط مع تعدّد المجتهدين ومساواتهم.

الفرع الثاني: إذا كان الاختلاف بين تقليد الوارث والميّت

إذا كان الاختلاف بين تقليد الوارث والميّت في أصل وجوب الحجّ، فقد قال المصنّف (قده): إنّ المدار على تقليد الميّت ونظره، فلو كان الوارث يرى وجوب الحجّ عليه حسب تقليده، والميّت لا يرى ذلك حسب تقليده، فالمتّبع نظر الميّت فلا يجب عليه الحجّ.

ولكن المحقّق الخوئي (قده) هنا خالف صاحب العروة (قده) فقال: العبرة بنظر الوارث لا الميّت؛ لأنّ المال المتروك حسب نظر الوارث لم ينتقل إليه بل هو باق على ملك الميّت فلا يجوز له التصرّف فيه إلّا بعد سداد الديون والحجّ كالدَّين، ومجرّد اعتقاد الميّت بأنّ الحجّ غير واجب عليه لا يؤثر في جواز تصرّف الوارث في المال المتروك لما تقدّم بأنّه لا عبرة بنظر الميّت، فيُؤخذ بإقرار الوارث على نفسه خصوصاً بعد ما كان الإقرار بضرره. وكذا لو علم الوارث أنّ الميّت كان مديناً ولكنّه غفل عنه أو اعتقد عدم ذلك، فإنّه لا يجوز له التصرّف في المال المتروك حسب نظره؛ لأنّ المال لم ينتقل إليه إلّا بعد سداد الديون، ومجرّد اعتقاد الميّت بعدم الدَّين أو غفلته عنه لا يؤثّر في جواز تصرّف الوارث بل يجب علىه أداء دَين المورِّث [2] .

ثمّ قال المحقّق الخوئي (قده) لو علم الوارث بعدم وجوب الحجّ عليه حسب نظره، وكان الميّت يقرّ بالوجوب، فالمال حسب نظر الوارث ينتقل إليه فيجوز له التصرّف فيه ولا أثر لرأي الميّت وتقليده، فالعبرة في كلا الموردين بتقليد الوارث ونظره سواء كان الوارث يرى الوجوب أو لا، ولا عبرة بنظر الميّت.

ولكنّنا نقول: إنّ ما ذهب إليه المحقّق الخوئي وإن كان صحيحاً لأجل أنّ الخطاب لا يتوجّه إلى الميّت بل الوارث هو المخاطب بالأحكام إلّا أنّنا نخالفه في المورد الثاني حيث إنّ قاعدة «لا تركة إلّا بعد سداد الديون» حاكمة على تقليد الوارث ونظره، فإنّ الميّت أقرّ في حياته بوجوب الحجّ عليه وبأنّه كان مديناً بالحجّ، ففي هذه الصورة لا يجوز للوارث التصرّف في التركة؛ لأنّ صاحب التركة ـ أي: الميّت ـ أقرّ بالدَّين وهو الحجّ في حياته.

نعم، يدّعي الوارث أنّ الميّت لا يجب عليه الحجّ ولكن لابدّ له من إثبات ذلك وإلّا يقدّم إقرار الميّت؛ لأنّ الإقرار كان في حياته، فإذا أثبت الوارث بأنّ الميّت قد اعترف بشيء باطل ويريد أن يضرّر الورثة ويحرمهم من بعض حقّهم بسبب اختلاف عقيدتهما أو وجود مشاكسة ومنافرة بينهما، فالعمل على رأي الوارث.

الفرع الثالث: اختلاف الورثة بينهم

لو اختلف الورثة بينهم في أصل وجوب الحجّ أو في وجوب الحجّة البلديّة أو الميقاتيّة، فاحتمل المصنّف (قده) أمرين:

الأوّل: أن يعمل كلّ على تقليده، فمَن يعتقد الميقاتيّة يُؤخذ من حصّته بمقدارها بالنسبة ومَن يعتقد البلديّة يُؤخذ من حصّته بمقدارها بالنسبة، فيخرج مصرف الميقاتي والبلدي ويُستأجر شخص من قبل الميقات بمقدار ما يفي المال، مثلاً إذا كانت التركة عشرة آلاف دولار وكان مصرف الحجّ البلدي أربعة آلاف دولار ومصرف الحجّ الميقاتي ألفي دولار، وكان الوارث منحصراً في ذكرين، فالذي يرى الحجّ البلدي يدفع خُمسين من خمسة آلاف دولار أي: يدفع ألفي دولار، والثاني يدفع خُمساً من خمسة آلاف دولار أي: يدفع ألف دولار، فالمجموع ثلاثة آلاف دولار يُحجّ به عن الميّت بمقدار أكثر من الميقات ممّا يقرب إلى بلد الميّت. وهكذا لو كان الاختلاف في أصل وجوب الحجّ فيخرج من حصّة المعترف بالحجّ نصف مقدار المصرف دون حصّة الآخر لعدم اعترافه بذلك.

الثاني: الرجوع إلى الحاكم الشرعي لرفع النزاع نظير ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo