< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/10/13

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /إذا علم استقرار الحجّ عليه ولا يعلم أنّه أتى به أم لا ، وإذا كان لم يكن للميّت تركة وكان عليه حجّ

 

(مسألة106): إذا عُلم استقرار الحجّ عليه ولم يعلم أنّه أتى به أم لا، فالظاهر وجوب القضاء عنه لأصالة بقائه في ذمّته، ويحتمل عدم وجوبه عملاً بظاهر حال المسلم وأنّه لا يترك ما وجب عليه فوراً، وكذا الكلام إذا علم أنّه تعلّق به خمس أو زكاة أو قضاء صلوات أو صيام ولم يعلم أنّه أدّاها أو لا.

 

قال صاحب العروة (قده): إذا عُلم استقرار الحجّ على مكلّف ولم يعلم أنّه أتى به أم لا، كما لو سافر في الأزمنة السابقة وانقطع خبره، فالظاهر وجوب القضاء عنه لأصالة بقاء الحجّ في ذمّته، ويحتمل عدم وجوب القضاء عنه عملاً بظاهر حال المسلم وأنّه لا يترك ما وجب عليه فوراً.

 

تُذكر هذه المسألة في ثلاثة مواطن:

الأوّل: في باب قضاء الصوم والصلوات، فإنّه إذا عُلم استقرار القضاء على مكلّف بعد ما عُلم أنّه لم يصلّ ولم يصم وكان يعمل الموبقات مثلاً ثمّ اهتدى ولم يُعلم أنّه قضى تلك العبادات أم لا، فقد أفاد صاحب العروة (قده) أيضاً: إنّ الظاهر وجوب القضاء عنه؛ لأصالة بقاء القضاء في ذمّته، ويحتمل عدم وجوب القضاء عنه عملاً بظاهر حال المسلم المهتدي بأنّه لا يترك ما وجب عليه من قضاء الصوم والصلوات.

الثاني: في باب الواجبات المالية كالخمس والزكاة، فإذا وجب الخمس والزكاة ولم يُعلم أنّه أدّاهما أو لا، فالظاهر وجوب إعطاء الخمس والزكاة من ماله إذا مات، ويحتمل عدم الإعطاء عملاً بظاهر الحال.

الثالث: في باب الحجّ.

 

وأمّا الموطن الأوّل (قضاء الصوم والصلاة):

فقد ذهب المحقّق الخوئي (قده) إلى أنّ الظاهر وجوب القضاء عليه؛ لأصالة بقاء القضاء في ذمّته، وأمّا أصالة عدم الإتيان (أي: أصالة بقاء القضاء في الذمّة) إنّما تكون فيما إذا كان القضاء ثابتاً على المكلّف وشكّ في إتيانه وعدمه، ولكن لو شكّ في أصل وجوب القضاء عليه وعدمه من جهة الشكّ في أصل إتيان العمل وعدمه، أي: لو شكّ أنّه هل أتي بالصوم والصلوات فلا يجب عليه القضاء أو لم يأت بهما فيجب عليه القضاء، فإنّ أصالة عدم الإتيان بالعمل الوجودي لا تثبت القضاء حينئذ؛ لأنّ موضوع وجوب القضاء هو فوت الصوم والصلوات، وأصالة عدم الإتيان لا تثبت عنوان الفوت إلّا على الأصل المثبت [1] .

أقول: إنّ ما ذهب إليه بأنّ الظاهر وجوب القضاء عليه كلام متين؛ لأصالة بقاء القضاء في ذمّته، ولكن احتمال عدم وجوب القضاء عنه عملاً بظاهر حال المسلم وأنّه لا يترك ما وجب عليه لا أثر له؛ لأن منشأ الظهور إمّا الغلبة بأنّ الملتزمين بالدِّين لا يتركون ما وجب عليهم غالباً أو أنّ كون إسلامه يقتضي ذلك، وكلّ هذه الأمور ليست بحجّة؛ إذ إنّها لا توجب سوى الظن بأنّ المسلم لا يترك ما وجب عليه، وهو غير معتبر وليس بحجّة.

نعم، ظهور حال المسلم متّبع في موردين:

أحدهما: قاعدة الشكّ في إتيان الصلاة بعد خروج وقتها حيث تدلّ النصوص على عدم الاعتناء بهذا الشكّ؛ لأنّ ظاهر حال المسلم أنّه قد صلّى في الوقت ولم يكن تاركاً لها.

والآخر: قاعدة التجاوز والفراغ حيث إنّها تدلّ على وجود الجزء أو الشرط المشكوك بعد التجاوز عن محلّه، ولذا لو شكّ المصلّي في سجوده أنّه أتى بالركوع أو لا فيبني على أنّه قد أتى به ولا يعتني بالشكّ حينئذ؛ لأنّ ظاهر حال المسلم أنّه ملتفت إلى الأجزاء والشرائط حين الصلاة ويأتي بها.

إذن حجيّة ظهور حال المسلم والظنّ الحاصل منه في هذين الموردين لا يعتبر دليلاً على حجيّته في كلّ الأحوال.

وأمّا الموطن الثاني:

ذكر المحقّق الخوئي (قده) في باب الواجبات الماليّة كالخمس والزكاة بأنّ العين إذا كانت موجودة وشكّ في أداء زكاتها يمكن أن يقال: إنّ الأصل بقاء الزكاة فيها، وأمّا العين إذا كانت تالفة وشكّ في أنّ المالك أدّى زكاتها وأتلفها أو أتلفها من دون أن يؤدّ زكاتها، فإنّ استصحاب عدم الأداء ـ أي: عدم أداء الزكاة للعين التالفة ـ لا يثبت الضمان إلّا على الأصل المثبت؛ لأنّ هذا الاستصحاب ليس موضوعاً للضمان بل لازمه الضمان، وإنّما موضوع الضمان هو الإتلاف لا عدم الأداء [2] .

ويردّ عليه: إنّ أصل بقاء الزكاة في العين إذا كانت موجودة تقتضي عدم ملكيّة صاحب الزكاة للعين كلّها، فإنّه يملك تسعة أشعار من العين إذا تعلّق الزكاة بها، ويملك أربعة أخماس منها إذا تعلّق الخمس بها، ولكنّنا نقول: إنّ أصل ثبوت يد الميّت على العين في زمان حياته حاكم على أصل بقاء الزكاة فيها، فإنّ أصالة ثبوت اليد تقتضي الملكيّة للعين كلّها، نظير ما لو باع العين الزكويّة بأجمعها وشكّ المشتري في أداء الزكاة وعدمه فلا يرتّب أثراً على هذا الشكّ؛ لأنّ الميّت له يد على العين في زمان حياته واليد أمارة الملكيّة، فإنّ مقتضى ثبوت يده عليها ملكيّة جميعها، لا ملكيّة تسعة أعشار منها أو ملكيّة أربعة أخماس منها.

 

وأمّا الموطن الثالث:

فقد قال المحقّق الخوئي (قده): إذا عُلم استقرار الحجّ عليه ولم يُعلم أنّه أتى به أم لا، فإنّ الظاهر وجوب القضاء عنه ويجب على الولي أن يرسل نائباً يحجّ عنه؛ لأصالة بقاء الحجّ الواجب في ذمّته، ويحتمل عدم وجوب القضاء عنه عملاً بظاهر حال المسلم وأنّه لا يترك ما وجب عليه.

أقول: إنّ ما ذهب إليه بأنّ الظاهر وجوب القضاء عليه ويجب على الولي أن يرسل نائباً يحجّ عنه كلام متين؛ لأصالة بقاء الحجّ في ذمّته، وأمّا احتمال عدم وجوب القضاء عنه عملاً بظاهر حال المسلم وأنّه لا يترك ما وجب عليه فقد تقدّم الكلام فيه بعدم حجيّة الظنّ الحاصل من هذا الظهور إلّا في موردين.

والمراد من وجوب القضاء عليه في المقام ليس القضاء في مقابل الأداء كما لو فاتت الصلاة في الوقت فيجب قضاءها في خارج الوقت بل المراد من القضاء هنا هو الأداء، أي: أدِّ الحجّ عن الميّت وإئتِ أو إفعل العمل عنه مثل قضاء حاجة المؤمن، فإنّه ليس المعنى منه هو القضاء في مقابل الأداء.

(مسألة109): إذا لم يكن للميّت تركة وكان عليه الحجّ لم يجب على الورثة شيء، وإن كان يستحب على وليّه، بل قد يقال بوجوبه للأمر به في بعض الأخبار.

قال صاحب العروة (قده): إذا وجب الحجّ على مكلّف ولكن أهمل ولم يذهب واستقرّ عليه ذلك حتّى مات ولم يكن له تركة فلا يجب على الورثة شيء، ولكن يستحب على وليّه أن يرسل نائباً يحجّ عنه، والقول بأنّه يجب على وليّه استئجار نائب يحجّ عنه ضعيف.

والنصوص تؤيّد ما ذهب إليه المصنّف (قده)؛ لأنّها كلّها ناظرة إلى وجود تركة للميّت، فإنّها تدلّ على أنّ مَن وجب عليه الحجّ واستقرّ في ذمّته ولم يفعل حتّى مات يجب القضاء عنه إذا كان له مال ويُحجّ عنه من صلب ماله ومن تركته قبل تقسيمها، وأمّا لو لم يكن للميّت تركة فلا تدلّ على وجوب الحجّ عنه.

ومن تلك النصوص: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل مات فأوصى أن يحجّ عنه؟ قال: إن كان صرورة فمن جميع المال، وإن كان تطوّعاً فمن ثلثه» [3] .

ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: «يُقضى عن الرجل حجّة الإسلام من جميع ماله» [4] .

ومنها: صحيحة بريد العجلي، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج حاجّاً ومعه جمل له ونفقه وزاد فمات في الطريق؟ قال: إن كان صرورة ثمّ مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجّة الإسلام، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جُعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجّة الإسلام، فإن فضل من ذلك شيء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين ... » [5] .

إذن النصوص كلّها ناظرة إلى أنّ أداء الحجّ عن الميّت هو فيما إذا كان له مال، وإذا لم يكن له مال فلا شيء على الوارث.

نعم، ورد في صحيحة ضريس، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «في رجل خرج حاجّاً حجّة الإسلام، فمات في الطريق، فقال: إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجّة الإسلام، وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليّه حجّة الإسلام» [6] ، وهذه الرواية تدلّ بإطلاقها على وجوب الحجّ عن الميّت فيما إذا لم يكن له تركة إلّا أنّنا نرفع اليد عن إطلاقها ونقيّدها بالروايات المتقدّمة التي تدلّ على أنّه يجب الإحجاج عنه من تركته لو كان له تركة.

 

والحاصل: يمكن تقسيم الروايات إلى عدّة طوائف:

الأُولى: ما يدلّ على وجوب إخراج الحجّ عن الميّت من صلب ماله ومن تركته، فالظاهر منها وجوب الحجّ عنه إذا كان له مال.

والثانية: ما ورد في التصدّق بالتركة إذا ضاقت عن الحجّ، فالظاهر منها وجوب الحجّ في مال الميّت وفي تركته، وعدم وجوب القضاء على الميّت إذا لم يكن له مال.

والثالثة: ما ورد من الأمر بالقضاء على الوارث مطلقاً، فإنّها تُقيّد بالروايات الدالّة على وجوب الحجّ عنه إذا كان له مال.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo