< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/10/14

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /مَن استقرّ عليه الحجّ وتمكّن من أدائه ليس له أن يحجّ عن غيره...

 

(مسألة110): مَن استقرّ عليه الحجّ وتمكّن من أدائه ليس له أن يحجّ عن غيره تبرّعاً أو بإجارة، وكذا ليس له أن يحجّ تطوّعاً، ولو خالف فالمشهور البطلان، بل ادّعى بعضهم عدم الخلاف فيه وبعضهم الإجماع عليه، ولكنّ عن سيّد المدارك التردّد في البطلان، ومقتضى القاعدة الصحّة وإن كان عاصياً في ترك ما وجب عليه، كما في مسألة الصلاة مع فورية وجوب إزالة النجاسة عن المسجد، إذ لا وجه للبطلان إلّا دعوى أنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه وهي محل منع، وعلى تقديره لا يقتضي البطلان؛ لأنّه نهي تبعي، ودعوى أنّه يكفي في عدم الصحّة عدم الأمر مدفوعة بكفاية المحبوبيّة في حدّ نفسه في الصحّة، كما في مسألة ترك الأهم والإتيان بغير الأهم من الواجبين المتزاحمين، أو دعوى أنّ الزمان مختص بحجّته عن نفسه، فلا يقبل لغيره، وهي أيضاً مدفوعة بالمنع، إذ مجرّد الفورية لا يوجب الاختصاص، فليس المقام من قبيل شهر رمضان حيث إنّه غير قابل لصوم آخر، وربّما يتمسّك للبطلان في المقام بخبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميت؟ قال (عليه السلام): نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه، فإنّ كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزي عنه حتّى يحجّ من ماله، وهي تجزي عن الميّت إن كان للصرورة مال، وإن لم يكن له مال ، وقريب منه صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) وهما كما ترى بالدلالة على الصحّة أولى، فإنّ غاية ما يدلّان عليه أنّه لا يجوز له ترك حجّ نفسه وإتيانه عن غيره، وأمّا عدم الصحّة فلا، نعم يُستفاد منهما عدم إجزائه عن نفسه، فتردد صاحب المدارك في محلّه، بل لا يبعد الفتوى بالصحّة لكنّ لا يترك الاحتياط، هذا كله لو تمكّن من حجّ نفسه...

 

قال صاحب العروة (قده): مَن استقرّ عليه الحجّ وتمكّن من أدائه ليس له أن يحجّ عن نفسه تطوّعاً، وكذا ليس له أن يحجّ عن غيره تبرّعاً أو نيابة.

والحكم بعدم الجواز تارة يكون من جهة الحكم التكليفي وأُخرى من جهة الحكم الوضعي، أمّا من جهة الحكم التكليفي فلا إشكال في أنّ المكلّف الذي استقرّ عليه الحجّ وتمكّن من أدائه لو ترك ما وجب عليه يكون عاصياً للتكليف؛ لأنّه فوّت على نفسه واجباً من أعظم الواجبات الذي هو ركن الإسلام، فيستحقّ العقاب على ذلك.

وأمّا من جهة الحكم الوضعي ففي صحّة ما أتى به من الحجّ التطوّعى عن نفسه والحجّ النيابي عن غيره بأُجرة أو تبرّعاً وعدمها ثلاثة أقوال في المدرسة الإماميّة.

القول الأوّل: نسبت المدرسة الإماميّة إلى المشهور فساد الحجّ التطوّعي والحجّ النيابي، وادّعى صاحب الجواهر عدم الخلاف في فساد الحجّ النيابي خاصّة مضافاً إلى فساد الحجّ التطوّعي.

والقول الثاني: صحّة الحجّ مطلقاً وإن كان عاصياً في ترك حجّة الإسلام، ذكر الشيخ الطوسي (قده) ذلك في الخلاف وتبعه جماعة.

والقول الثالث: التفصيل بين الحجّ التطوّعي عن نفسه فيكون صحيحاً وبين الحجّ النيابي فيكون فاسداً.

وأمّا أدلّة القائلون بالفساد هي أمور:

الأمر الأوّل:

إنّ الأمر بالشيء ـ أي: الأمر بحجّة الإسلام ـ يقتضي النهي عن ضدّه وهو الحجّ التطوّعي عن نفسه أو الحجّ النيابي عن غيره بأُجرة أو تبرّعاً، والنهي في العبادات يدلّ على الفساد.

واستدلّ الشيخ البهائي وصاحب الجواهر (قدس سرّهما) على ذلك بأنّ الحجّ التطوّعي والنيابي ليس فيه أمر، وعدم الأمر يكفي في الحكم بالفساد فلا حاجة إلى النهي؛ لأنّه إذا كان حجّ الإسلام مأموراً به وتمكّن المكلّف من أدائه فضدّه لا يكون مأموراً به؛ لامتناع الأمر بالضدّين.

وفيه:

تقدّم في محلّه بأنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه الخاص والعام، ولو سلّمنا ذلك نقول: النهي عن الضدّ لا يقتضي الفساد؛ لأنّه نهي عرضي تبعي وليس نهي لأجل وجود مفسدة في فعل الضدّ، بل هو نهي لأجل إتيان الواجب، أي: نهي لأجل إتيان حجّ الإسلام.

وأمّا ما ذكره الشيخ البهائي وصاحب الجواهر (قدس سرّهما) فقد يقال في الجواب عنه: إنّ الضدّ وإن كان غير مأمور به إلّا أنّ محبوبيّته في حدّ نفسه كاف في الحكم بالصحّة، فإنّ وجود المحبوبيّة في الحجّ التطوّعي أو الحجّ النيابي وكاشفيّتها عن وجود الملاك يكون كافياً لصحّة العمل وإن لم يكن مأموراً به بالفعل لوجود المانع وهو الأمر بالضدّ.

وفيه: إنّ ما ذُكر وإن كان صحيحاً من حيث الكبرى بأنّ المحبوبيّة تكفي في صحّة العبادة من دون حاجة إلى وجود الأمر إلّا أنّ المقام في صغرى ذلك بأنّ الحجّ التطوّعي والحجّ النيابي هل هو محبوب في ظرف وجوب حجّ الإسلام وتمكّن المكلّف منه أو لا يكون كذلك؟ فإنّ المحبوبيّة لا يمكن إحرازها إلّا عن طريق المولى وأمره، وإذا سقط الأمر لوجود المانع فلا يمكن إحراز المحبوبيّة والملاك حينئذ.

والصحيح في الجواب هو أن يقال: إنّ الضدّ ـ أي: الحجّ التطوّعي والحجّ النيابي ـ يكون مأموراً به على نحو الترتّب وعصيان الأمر الآخر الأهم وهو حجّ الإسلام، وما ذُكر من امتناع الأمر بالضدّين هو فيما إذا كان الأمر بالشيء والأمر بضدّه في عرض واحد، ولكنّ الأمر بالضدّ هنا ترتّبي وطولي ويتفعّل في فرض عصيان الأمر الآخر، وهذا أمر ممكن ولا استحالة فيه أصلاً، فإنّ المولى لو أمر بالحجّ الواجب وبإزائه وفي عرضه أمر بالحجّ التطوّعي والحجّ النيابي لكان التكليف ممتنعاً؛ لاستحالة طلب الضدّين في سنة واحدة، ولكنّه لم يفعل ذلك بل أمر بالحجّ التطوّعي والحجّ النيابي إن كان المكلّف عاصياً في إتيان الحجّ الواجب، وكأنّ المولى قال: إئت بالحجّ الواجب عليك وإذا عصيت ذلك فإئت بالحجّ التطوّعي أو الحجّ النيابي، فالأمر الثاني يتفعّل بعد عصيان الأمر الأوّل.

والأمر الثاني:

إنّ زمان الاستطاعة وزمان حجّة الإسلام مختص بأدء الحجّ الواجب عن نفسه، ولا يمكن أن يقع فيه حجّة أُخرى غير حجّة الإسلام وهي حجّة تطوّعية أو حجّة نيابية فتكون الحجّة الثانية فاسدة، نظير شهر رمضان الذي يختصّ بصوم شهر رمضان نفسه ولا يمكن أن يقع فيه صوم آخر غير صوم شهر رمضان.

وفيه:

إنّ هذا القول مجرّد دعوى لا شاهد عليه بخلاف ما ذُكر في شهر رمضان، فإنّه في شهر رمضان دلّ الدليل بأنّه لا يقع فيه إلّا صوم شهر رمضان، ويضاف إلى ذلك أنّ مجرّد الفورية في الإتيان بحجّة الإسلام في سنة الاستطاعة ـ لو قلنا به ـ لا يوجب اختصاص هذا الزمان بحجّة الإسلام خاصّة؛ لأنّ معنى الفورية ليس إلّا عدم جواز التأخير.

والأمر الثالث:

استُدلّ على فساد الحجّ التطوّعي والحجّ النيابي بروايات دلالتها على الصحّة أولى، منها: صحيحة سعد بن أبي خلف، قال: «سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميّت؟ قال: نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه، فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزي عنه حتّى يحجّ من ماله، وهي تجزي عن الميّت إذا كان للصرورة مال وإن لم يكن له مال» [1] .

ومنها: صحيحة سعيد الأعرج: «إنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصرورة، أيحجّ عن الميّت؟ فقال: نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به، فإن كان له مال فليس له ذلك حتّى يحجّ من ماله، وهو يجزي عن الميّت كان له مال أو لم يكن له مال» [2] .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo