< قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الأصول

45/03/01

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الأوامر/مادة الأمر /

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمد وآله الطيبين الطاهرين

واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

 

البحث في الأمر

ويقع الحديث فيه من جهات:

الجهة الأولى: في معاني مادة الأمر.

الجهة الثانية: في حقيقة الأمر المصداق للطلب.

الجهة الثالثة: في بيان دخالة العلو أو الاستعلاء أو أحدهما في حقيقة الأمر.

الجهة الرابعة: في منشأ استفادة الوجوب من الأمر.

الجهة الأولى: في معاني مادة الأمر

نقل صاحب الكفاية قدس سره أنه قد ذكر لمادة الأمر - وهي الهمزة والميم والراء - عدة معانٍ، كالطلب والشأن والغرض والشيء والفعل العجيب ونحو ذلك.

وعقب صاحب الكفاية على ذلك بمطالب ثلاثة:

المطلب الأول: أن جعل هذه المعاني معاني لمادة الأمر من اشتباه المفهوم بالمصداق.

وبيان ذلك أنه إذا قيل مثلا: (الأمر وضع لمفهوم الغرض) فإن الصواب أنه لم يوضع للغرض وإنما وضع لمعنى يكون مصداقا للغرض في بعض الموارد، فمثلا إذا قال الشخص: (جئت للمصلى لأمر الدرس) فقد يتصور هنا أن الأمر بمعنى الغرض، والحال أنه ليس كذلك وإنما وضع الأمر واستعمل بمعنى الشيء لا الغرض، حيث إن معنى العبارة المذكورة: جئت لشيء هو الدرس، فالموضوع له والمستعمل فيه ليس هو الغرض بل الشيء، ولكن لما دخلت لام التعليل على كلمة الأمر صار الأمر مصداقا للغرض بهذا الاعتبار، لا أن الأمر يراد به الغرض وإن كان في هذا الموضع مصداقا من مصاديق الغرض، فجعل الغرض أحد المعاني لمادة الأمر من اشتباه المصداق بالمفهوم ، فإن مفهوم مادة الأمر هو الشيء، والشيء قد يكون مصداقا للغرض كما إذا سبقته لام التعليل وقد يكون مصداقا لمفهوم آخر.

ولكن المحقق الأصفهاني قدس سره [نهاية الدراية ج1 ص249] ناقش صاحب الكفاية فقال:

ليس المقام بحسب الاصطلاح من اشتباه المصداق بالمفهوم .

وبيان ذلك أنه إنما يقال: (اشتبه المصداق بالمفهوم ) إذا وضع اللفظ لمعنى بما هو مصداق لمفهوم معين وادعي أنه قد وضع لذلك المفهوم، فحينئذ يقال في دفع الدعوى: أنها من اشتباه المصداق بالمفهوم. مثلا عنوان القبر وضع لهذه الحفرة المخصوصة لا بما هي هي - إذ الحفر متنوعة - وإنما وضع لهذه الحفرة بما هي مصداق للستر والإخفاء، فلو جاء شخص وقال: من معاني كلمة القبر الستر فيقال له: إن هذا من اشتباه المصداق بالمفهوم، فإن عنوان القبر لم يوضع للستر وإنما وضع للحفرة بما هي مصداق للستر، فجعل الستر معنى للقبر من اشتباه المصداق بالمفهوم .

وهذا لا ينطبق في محل كلامنا - وهو معاني مادة الأمر - فإنه لو وضع لفظ الأمر للشيء بما هو مصداق للغرض ثم ادعي أن من معانيه الغرض لكان ذلك من اشتباه المصداق بالمفهوم، ولكن ليس مدعى الآخونذ قده هو ذلك ، وإنما المدعى هو وضع الأمر للشيء، والشيء قد يكون مصداقا للغرض، لا أنه وضع للشيء بما هو مصداق للغرض حتى يقال: إن دعوى أن الغرض من معاني الأمر من اشتباه المصداق بالمفهوم ، فإن المدعي للخلاف لم ينقل لفظا وضع للمصداق الى وضعه للمفهوم ، وانما ادعى أن مايكون مصداقا للغرض في بعض الموارد فهو من المعاني التي وضع لها الأمر، فينبغي أن يقول صاحب الكفاية قده في مقابل ذلك: إن دعوى كون الأمر موضوعا للغرض خلطٌ بين الوضع لشيء قد يكون مصداقا للغرض وبين الوضع لنفس مفهوم الغرض.

وعلى كل حال فهذه المناقشة مناقشة فنية اصطلاحية وليست مناقشة جوهرية، فإن مطلب صاحب الكفاية واضح وهو أن الغرض ليس من معاني الأمر وإنما معنى الأمر الشيء، والشيء قد يكون مصداقا للغرض وقد وقع خلط بين المصداق والمفهوم.

المطلب الثاني: هل الأمر بين معانيه مشترك لفظي أم مشترك معنوي؟

وهنا اتجاهان:

الاتجاه الأول: أن الأمر مشترك لفظي، كما ذهب له صاحب الكفاية قدس سره حيث أفاد أن لفظ الأمر له معنيان: الطلب - في الجملة أي: من دون تحديد الوجوب أو الأعم - والشيء، فهو مشترك لفظي بينهما.

وناقش في ذلك المحقق الأصفهاني [نهاية الدراية ج1 ص250] فأفاد أنه لو قيل إن الأمر موضوع للشيء بالمعنى المصدري لـ(شاء يشاء) - كما يقول أهل المعقول: إن الشيئية مساوقة للوجود - فيكون المراد من الشيء: الإشاءة ، ويكون اطلاقه على الأعيان الخارجية بلحاظ أنها مما تعلقت المشيئة بوجودها، فربما يبنى حينئذ على أن الأمر وضع للشيء بهذا المعنى، ولكن بناءً على هذا لا يكون هناك تقابل بين الطلب والشيء، بينما صاحب الكفاية يدعي الاشتراك بين معنيين غير متداخلين وهما الطلب والشيء وأحدهما معنى اشتقاقي وهو الطلب والثاني معنى جامد وهو الشيء، فلو فسر الشيء بمعنى الإشاءة لم يكن هناك تقابل بين الطلب والشيء فإن الطلب أيضا نحو من الإشاءة أو المشاء، فالطلب حينئذ يكون مصداقا للشيء ولا يكون معنى مقابلا له وهو خلف مقصوده قده .

وحينئذ فيتعين أن مقصود صاحب الكفاية قده من الشيء ذات الأشياء، ولذلك يقال: اجتماع النقيضين شيء محال، مع أنه مما لم تتعلق به المشيئة أو يقال: العدم شيء مغاير للوجود..

و بناء على هذا المعنى ترد ملاحظتان:

الملاحظة الأولى: أننا استقرأنا الموارد فلم نجد الأمر مستعملا بمعنى الشيء، وما يتوهم شاهدا لذلك لا يصلح شاهدا، كقوله تعالى: (ألا إلى الله تصير الأمور) إذ يمكن أن يراد من الأمور هنا المخلوقات والمصنوعات لا ذوات الأشياء والأعيان، وكذلك قوله تعالى: (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) فإن الأمر هنا محتمل لأن يكون بمعنى ما قدر، وبتعبير المحقق الأصفهاني: دفتر القضاء التكويني والتشريعي.

وعلى هذا فلم نجد موردا استعمل الأمر فيه بمعنى الشيء.

الملاحظة الثانية: بتقريب منا: لو كان الأمر بمعنى الشيء - أي: الشيء بالحمل الأولي - لصح استعمال كل منهما مكان الآخر، بينما لا نجد أنه يصح استعمال كلمة الأمر مكان كلمة الشيء والعكس في تمام الموارد، فإذا قلت مثلا: (رأيت شيئا عجيبا) وأنت تريد الفرس فلا يصح أن يقال مكانه: (رأيت أمرا عجيبا)، وذلك لأن الأمر لا يطلق على الأعيان الخارجية، فالأعيان الخارجية أشياء وليست أمورا.

خلافا للسيد الشهيد قدس سره [البحوث ج2 ص١٢] حيث ذكر أن الأمر قد يطلق على الذوات كأسماء الأجناس حاله كحال كلمة الشيء، فمثلا يقال: (النار أمر ضروري للشتاء) أي: شيء ضروري، ويقال: (شريك الباري أمر محال) أي: شيء محال، فالأمر هنا يطلق على الذوات كالنار وشريك الباري.

ولكن هذا ليس صحيحا، فإن إطلاق الأمر في هذه الأمثلة انما هو بتقدير الوجود، فإذا قلنا: (النار أمر ضروري للشتاء) فالمعنى: وجود النار أمر ضروري للشتاء، وبالتالي فالمقصود بكلمة الأمر وجود النار لا ذات النار، وكذلك المثال الثاني حيث يقصد منه أن وجود شريك الباري أمر محال، والوجود مفهوم اشتقاقي لا جامد - كالذوات - ومدعى المحقق الأصفهاني أن الأمر لا يطلق على ذوات الأشياء كما يطلق عليها كلمة الشيء، فلا يقال للفرس والشجرة والحجر أمر ولكن يقال لها شيء.

كما أنه قد يستعمل لفظ الأمر في مورد لا يصح فيه مكانه لفظ الشيء، نحو: (أمر فلان مريب) ولا يقال: (شيء فلان مريب) وفي الرواية: إن أمرنا صعب مستصعب، ولا معنى لأن يقال: شيئنا صعب مستصعب، كما ورد أيضا: ( أحيوا أمرنا) وليس شيئنا، وورد أيضا: (فإن والده هو الذي يلي أمره) ولا يقال: هو الذي يلي شيئه، و في الآية: (أتعجبين من أمر الله) ولا يقال مكانه : أتعجبين من شيء الله، مما يعني عدم صحة استعمال الشيء في مورد الأمر في كل الموارد وان صح في بعضها .

وحيث لم يصح استعمال كل منهما مكان الآخر لم يكن وجه لدعوى أن الأمر وضع للطلب وللشيء، فدعوى الاشتراك اللفظي بالنحو الذي ذهب إليه صاحب الكفاية قدس سره الشريف غير تامة.

الاتجاه الثاني: دعوى الاشتراك المعنوي.

أي: أن لفظ الأمر لم يوضع لمعنيين أو معانٍ بل وضع لمفهوم واحد يجمع كل المعاني، وقد ذهب لذلك المحقق النائيني قدس سره حيث أفاد أن لفظ الأمر وضع لمعنى واحد وهو الواقعة التي لها أهمية، كالطلب فإنه واقعة لها أهمية، فلذا يقال له: (أمر).

و هنا ملاحظتان خاصة وعامة:

فأما الملاحظة الخاصة بمبنى النائيني قده فهي :

أولا: قد يطلق الأمر على ما لم يقع بل ما لا يقع، فيقال: (العدم أمر مغاير للوجود)، أو يقال: (اجتماع النقيضين أمر محال) مع أنهما لا يقعان، فتحديد الأمر بالواقعة غير جامع بين المعاني.

ثانيا: يصح أن يقال: أمر لا أهمية له، و(أمر لا يعبأ به)، فكيف يكون الأمر موضوعا للواقعة التي لها أهمية مع أنه قد يوصف الأمر بأنه لا أهمية له ولا يعبأ به؟!

وأما الملاحظة العامة على القول بالاشتراك المعنوي - مع غض النظر عن مبنى النائيني قده - فهي أنه لا يمكن المصير إلى الاشتراك المعنوي لأن الأمر بمعنى الطلب يشتق منه فيقال: أمر يأمر وهو آمر ومأمور. بينما الأمر بمعنى الشيء جامد لا يقبل الاشتقاق. كما أن الأمر بمعنى الطلب يجمع على أوامر وبمعنى الشيء يجمع على أمور، واختلاف الجمع يشهد باختلاف المعاني وعدم الجامع، فدعوى الاشتراك المعنوي وأن المعنى واحد ممنوعة .

وهنا إجابتان عن الملاحظة العامة :

الأولى: ما ذكره السيد الأستاذ مد ظله كما صرح بذلك صاحب [تعليقة على معالم الأصول ج٣ص٣ ] و[أجود الشروح في شرح معالم الدين ص٦٥] وهوأن ما اشتهر بين الفقهاء من جمع أمر على أوامر تصرف على خلاف القانون الصرفي ، فإن أوامر على صيغة فواعل، وفواعل ليس جمع فَعْل، وإنما هو جمع فاعل اسما أو صفة بمعنى فاعلة كالكواهل والطوالق في كاهل وطالق، أو فاعلة، اسما أووصفا نحو صاعقة وصواعق ونادرة ونوادر، ولذلك فأوامر جمع آمرة لا جمع أمر، كما أن النواهي جمع ناهية وليس جمعا للنهي. ولم يذكر أئمة اللغة للأمر جمعا سوى (الأمور) كما صرح الحاجبي من أنه لا يوجد في لسان العرب جمع أمر على أوامر ونهي على نواهي، بل إن النهي لا جمع له في اللغة فإنه اسم جنس لا جمع له مثل النعي .

والحاصل أنه لا جمع للأمر إلا (أمور) سواء أريد به الطلب أو الشيء.

وأما الاستشهاد بما ورد في دعاء كميل: (وخالفت بعض أوامرك) ففيه:

أولا: أنه لم يثبت صدور دعاء كميل بتمام فقراته عن المعصوم عليه السلام أو أحد أصحابه حتى يصح الاستدلال به لغة، وان كان بعضه ثابتا في الجملة بشهادة متنه ورصانة بلاغته .

وثانيا: لعل المراد به جمع آمرة، أي أن المقصود بقوله: (خالفت بعض أوامرك) خالفت الآية الآمرة من قبلك.

الثانية: ذكر المحقق الأصفهاني قدس سره أنه قد يكون المعنى واحدا ولكن نتيجة لاختلاف مصاديقه يختلف جمعه، فما وضع له لفظ الأمر معنى واحد، ولكن إذا كان مصداقه الطلب يجمع على أوامر ويشتق منه، وإذا كان مصداقا لمعنى آخر جمع على أمور ولم يشتق منه، فاختلاف الجمع والاشتقاق نتيجة اختلاف المصداق وليس نتيجة اختلاف المعنى.

والمتحصل أنه لا يبعد تمامية دعوى الاشتراك اللفظي وذلك بوضع لفظ الأمر لمعنيين:

١- الطلب في الجملة

٢- المعنى الحدثي والوصفي دون ذوات الأشياء والأعيان .

المطلب الثالث:

أن هذا البحث كله لا ثمرة فيه، ولذلك اقتصرنا فيه على أهم الكلمات، وأما ما قيل من أن الثمرة هي أن كلمة الأمر إذا وردت في الروايات فمعناها مجمل لذلك لابد من تحديد ما تحمل عليه من أحد المعنيين الطلب أم الشيء في علم الأصول ففيه أنه لا توجد آية ولا رواية استعملت كلمة الأمر إلا ومعها قرينة ترشد الى معناها، فليس هناك حاجة للبحث عن معاني مادة الأمر ولا ثمرة عملية أخرى تترتب على ذلك.

والحمد لله رب العالمين.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo