< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/10/22

بسم الله الرحمن الرحیم

المحاضرة الأخلاقية

  إن كتاب الكافي قسم تقسيما هادفا لأن القسم الأول منه في العقيدة و القسم الثاني في الأخلاق و القسم الثالث في الأحكام الفقهية، و نحن في بحوثنا الأخلاقية في هذا الفصل سنعتمد قسم الأخلاق من هذا الكتاب الجليل و سنبدأ بالتحديد من المجلد الثاني من باب "المؤمن و علاماته و صفاته"

  "عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَالِبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ثَمَانُ خِصَالٍ‌ وَقُورٌ عِنْدَ الْهَزَاهِزِ صَبُورٌ عِنْدَ الْبَلَاءِ شَكُورٌ عِنْدَ الرَّخَاءِ قَانِعٌ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ لَا يَظْلِمُ الْأَعْدَاءَ وَ لَا يَتَحَامَلُ لِلْأَصْدِقَاءِ بَدَنُهُ مِنْهُ فِي تَعَبٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ إِنَّ الْعِلْمَ خَلِيلُ الْمُؤْمِنِ وَ الْحِلْمَ وَزِيرُهُ وَ الصَّبْرَ أَمِيرُ جُنُودِهِ وَ الرِّفْقَ أَخُوهُ وَ اللِّينَ وَالِدُهُ"[1]

  الخصال الأربع الاُول ترتبط بصلاتنا بأنفسنا و بربنا!

أما الاُولى من هذه الخصال هي أن الإنسان عرضة لتقلب الأحوال لأنه قد يكون في لحظة في أمان و في لحظة أخرى في قلق و إضطراب، و قد يشغل منصبا رفيعا ثم يفقده بعد حين، إن المؤمنين في تقلب الأحوال يجب أن يكون وقورا متزنا لا تهزه الهزائز فلا يجزع و لا يفزع و لا يفقد صوابه.

و أما الثانية: إن الحياة محفوفة بالبلايا شئنا أو أبينا، فقد يفقد الإنسان أعزّائه لأن الناس لا يموتون في وقت واحد بل أن موت بعضهم قد يسبق موت البعض الأخر عادة، مع أن الحياة تتخللها مشاكل كثيرة من حوادث السير و الأمراض و الجفاف و ما شاكل فلا ينبغي أن يكون المؤمن في ذلك كفورا يسبّ الدهر و يلعن هذا أو ذاك، بل عليه أن يكون صبورا في الحادثات قويا في تحمل المرديات.

و الثالثة: هو أن لا ينسى الله عندما تحلّ النعمة في ساحته بل يكون شكورا لله سبحانه بلسانه و قلبه و فعله، ليديمها الله سبحانه عليه.

و الرابعة: أن يكون قُنُوعا فيما أعطاه الباري سبحانه، فعلى الإنسان أن يجتهد و يرضى في الوقت نفسه بما قدّر له ربه و لا يطمع بما قسمه الله سبحانه لغيره من الناس فإن القناعة كنز لا ينفد كما في الحديث.

  هذه خصال أربع ترتبط بصلتنا بأنفسنا و بخالقنا. و في الحديث خصال أربعة أخرى ترتبط بصلتنا بالناس و هي:

الخامسة: يلزم على المؤمن أن لا يظلم حتى أعدائه يقول الباري سبحانه لنبيه:

  "وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى‌ أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى"[2]

  إنك لا تجد نظيرا لتوصيات الإسلام التي وصّى بها أتباعه في الحرب في حروب الحضارات الراهنة، إن الإسلام لا يسمح بشنّ حروب كيماوية فيمنع من تلويث المياه بالسم، و يمنع من قلع الأشجار و قتل الشيوخ و النساء و الأحداث، و لكن في عالم اليوم تجد أن أهل مدينة يبادون عن بكرة أبيهم!

السادسة: أن المؤمن لا يجور على أصدقائه و لا يحملهم ما لا يطيقون، و لا يفرض عليهم ما هو من واجباته، بل يقوم بواجبه بنفسه و لا يحل له أن يظلم أحدا قط.

الخصلة السابعة و الثامنة: المؤمن يُتعب نفسه و يتحمل أنواع المشقة، و من جانب أخر يوفر أسباب الراحة لمن سواه! و هذا يعني أنه لا يُصدّر مشاكله للأخرين حتى يكون هو في راحة و الأخرون في تعب و مشقة، و هو من الخلق الكريم بمكان.

عنوان البحوث الفقهي: التروك الإستمناء

  وصل بنا البحث إلى المقام الرابع من المقامات التي أشرنا إليها سابقا و هو بيت القصيد!

و هنا أمران:

الإستمناء في حال الإحرام يوجب الكفارة أو لا؟ هل أن حجه باطل أيضا أم لا؟

  يقول السيد الماتن عن الأمر الأول:

"الرابع- الاستمناء بيده أو غيرها بأيّة وسيلة، فإن أمنى فعليه بدنة و الأحوط بطلان ما يوجب الجماع بطلانه على نحو ما مرّ"

  الإستمناء عند الإحرام حرام لأن فيه كفارة و الكفارة في التروك تلازم الحرمة فتنكشف من خلال ذلك حرمة الإستمناء.

  هنا ملاحظة لابد من التوقف عندها و هي أن بعض المعاصرين أراد أن يستحرج من كلام السيد الماتن نكتة لا تساعد العبارة عليها و هي عبارته:

  "فإن أمنى فعليه بدنة"

فكأنه أراد أن يستفيد من مفهوم الشرط معنى أخر و هو: إن لم يمن فليس عليه إلا الحرمة. و عليه لو دلك و لم ينزل أو شاهد فيلما خلاعيا و تحرك جنسيا غير أنه لم ينزل أو رأى صورة إمرأة مثيرة فهاج جنسيا و كذلك لم ينزل ففي جميع هذه الحالات هو محكوم بحكم تروك الإحرام.

  إلا أن هذا غير صحيح لأن الإستمناء يتحقق بإنزال الماء، فقول الماتن: " فإن أمنى فعليه بدنة" قيد تأكيدي و تفسيري، لأنه لو لم يكن إنزال يصح السلب حينئذ فلا يطلق الإستمناء على هذا الفعل، كما أن المتبادر من كلمة الإستمناء هو الدلك مع الإنزال، فلا وجه لما ذهب إليه هذا البعض.

الأقوال في المسألة:

  لا خلاف بين الفقها، في حكم المسألة و كفى في ذلك ما أفاده صاحب الجواهر حيث قال:

  "بلا خلاف أجده فيه مع الإنزال ما إعترف به في المدارك و غيرها"[3]

أدلة المسألة:

  للمسألة دليلان:

الأول: الاولوية، إن فعل الإستمناء أقبح من ملاعبة الأهل الذي يؤدي إلى الإنزال و للملاعبة كفارة و هي بدنة فلابد و أن يكون للإستنماء بدنة بإعتبار أنه الأقبح.

و يرد عليه:

  أن هذا الدليل مرفوض و ليس من قياس الأولوية في شيء و هو أشبه بالإستحسان لأن المتعة بالنساء من نوع خاص لا يقاس بالمتعة الحاصلة من الإستمناء أصلا. و أما الدليل الثاني فهو الروايات الذي سيأتي الحديث عنها إن شاء الله.

[1] الكافي/ ج 2 (ط الحديثة). باب المؤمن و علاماته و صفاته. ح 2

[2] المائده (5): 8

[3] الجواهر/ ج 20. ص 367

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo