< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/11/14

بسم الله الرحمن الرحیم

  المحاضرة الأخلاقية
  مازال البحث في الأحاديث التي وردت في خصال المؤمن من كتاب أصول الكافي:
  "عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ... هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ فَاتَ قَوْمٌ وَ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَهْتَدُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ أَشْرَكُوا مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُ مَنْ أَتَى الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا اهْتَدَى وَ مَنْ أَخَذَ فِي غَيْرِهَا سَلَكَ طَرِيقَ الرَّدَى‌" [1] .
  إن كلمة هيهات تستعمل فيما كان بعيدا زمانا أو مكانا أو معنا و لم يكن في متناول اليد و التكرار لتأكيد بعد الشقة.
  إن منشأ التعصب و التزمت هو حب الذات، و الحديث يشير إلى أن التعصب و الهوى يعميان البصر و البصيرة بحيث يظن الإنسان أنه مؤمن لكنه مشرك في واقع أمره، فيحسب أنه مهتد ولكنه ضال مطرود من ساحة عبودية الرب! إن للمعرفة حجب، منها التعصب الأعمى و الهوى المضل، فإن التعصب و الهوى سببان في أن يرى الإنسان الأشياء مقلوبة.
  قد يدعو التعصب صاحبه ليقوم بعمليات إنتحارية يذهب جرّاءها العشرات من النساء و الأطفال الإبرياء، فإنه يقتلهم و يقتل نفسه واهما أنه يُلقى به في حضن الرسول صلّى الله عليه و أله و سلّم بعد زهوق نفسه الخبيثة! إن هذا التعصب لا يدع لصاحبه مجالا لكي يعرف أن الإسلام لا يسمح بقتل الأبرياء مطلقا! فإن حب هذا الفرد لقومه و مذهبه ينشأ من حبه الأثم لنفسه و هذا الحب يردعه من معرفة الواقع فيصبح حجابا بينه و بين الواقع فلا يهتدي إليه أبدا.
  ثم يكشف الإمام عليه السّلام عن سبب ظلالتهم فيقول: إنما ضلوا الطريق لأنهم لم يأتوا البيوت من أبوابها، فعندما يفصح الرسول صلّى الله عليه و أله و سلّم في حديث الثقلين أن الذي يتمسك بكتاب الله و أهل بيت نبيه عليهم السّلام لا يضل و لا يغوى، يشير بكل وضوح إلى هذا السبب!
  عندما نتصفح الصحاح الستة التي جمعت فيها الأحاديث خصيصا لم نجد من أحاديث أل البيت عليهم السّلام إلا القليل، هذا في حين أنهم رووا في مصادرهم: "إِنَّ مَثَلَ أَهْلِ بَيْتِي فِي أُمَّتِي كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ فِي قَوْمِهِ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِق‌" في حين أن سفينة نوح كانت الملجأ الوحيد على الأرض. فإن تخليهم عن أل البيت عليهم السّلام دعاهم إلى أن يظنوا أن الشريعة ناقصة فلجؤوا إلى الإستحسان و القياس و المصالح المرسلة و ما إلى ذلك من أدواة للإستنابط لسد الفراغ.
  في حين أن أتباع أل البيت عليهم السّلام يرون -و بحق- أن الكتاب و السنة و ما ورد عن أل البيت عليهم السّلام تحتوي في ثناياها كل ما يحتاج إليه الإنسان فليس في الشريعة نقص لكي يضطر إلى أن يأخذوا بالقياس و الإستحسان و أضرابهما في عملية الإستنباط.
  عنوان البحوث الفقهي
  كان بحثنا الفقهي في الأعشاب العطرة و الورود الطيبة، بأنها هل هي محرمة حال الإحرام أم لا؟ إختلفت أقوال الفقهاء في هذ الشأن فلم يتصف قول من الأقوال حتى بالشهرة فضلا عن الإجماع!
  الأدلة:
  الروايات العامة كانت تقول بعدم الجواز إلا أن هناك روايات خاصة قرأناها كانت تقول بعدم الجواز و هناك روايات أخرى لم يستند إليها الفقهاء:
  و هي مرسلة حريز: "أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ فِي الْمَحَاسِنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ حَرِيزٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام عَنِ الْمُحْرِمِ‌ يَشَمُّ الرَّيْحَانَ قَالَ لَا" [2] .
  الدلالة واضحة و إرسالها لا يضر لأن الروايات متضافرة و فيها الصحاح.
  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ التُّفَّاحِ وَ الْأُتْرُجِّ وَ النَّبْقِ وَ مَا طَابَ رِيحُهُ قَالَ تُمْسِكُ عَنْ شَمِّهِ وَ تَأْكُلُهُ" [3] .
  لا إشكال في سند هذه الرواية من حيث أنها منقولة عن أبن أبي عمير لأن إبن أبي عمير لا ينقل إلا عن الإمام عليه السّلام، و أما دلالة فعندما يحرم شم الفواكه العطرة فحرمة الأعشاب و الورود العطرة للمحرم من باب أولى!
  "وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ التُّفَّاحِ وَ الْأُتْرُجِّ وَ النَّبْقِ وَ مَا طَابَ رِيحُهُ فَقَالَ يُمْسِكُ عَلَى شَمِّهِ وَ يَأْكُلُهُ" [4] .
  إن هذه الرواية مرسلة بقوله: "بعض أصحابه" إلا أن مرسلات إبن أبي عمير معتبرة فالإرسال هنا لا يضر. و أما دلالة فهي كسابقتها من حيث الإستدلال.
  "وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام فِي حَدِيثٍ قَالَ يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ الْأَدْهَانُ الطَّيِّبَةُ الرِّيحِ" [5] .
  سند هذه الرواية ذُكر في سابقتها و أما دلالة، فقد عبرت عن الحكم بالكراهة ولكن المراد بها هو الحرمة و ذلك بقرينة الروايات السابقة كما أنه قد وردت في الكتاب العزيز بمعنى الحرمة في قوله تعالي: "كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً" [6] لأنها وردت في سياق الردع عن الزنا و ما شابه.
  إن ما ورد في الرواية من قوله :"الطَّيِّبَةُ الرِّيحِ" عام ينطبق على ما نحن فيه، ففي الرواية نهيان النهي عن إستعمال الأدهان للمحرم و الثانية حرمة إستعمال ذي الرائحة الطيبة.
  "وَ عَنْهُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام إِنِّي جَعَلْتُ ثَوْبَيْ إِحْرَامِي مَعَ أَثْوَابٍ قَدْ جُمِّرَتْ فَأَخَذَ مِنْ رِيحِهَا قَالَ فَانْشُرْهَا فِي الرِّيحِ حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا" [7] .
  إن قول الإمام عليه السّلام في الرواية: "قَدْ جُمِّرَتْ" تعني: قد تعطرت، فالإمام عليه السّلام قال ضعها في مهب الريح لكي يذهب ما فيها من عطر، و ما يستفاد من هذه الرواية أن الشم حرام مهما كان مصدره، و الأمر ظاهر في الوجوب.
  و عليه لدينا عشر روايات تدل على حرمة شم الأعشاب الطيبة و الورود العطرة غير أن هناك أربع أو خمس روايات معارضة تدل على الجواز.


[1] الكافي/ ج 2 (ط الحديثة). كتاب الإيمان و الكفر. باب خصال المؤمن. ح 3
[2] الوسائل/ ج 12( ط الحديثة). أبواب تروك الإحرام. باب 25. ح 4
[3] المصدر/ باب 26. ح 1
[4] المصدر/ ح 3
[5] المصدر/ باب 29. ح 4
[6] الإسراء (17): 38
[7] الوسائل/ ج 12 (ط الحديثة). أبواب تروك الإحرام. باب 18. ح 4

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo