< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/03/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 موضوع البحث: حكم قطع الطواف دون عذرٍ معتد به
 البحث في المسألة التاسعة عشر من مسائل الطواف وهي هل يمكن قطع الطواف دون عذرٍ؟ وقد بينا الأقوال والصور في المسألة، وعرضنا الروايات، وقلنا إن الروايات الواردة في قطع الطواف سواء لغرضٍ أو دون غرض، تقسم إلى سبع طوائف.
 وصلنا إلى الطائفة السادسة وهي عن دخول الكعبة حيث قال الإمام (عليه السلام): إن هذا العمل مخالف للسنة، أو عبر بـ (بئس ما صنعت) وأمثاله.
 قلنا إن في هذه الروايات أربعة نقاط يجب أن توضح:
 الأولى: ما معنى مخالفة السنة؟ هل هي مخالفة الوجوب أو الاستحباب؟ إذا كانت بمعنى مخالفة الوجوب فهذا يعني ارتكاب الحرام، وإذا كانت بمعنى مخالفة الاستحباب فهذا يعني ترك المستحب.
 الثانية: هل الروايات في صدد بيان الحكم التكليفي أو الوضعي؟
 يعني هل كانت السنة، لا يدخل البيت والدخول حرام، أو أن السنة كانت أن لا يكون الطواف ناقصاً.
 إذا كان الأمر يعود للكعبة، فيمكن أن يكون لدخول الكعبة خصوصية، ولا يمكن أن نستفيد منها حرمة قطع الطواف.
 الثالثة: هل حكم الإعادة يختص بما إذا كان الطواف ثلاثة أشواط (أقل من النصف) أو أن الحكم عام ويشمل جميع الأشواط.
 الرواية الأولى يستفاد منها العموم، والروايات الثلاثة الأخرى كانت تختص بثلاثة أشواط حيث قلنا انه الروايات الثلاثة في كانت من كلام الراوي فلا تنفي عمومية الرواية الأولى. لأن الموارد الثلاث كانت خاصة، وخصوصية المورد لا توجب انحصار الحكم بها، بناءً عليه يلزم العمل بعموم الرواية الأولى، التي تفيد وجوب قطع الطواف وإعادته في أي موضع بسبب دخول الكعبة.
 الطائفة الثالثة:
 الروايات التي تجيز قطع الطواف للاستراحة:
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ فِي الطَّوَافِ قَدْ طَافَ بَعْضَهُ وَ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُهُ فَطَلَعَ الْفَجْرُ فَيَخْرُجُ مِنَ الطَّوَافِ إِلَى الْحِجْرِ أَوْ إِلَى بَعْضِ الْمَسْجِدِ إِذَا كَانَ لَمْ يُوتِرْ فَيُوتِرُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُتِمُّ طَوَافَهُ أَفَتَرَى‌ ذَلِكَ أَفْضَلَ أَمْ يُتِمُّ الطَّوَافَ ثُمَّ يُوتِرُ وَ إِنْ أَسْفَرَ بَعْضَ الْإِسْفَارِ قَالَ ابْدَأْ بِالْوَتْرِ وَ اقْطَعِ الطَّوَافَ إِذَا خِفْتَ ذَلِكَ ثُمَّ أَتِمَّ الطَّوَافَ بَعْدُ [1] .
 الرواية صحيحة سنداً، ولم تفصل بين قبل النصف وبعده، وقد صرحت الرواية بإمكانية قطع الطواف بسبب التعب ثم الإتمام سواء كان الطواف مستحباً أو واجباً.
 ثم يضيف الإمام (عليه السلام) بأن هذا الأمر يجوز في السعي أكثر من الطواف، وكذلك فإن هذا الأمر يجوز في جميع المناسك، فالذي يتعب أثناء رمي الجمرات يمكنه الاستراحة، ثم معاودة العمل، ولا يلزمه الإعادة من البداية.
 وهنا يطرح إشكالاً، وهو إن هذه الروايات قد لا تكون لها علاقة ببحثنا لأنها تخص الذي يكمل العمل، دون فوت الموالاة، ودون أن يصدق عليه عنوان قطع الطواف، في حين إن بحثنا هو إذا كان القطع بحالة تفوت فيه الموالاة، ومن بعدها يريد المكلف الإكمال، وإلا فإنه يمكن قطع أي عمل قليلاً إذا لم تفت بذلك الموالاة.
 على كل حال يظهر من الروايات إن المقصود من الاستراحة، الاستراحة القليلة التي لا تضر بالموالاة، لذلك يمكن أن تكون هذه الروايات لا علاقة لها ببحثنا.
 مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) الرَّجُلُ يَأْتِي أَخَاهُ وَ هُوَ فِي الطَّوَافِ فَقَالَ يَخْرُجُ مَعَهُ فِي حَاجَتِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ وَ يَبْنِي عَلَى طَوَافه [2] .
 الرواية صحيحة السند، وهي كالرواية السابقة ومن البعيد أن تتعلق بحالة تفوت معها الموالاة.
 في هذا الباب 46، في الحديث الثاني إبهام، ولا يعلم لماذا أورد صاحب الوسائل هذا الحديث هنا؟
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ السَّرَّاجِ عَنْ سُكَيْنِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكَنَّى أَبَا أَحْمَدَ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي الطَّوَافِ وَ يَدُهُ فِي يَدِي إِذْ عَرَضَ لِي رَجُلٌ إِلَيَّ حَاجَةً فَأَوْمَأْتُ إِلَيْهِ بِيَدِي فَقُلْتُ لَهُ كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْ طَوَافِي فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) مَا هَذَا فَقُلْتُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ رَجُلٌ جَاءَنِي فِي حَاجَةٍ فَقَالَ لِي أَمُسْلِمٌ هُوَ؟ قُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ لِي اذْهَبْ مَعَهُ فِي حَاجَتِهِ فَقُلْتُ لَهُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ فَأَقْطَعُ الطَّوَافَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَ إِنْ كُنْتُ فِي الْمَفْرُوضِ قَالَ نَعَمْ وَ إِنْ كُنْتَ فِي الْمَفْرُوضِ قَالَ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) مَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَ مَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ وَ رَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ [3] .
 يحتمل في هذه الرواية أنه إذا طفت سبعة أشواط وترغب أن تطوف سبعة أشواط أخرى فلا تواصل ولا تتعب نفسك. ولعل ذلك يسبب إزعاج الطائفيين الذين يؤدون الطواف الواجب.
 ويحتمل أيضاً أنه إذا كنت في وسط الطواف وترغب فلا تتعب نفسك في إكماله، فإذا تعبت فقطع الطواف واسترح ثم أتم الطواف. وأن صاحب الوسائل اختار هذا الاحتمال من الرواية لذلك أوردها في هذا الباب ولكن هذا الاحتمال بعيد، والاحتمال الأول أفضل.
 وعليه فإن الرواية مبهمة ولا يمكن الاستدلال بها.
 النقطة الأخرى هي التي يعبر العظام عن هذه المسألة بقطع الطواف لا لغرضٍ، وهنا يطرح سؤال ما معنى قطع الطواف لا لغرضٍ؟ هل يعني بدون غرض شرعي أو بدون غرض عرفي فهل من الممكن إن أحداً يقطع الطواف من دون دليل أو بلا غرض؟
 يحتمل أن المقصود عدم قطع الطواف من دون غرض شرعي، والغرض الشرعي تارة يكون واجب ولازم، وعندئذٍ يجب قطع الطواف! مثلاً: لأجل مرض، أو حدث، أو غرض مستحب مثل قضاء حاجة المؤمن، أدارك صلاة الجماعة، أداء صلاة الوتر وأمثالها.
 وتارة يكون الغرض عرفياً مثل الاستراحة.
 عليه لا يبقى شيء غير هذين الأمرين.
 نعم، يمكن لأحد أن يقول: المراد من الغرض هو الذي غير معتد عرفاً به مثلاً: الجوع والعطش القليلين، أو نفود الصبر وأمثالها.
 ملخص القول:
 الروايات المذكورة كلها ترتبط بأغراض شرعية أو أغراض عرفية معتد بها، في حال إن العلماء استدلوا بها على جواز قطع الطواف لا لغرض.
 لا يمكن من خلال روايات قضاء حاجة المؤمن وأداء صلاة الوتر وأمثالها، إلغاء خصوصيتها لجواز قطع الطواف لا لغرض. لذلك فإن الاستدلال بكل هذه الرواية لا يفي بالغرض، ولعله لذلك لم يستند صاحب الجواهر إلاّ لرواية الطواف بالبيت صلاة.
 لذلك وبما أن الروايات قاصرة عن الاستدلال بها، فليس لنا إلاّ أن نرى استدلال صاحب الجواهر. ونقول:
 إن هذه الرواية ليست موجودة في مصادرنا الروائية المعتبرة، نعم ذكرت هذه الرواية مراراً في مصادر أهل السنة.
 في الكتب الفقهية استفيد من هذه الرواية بوصفها مؤيد أو دليل، لهذا لم تبلغ درجة الشهرة العملية لنقول أن الشهرة العملية تجبر ضعف سندها.
 وكذلك لا تدل الرواية على المدعى، لأن الطواف بالبيت ليست كالصلاة، ونحن وجدنا أربعة عشر استثناءًٍ يختلف فيه الطواف عن الصلاة وسأشير إلى إليها عابراً:
 1ـ يجوز الكلام في الطواف، ولا يجوز في الصلاة.
 2ـ لا يجوز البكاء بغير خشية الله في الصلاة ويجوز في الطواف.
 3ـ يجوز الضحك في الطواف ولكن لا يجوز الضحك في الصلاة، موجب لبطلانها.
 4ـ يمكن الجلوس الاستراحة في الطواف ولكن لا يجوز ذلك في الصلاة.
 5ـ يجوز قول (آمين) في أثناء الطواف، ولكن قول (آمين) بعد الحمد فيها إشكال.
 6ـ لا يشترط الاستقبال في الطواف، ويبطل الطواف بالاستقبال، ويشترط ذلك في الصلاة.
 7ـ محاذاة الرجل المرأة في الصلاة فيها إشكال، ولا يوجد ذلك في الطواف.
 8ـ تصلي الصلاة جماعة، ولا يمكن ذلك في الطواف.
 9ـ يجوز الطواف المستحب بلا وضوء، وتبطل صلاة النافلة بلا وضوء.
 10ـ للشك في ركعات الصلاة أحكام خاصة مثل البناء على الأكثر وغير ذلك، ولا يوجد ذلك في الطواف، فإذا شك أحد في طوافه وكان طوافه واجباً بطل طوافه، وفي طواف النافلة يبني على الأقل.
 11ـ يجب أداء الصلاة في أوقات خاصة ولا يوجد ذلك في الطواف، لا يوجد وقت خاص للطواف في طوال الليل والنهار.
 12ـ تصلي الصلاة قضاءً، ولكن الطواف أداء دائماً، إذا ترك أحد طوافه عمداً، يجب إعادته بنية الأداء، لذلك فإن للصلاة وقت وبعد الوقت تصبح قضاءً، أما الطواف فلا وقت له ليصبح قضاءً.
 13ـ يمكن النيابة في الطواف، فإذا عجزاً أحد على إكمال طوافه فيمكنه تكليف من ينوب عنه، ولكن الصلاة لا تقبل النيابة في حالة الحياة (نعم يمكن النيابة في صلاة الطواف ولكن مرادنا الصلاة اليومية).
 14ـ يمكن الطواف لغير المميز أو الطفل الرضيع وهو مشروع، ولكن صلاة الطفل غير المميز ليست مشروعة.
 15ـ يجوز الأكل والشرب في الطواف ولا يجوز ذلك في الصلاة.
 ويمكن إضافة أمور أخرى على الذي ذكر، لذلك فإذا كان الطواف كالصلاة فلازم ذلك تخصيص الأكثر مع أخذ ذلك بعين الاعتبار يمكن حمل الحديث على أحد معنيين:
 الأول: إن هذا الحديث ناظر إلى بيان الفضيلة يعني إن ثواب الطواف بالبيت كثواب الصلاة.
 الثاني: الطواف بالبيت (من بعض الجهات) مثل الصلاة.
 عليه فإن الأدلة الاجتهادية قاصرة، لذلك نجري الأصل، وقلنا سابقاً إن الأصل يدل على جواز القطع، لذلك بناءً على الأصل فإنه يمكن قطع الطواف حتى ولو فاتت الموالاة، وبعد مدة يمكن الإعادة من البداية ولا حرمة في هذا العمل.
 للبحث صلة.
 
 
 
 
 


[1] وسائل الشیعة، ج 9، باب 46 من أبواب طواف، حدیث 1.
[2] وسائل الشیعة، ج 9، باب 46 من أبواب طواف، حدیث 2.
[3] وسائل الشیعة، ج 9، باب 46 من أبواب طواف، حدیث 3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo