< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/06/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: مكان صلاة الطواف المستحب والمحاذاة في صلاة الطواف
 البحث في مسائل صلاة الطواف، ووصلنا إلى الطواف المستحب وصلاته، وقلنا أنه يستفاد من فحوى الروايات أن للطواف المستحب صلاة وقد وردت روايات في الباب 38 من أبواب الطواف، يسأل فيها الإمام (عليه السلام) عن الذي طاف طوافاً مستحباً بدون وضوء فماذا يفعل؟ فقال (عليه السلام): إن طوافه صحيح ولكن عليه الوضوء لركعتي الطواف، وهذه الروايات تدل على أن الصلاة للطواف المستحب كان أمراً مسلما به أما في ما يتعلق بمكان الصلاة فقد قلنا في البحث السابق أن هناك طائفتين من الروايات.
 طائفة كثيرة من الروايات مطلقة تذكر أن صلاة الطواف يجب أن تكون خلف المقام. وهذه الروايات لم تشر إلى الطواف الواجب أو المستحب منها:
 ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى وَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) إِذَا فَرَغْتَ مِنْ طَوَافِكَ فَائْتِ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَ اجْعَلْهُ إِمَاماً [1] .
 الرواية صحيحة، وكذلك هناك الحديث 18، باب 74 من أبواب الطواف.
 الطائفة الأخرى هي الروايات التي صرحت أن طواف الفريضة يجب أن يكون خلف المقام، وهذه الروايات كثيرة تصل إلى حد التواتر وظاهرها أن لها مفهوم منها.
 جَمِيلٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ الْمَقَامِ [2] .
 ويستفاد من بعض الروايات، أن في ارتكاز الناس كان أن طواف الفريضة يجب أن يكون خلف المقام منها:
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ قَالَ قُلْتُ لِلرِّضَا (عليه السلام) أُصَلِّي رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ الْمَقَامِ حَيْثُ هُوَ السَّاعَةَ أَوْ حَيْثُ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) قَالَ حَيْثُ هُوَ السَّاعَةَ [3] .
 الرواية صحيحة، وتدل على أن أصل كون صلاة الطواف الواجب، يجب أن تكون خلف المقام، كان أمراً مسلماً به في ذهن الراوي، وكان سؤاله فقط: هل يجب الصلاة خلف المقام في المكان الذي كان فيه، في ذلك الزمان، أو خلف المقام الذي كان زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
 أما الروايات الخاصة: وقد ذكرنا ثلاثة روايات في البحث السابق:
 عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَطُوفُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ خَارِجاً مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إِلَّا أَنْ يَنْسَى فَيُصَلِّي إِذَا رَجَعَ فِي الْمَسْجِدِ أَيَّ سَاعَةٍ أَحَبَّ رَكْعَتَيْ ذَلِكَ الطَّوَافِ [4] .
 الرواية وأن كانت من كتاب قرب الإسناد، وسنده محل إشكال، إلاّ أن صاحب الوسائل يقول في آخر الرواية: وَ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ‌.
 وما ينقله صاحب الوسائل من كتاب علي بن جعفر، يعتبر صحيحاً، فالرواية صحيحة.
 وعلى أي حال فالرواية تضم عبارة لم يفتي بها أحد، وهي تتحدث عن شخصٍ طاف بعد الفجر (يظهر أنه طواف مستحب) وصل ركعتي الطواف خارج المسجد الحرام، فسأل الإمام عن صحة ذلك.
 فيقول له الإمام (عليه السلام): يجب أن تصلي الركعتين في مكة، أي في أي مكانٍ من مكة فصلاته صحيحة.
 ثم يضيف: إلاّ إذا نسي أن يصلي الركعتين، فعندئذٍ يجب أن يرجع إلى المسجد في أي وقتٍ ويصليهما.
 وهذا يؤدي إلى التناقض في الرواية لأن الصدر يقول بجواز الصلاة في كل مكة، والذيل يخصص الصلاة بالمسجد الحرام.
 يضاف إلى ذلك أنه لم يفت أحد بمضمون هذه الرواية ولم يقل أحد بإمكانية صلاة ركعتي الطواف المستحب خارج المسجد.
 ولكن هل يجوز أن لا يصلي الشخص هاتين الركعتين؟ قلنا سابقاً في ما يرجع للطواف الواجب أن الذي لا يصلي ركعتي الطواف، فإن ذلك يخدش بالطواف، ولكن لم يمكن القول بذلك في الطواف المستحب، فإنه حتى ولو انخدش الطواف فلا مشكل في ذلك لأنه مستحب.
 ويستفاد من بعض الروايات كذلك إن الإمام (عليه السلام) طاف ولم يصل ركعتي الطواف:
 الْحَسَنِ بْنِ ظَرِيفٍ وَ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى كُلِّهِمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى قَالَ رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) صَلَّى الْغَدَاةَ فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَدَخَلَ الطَّوَافَ فَطَافَ أُسْبُوعَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَ لَمْ يُصَلِّ [5] .
 يمكن أن يكون ترك الإمام (عليه السلام) صلاة الركعتين للتقية لأن أهل السنة لا يجوزون الصلة بعد صلاة الصبح.
 الأمر الثالث: محاذاة الرجل والمرأة في الصلاة. الذين يذهبون إلى مكة يعرفون أن محاذاة الرجل والمرأة لا يمكن أن تراعى هناك، فالمرأة والرجل يصلون بجانب بعضهم دون رعاية فاصلة العشرة أذرع وبدون وجود حائل.
 لم يتعرض أحد لهذه المسألة في ما يخص صلاة الطواف. وبحثت مسألة المحاذاة في كتاب الصلاة بشكل مفصل سواء في الصلاة فرادى أو صلاة الجماعة.
 حتى أن صاحب الجواهر قد بحث هذه المسألة وفروعاته في المجلد الثامن في ما يقرب من ثلاثين صفحة [6] .
 وفي أصل هذه المسألة اختلاف كبير فمشهور القدماء لا يجوز المحاذاة إلاّ بوجود حائل أو بفاصلة عشرة أذرع (حدود خمسة أمتار) وإلا فقد أرتكب حراماً وبطلت صلاته.
 أما المشهور والمعروف بين المتأخرين فإن المحاذاة مكروهة فقط.
 ولكلا الرأيين طائفة كثيرة من الروايات.
 وبرأينا فإن الاحتياط الوجوبي هو باجتناب المحاذاة. وإذا أفتى أحد بمثل ما ذهبنا إليه، أو قال بوجوب رعاية المحاذاة، ففي ما يخص صلاة الطواف هناك استثناء وذلك بسبب:
 أولاً: رعاية المحاذاة يؤدي إلى العسر والحرج، فإن رعاية هذا الأمر قد لا يكون ممكناً، وقد يؤدي إلى توقف الصلاة.
 ثانياً: سيرة المسلمين هي في أن يصلي المسلمون بجانب بعضهم ولا يستبعد أن تكون هذه السيرة متصلة بسيرة العصور السابقة وعصر الأئمة (عليهم السلام).
 ثالثاً: هناك رواية صحيحة لها دلالة جيدة على هذه المسألة وهي:
 مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ أَبَانٍ عَنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ مَكَّةُ بَكَّةَ لِأَنَّهُ يَبْتَكُّ فِيهَا الرِّجَالُ وَ النِّسَاءُ وَ الْمَرْأَةُ تُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْكَ وَ عَنْ يَمِينِكَ وَ عَنْ يَسَارِكَ وَ مَعَكَ وَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَ إِنَّمَا يُكْرَهُ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ [7] .
 من ذيل الرواية استفاد البعض الكراهة، ولكن لابد من النظر هل الكراهة في هذه الرواية استعملت بمعنى الكراهة حسب المصطلح أو بمعنى الحرمة، ففي أنحاء كثيرة من القرآن استخدمت الكراهة بمعنى الحرمة، وفي موضع من القرآن يقول الله (عز وجل) بعد بيان جملة من الذنوب الكثيرة: كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً [8] .
 ونضيف إلى ذلك مسألة وهي أن هناك ازدحام في عدة مواطن كذلك حيث (يبتك فيها الرجال والنساء) كحرم الإمام الرضا (عليه السلام) أو التظاهرات وأمثال ذلك فهل يمكن عدم رعاية المحاذاة؟ برأينا لا يستبعد جريان هذا التعليل، وفي كل الأماكن التي لا يمكن إيجاد حائل بين الرجال والنساء أو لا يمكن رعاية فاصلة العشرة أذرع، بحيث ترفع الحرمة.
 وعليه فإنه لا يلزم رعاية المحاذاة في صلاة الطواف وقف الزحام.


[1] وسائل الشیعة، ج 9، باب 71 من أبواب الطواف، حدیث 3.
[2] وسائل الشیعة، ج 9، باب 71 من أبواب الطواف، حدیث 5.
[3] وسائل الشیعة، ج 9، باب 71 من أبواب الطواف، حدیث 1.
[4] وسائل الشیعة، ج 9، باب 71 من أبواب الطواف، حدیث 4.
[5] وسائل الشیعة، ج 9، باب 36 من أبواب الطواف، حدیث 12.
[6] جواهر الکلام، ج 8، ص 302 إلى 330.
[7] وسائل الشیعة، ج 3، باب 5 من أبواب مکان مصلی، حدیث 10.
[8] سورة الأسرى، الآية: 38.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo