< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/06/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: وجوب السعي بين الصفا والمروة
 القول في السعي:
 من إحدى واجبات الحج والعمرة السعي بين الصفا والمروة.
 عالج السيد الماتن هذا المبحث في ثلاث عشرة مسألة، ثلاث منها تتعلق بالشك، وعشرة تتعلق بالشرائط، وقد ذكر السيد الماتن سبعة شروط هي عبارة عن:
 1ـ أشواط السعي سبعة.
 2ـ يجب الترتيب بين الطواف والسعي بمعنى أن يكون الطواف أولاً ثم السعي.
 3ـ يجب أن يكون السعي من خلال الطريق المتعارف، فلو إن شخصاً مثلاً أبتعد خمسين متراً لليمن وأتجه نحو المروة أو كان فندقه قريباً من السعي وأنطلق من الصفا وذهب إلى الفندق ثمّ أتجه من الفندق نحو المروة، ففي هذا الفعل إشكال.
 4ـ أن يكون وجهه أثناء الانطلاق نحو المروة إليها، وكذا أثناء رجوعه من المروة إلى الصفا ولا يصح أن يمشي مستدبراً.
 5ـ لا يصح الفصل الزائد بين الطواف والسعي كأن يطوف اليوم ويسعى غداً.
 6ـ يجب قصد القربى، فمع الرياء يبطل سعيه لأن السعي من التعبديات لا التوصليات (كغسل الثياب المتنجس الذي يطهر بدون قصد القربة).
 المسألة 1: يجب بعد ركعتي الطواف السعي بين الصفا و المروة، و يجب أن يكون سبعة أشواط، من الصفا إلى المروة شوط، و منها إليه شوط آخر، و يجب البدأة بالصفا و الختم بالمروة، و لو عكس بطل، و تجب الإعادة أينما تذكر و لو بين السعي.
 
 للمسألة ثلاثة فروع:
 الفرع الأول: في ما يتعلق بأصل وجوب السعي.
 الفرع الثاني: أن السعي سبعة أشواط، من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوطأً آخر، وعلى هذا يكون السعي أربعة أشواط من الصفا إلى المروة، وثلاثة أشواط من المروة إلى الصفا، وينتهي الشوط الأخير في المروة.
 الفرع الثالث: يجب البدء من الصفا والختم بالمروة، وإذا شخص عكس الأمر بطل سعيه، وإذا تذكر وسط الفعل أو في أي وقتٍ يترك السعي، ويعيده من جديد.
 أما الفرع الأول: وجوب أصل السعي.
 
 معنى السعي في اللغة:
 السعي في الأصل بمعنى المشي السريع، وقد جاء في القرآن الكريم في ما يخص صلاة الجمعة: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى‌ ذِكْرِ اللَّه [1] .
 أي للصلاة من يوم الجمعة، وفي ما يخص المؤمنين يوم القيامة يقول الله تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى‌ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْديهِمْ وَ بِأَيْمانِهِم‌ [2] .
 أي يسرع نورهم بين أيديهم (لأن كتاب أعمالهم يعطي لهم من الأمام، من جهة اليد اليمنى، فينور طريقهم) كذلك يقول الله تعالى: وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدينَةِ يَسْعى [3] .
 أي يسرع والذي ذكر هو المعنى الأصلي للكلمة، وهناك معاني فرعية كثيرة، من جملتها العدو والمشي، حتى جاءت بمعنى القصد فعندما يقال: فلان يسعى للهدي أي يقصد، وقد جاءت بمعنى العمل كذلك يقول الله (عزوجل): وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى [4] .
 بمعنى إلاّ ما عمل وفي موضع آخر جاء: الَّذينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [5] .
 وكذلك جاءت بمعنى: الأقدام على إفساد حال رجل عند غيره.
 من هنا ما جاء في أصل اللغة أن السعي هو المشي السريع، وهذا ما ينطبق على السعي اذ يستحب في السعي الهرولة أي المشي السريع، طبعاً إذا أراد شخص أن يهرول في كل السعي فسوف ينقطع نفسه لأن مسافة السعي ما يقرب من أربعة كيلومتر، والمقصود هو الهرولة للمسافة معينة أما وجوب السعي في الحج والعمرة.
 فهي من الأحكام الواضحة، الذي وقع عليها الإجماع، ولأن وجوب السعي أمراً مسلماً به لم يقع غالباً مورداً للبحث في كلام الفقهاء، بل يتعرضون لكونه ركن ويقيمون الإجماع على ذلك، وعندما يكون ركناً فيثبت وجوبه بالملازمة، وكونه ركناً يعني تركه عمداً يؤدي إلى الفساد، وليس ركنيته كالصلاة حيث يؤدي ترك الركن عمداً أو سهواً إلى الفساد.
 
 أقوال العلماء في ركنية السعي:
 يقول صاحب الرياض: السعی عندنا رکن یبطل الحج و العمرة بترکه فیهما عمدا بإجماعنا الظاهر المصرح به في جملة من العبائر مستفیضا کالغنیة والتذکرة و العلامة و غیرها [6] .
 على هذا فإن الإجماع المذكور محصل ومنقول ومستفيض كذلك.
 يقول صاحب المستند: من ترك السعی حتى انقضی وقته فان كان متعمدا بطل حجه أو عمرته إجماعا محققا و محكیا في کلام جماعة [7] .
 يقول صاحب الحدائق: السعي رکن فمن ترکه عامدا بطل حجه و هو مجمع علیه بین علمائنا کما حکاه في التذکرة و المنتهی [8] .
 وفي موضع آخر يقول: الرابع منها (من الواجبات) أن یسعی سبعا ... و هو قول علمائنا اجمع کما ذکره في المنتهی بل قول كافة أهل العلم إلا من شذ منهم [9] .
 يذكر صاحب الجواهر الإجماع المحصل والمنقول على ذلك ثم يقول: انه یحکی عن أبي حنیفة انه واجب غیر رکن فإذا ترکه كان علیه دم و عن احمد (احمد حنبل) في روایة انه مستحب لا ریب في فسادهما [10] .
 
 دلالة الآية الكريمة:
 يقول الله (عزوجل): إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَليمٌ [11] .
 في الآية عبارتان قد يقال أنهما تدلان على خلاف المطلوب لأن الله تعالى يقول: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ وفي الذيل الآية يقول: وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً.
 وقد خاض المفسرون في هذه المسألة بشكل مفصل، وفسرت صدر الآية فَلا جُناحَ عَلَيْهِ في روايات أهل البيت (عليهم السلام) وهناك شرحان ذلك:
 جاء في رواية أن المسلمين في بداية أمرهم، وقبل فتح مكة كرهوا أن يسعوا بين الصفا والمروة، فعندما أتوا لأداء العمرة وجدوا هناك صنمين على الصفا والمروة، على الصفا كان الصنم يسمعى إساف وعلى المروة كان يسمى نائلة.
 كان المشركون في ذلك الزمان يقومون بكثير من أعمال الحج، ولكن بنية التقرب من الأصنام، لذلك كره المسلمون السعي بين الصفا والمروة والآية المذكورة تقول: إن السعي بين الصفا والمروة من شعائر الله، ولا جناح عليكم فيما يفعل للأصنام، فإن وجود الأصنام لا يضركم، فأنتم تسعون لأجل الله.
 وقد نقل هذه الروايات الشيخ الطبرسي ذيل الآية المذكورة.
 والرواية الأخرى تذكر إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) شرط في عمرة القضاء أن تزال صمني إساف ونائلة مؤقتاً حتى ينهوا السعي (عمرة القضاء هي العمرة حصلت بعد عام الحديبية، وفي عام الحديبية تصالح المسلمون مع المشركين على أن يدخلوا مكة في ذلك العام، وأن يدخلوه في العام المقبلين على أن يبقوا ثلاثة أيام للأداء العمرة).
 فرفع المشركون الصنمين وتمّ السعي، ثم أن أحد المسلمين قد تأخر ودخل السعي متأخراً، بعد أن وضع المشركون الصنمين، فسأل عن ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنزلت الآية المذكورة.
 أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَرِيضَةٌ أَمْ سُنَّةٌ فَقَالَ فَرِيضَةٌ قُلْتُ أَوَ لَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما قَالَ كَانَ ذَلِكَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْفَعُوا الْأَصْنَامَ مِنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ فَتَشَاغَلَ رَجُلٌ (أنشغل بعمل آخر) تَرَكَ السَّعْيَ حَتَّى انْقَضَتِ الْأَيَّامُ وَأُعِيدَتِ الْأَصْنَامُ فَجَاءُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَاناً لَمْ يَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَدْ أُعِيدَتِ الْأَصْنَامُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما أَيْ وَ عَلَيْهِمَا الْأَصْنَامُ [12] .
 الرواية مرسلة، ويمكن الاستفادة منها بعنوان المؤيد.
 الاحتمال الثالث الذي قد يحتمل هو أن المسلمين بعد فتح مكة وبعد أن أزيلت الأصنام، كرهوا ذلك وقالوا نخاف أن نذكر الأصنام التي كانت عليها فنزلت الآية المذكورة لتقول أبعدوا هذه الأفكار عن أذهانكم.
 أما ذيل الآية الذي يقول: وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فليس المقصود من التطوع هو التطوع للسعي، بل المقصود هو التطوع للحج والعمرة، أي الذين يؤدون الحج والعمرة فإن الله لذلك شاكر وعليم، وقال البعض إن هذه العبارة يمكن أن ترجع لكل عمل خير، وهذه الاحتمالات الثالث ذكرت في مجمع البيان. ونحن نحتمل احتمالاً آخر وهو أن التطوع من مادة الطوع والإطاعة لا بمعنى الاستحباب، فإن معنى الاستحباب راج أخيراً في اصطلاح الفقهاء، وعلى هذا يكون معنى الآية إن الذي يطيع الله، ويعمل طبقاً لأوامره فإن الله شاكر وعليم.


[1] سورة الجمعة، الآية: 9.
[2] سورة الحديد، الآية: 12.
[3] سورة القصص، الآية: 20.
[4] سورة النجم، الآية: 39.
[5] سورة الكهف، الآية: 104.
[6] الریاض، ج 7، ص 124.
[7] المستند، ج 12، ص 174.
[8] حدائق الناضرة، ج 16، ص 275.
[9] حدائق الناضرة، ج 16، ص 267.
[10] جواهر الکلام، ج 19، ص 429.
[11] سورة البقرة، الآية: 158.
[12] وسائل الشیعة، ج 9، باب 1 من أبواب سعي، حدیث 6.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo