< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الحوالات المستحدثة 7/ كتاب الحوالة

 

تداخل الحوالة بالقرض

من مسائل الحوالة تداخلها مع القرض، فإذا اقترض زيدٌ مبلغاً من عمرو وقال المقرض اقرضك شريطة أن تدفع لي المال في مدينة أخرى، فيكون القرض بشرط الحوالة، فهل يجوز ذلك؟

أساساً المؤمنون عند شروطهم والقرض بإعتباره عقد، فمن الممكن أن يشترط فيه أي شيء ومنه أن يكون أداء الدين في بلدٍ مغاير لبلد إنعقاد العقد، ولكن هنا يرد الكلام حول ما لو كان مبلغ الدين في المدينة الأولى أقل قيمة منه في المدينة الأخرى، فلو فرض المبلغ ألف دولارٍ فقد تكون قيمته بمقدار ألف وخمسمائة دولار في المدينة الثانية لظروفٍ أمنية واقتصادية، فهذا الإقراض بشرط الحوالة كأنه نوع من الربا، لأنه يجر نفعاً وكل قرضٍ جر نفعاً فهو حرام.

وقد فصلنا الحديث سابقاً عن أن حرمة الربا لم تتجه لإسمه بل لضرره، ولا يتغير الحكم بتغيير الإسم أو بالحيل الشرعية، وقال بعضٌ بجواز الحيل الشرعية للفرار من الحرام إلى الحلال من خلال بيع شيء بثمن (هو الدين المطلوب) ومن ثم بيع صاحب المال ذات المبيع بعد فترة بمبلغ أكثر فراراً من الربا، و قد أورد السيد المرجع السبزواري قدس سره مجموعة من الحلول للهروب من الربا، ويقول بحليتها لكونها فراراً من الحرام إلى الحلال.

ولكن الحق كما بينّا أن أساس العقود بجوهرها وحقيقتها لا بصورها وأسمائها، وتغيير الصورة لا يغير من حقيقة الشيء، نعم بإستثناء عقد الصلح الذي فيه شيء من السعة.

فلما كانت العقود تابعة للقصود – كما هي القاعدة المصطادة من قوله سبحانه: ﴿لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا ان تكون تجارة عن تراض[1] .

والتراضي ناشيء من القصد القلبي والدافع الأصلي للتعاقد، فالمقرض بهدف الحصول على المنفعة لا يمكنه أن يفرّ من مقصده الأصلي للإقراض بتغيير العناوين والأسماء، وقد يقال أن ذلك مما لا بأس به لقوله عليه السلام: "إِنَّمَا يُحَلِّلُ الْكَلَامُ وَ يُحَرِّمُ الْكَلَامُ"[2] ، وفيه: أن المقصود من الكلام في الحديث ليس مجرد اللفظ، بل المراد منه الكلام الذي يكون مظهراً لحقيقة العقد، فالفرق بين عقد المتعة والزنا مع وجود التراضي في الصورتين هو ليس مجرد اللفظ، بل إلتزام الطرفين بالأحكام الشرعية المترتبة على العقد، وإلا فمجرد التلفظ بصيغة العقد لا يحلل، والعقد هو ما كان عقد القلب لا مجرد عقد الألفاظ.

فنحن نرى أن الأصل في العقود هو العقد في القلب أما الألفاظ فهي قنطرة المعاني، ومن هنا نقول: إن كان الطرفان قد تبانيا على الربا ويأخذ المقرض الفائدة من القرض فلا يمكن إصلاح التعاطي هذا بتغيير اللفظ.

وفيما نحن فيه أيضاً إن كان المقرض بحاجة إلى المال في المدينة الأخرى دون أن يكون ناظراً إلى النفع أو الضرر، والا فيشكل في الصحة.

ففيما لو أعطى المقرض المال واشترط الحوالة فإذا كانت الحوالة تعد نفعاً عرفاً فلا يجوز الإشتراط بل القرض باطلٌ من أصله.

اليانصيب والقرض الحسن

ومن المسائل المشابهة لما نحن فيه مسألة اليانصيب، والتي تقوم المؤسسات من خلال بيع بوليصات للعموم ومن ثم تقوم بإعطاء جائزة لأحد المشتركين، فإذا كان الهدف من الإشتراك في اليانصيب ليس الحصول على الجائزة وإنما التبرع للمؤسسة الخيرية جاز، وخصوصاً أن الجائزة لا تعادل المبلغ المجتمع للمؤسسة، وإن كانت الجائزة هي الهدف لم يجز ذلك لكونه نوع من القمار.

وكذا ما هو سائد في بلداننا لدى مؤسسات القرض الحسن، فإن كان المقرض لا يهدف الحصول على الجائزة بل كان تابعاً جاز الإقراض وإلا أشكل.

 

الحوالة المركبة

وتعني الحوالة المركبة من الحوالة على البريء وعلى مشغول الذمة في ذات الوقت، فلو أحال زيدٌ عمراً على بكر بألف دينار، ولم تشتغل ذمة بكر لزيد إلا بخمسمائة دينار ورضي المحال عليه (بكر) بالحوالة، كانت الحوالة مركبة من صورتي الحوالة على البريء وعلى المديون.

ولا إشكال في هذه الحوالة ما دمنا قلنا بصحة الحوالتين على حدة فلا إشكال في المركب منهما[3] .

 

الحوالة الضرورة

ومن أنواع الحوالة هي الحوالة الضرورة وهي التي لا تحتاج إلى إذن ورضا المحال أو المحال عليه، أما عن عدم إفتقارها إلى رضاهما، فلأنا قلنا أن الحوالة في حقيقتها بمثابة إيفاء المحيل بالدين للمحال، والوفاء بالحق قد لا يتحقق إلا بالحوالة فلا يتمكن المديون أن يعطي المال للدائن إلا بالحوالة، كما لو كان هناك منع من جهة السلطة أو النظام الحاكم، فيحيله على غيره.

وهنا تكون الحوالة ضرورة بإعتبار عدم تمكن المحيل من الوفاء بحق المحال إلا من خلالها، وكذا لو كان المحال عليه لا يتمكن من وفاء دينه للمحيل إلا بالحوالة كما لو كان في مدينة أخرى أو وجود أنظمة تمنع من التصرف في المال أو وجود حالة أمنية تستدعي هذه الحوالة.

وكذلك تصح الحوالة دون الحاجة إلى رضا المحال والمحال عليه إن كانت هي الصورة المتداولة للوفاء بالحق عند العرف، كما لو اعتبرنا الصكوك من الحوالة، فلا يحق للمحال ولا المحال عليه أن يمتنعا كما مرّ الحديث عن ذلك.

 

كلمة أخيرة

الحديث في باب الحوالة كما في بابي الضمان والكفالة، لابد أن يبدأ من البحث في الأصول والقواعد العامة كالوفاء بالعقد والتراضي وأصل العرف، ومن بعد التأصيل يتم مناقشة التفاصيل، وهي إما أن تكون منصوصة من ناحية الشرع وإما أن لا تكون كذلك بل نعتمدها حسب الأعراف القائمة، وكلما كانت دائرة العرف أضيق كان هو المعتمد.

هذا تمام الكلام في كتاب الحوالة ويليه كتاب الكفالة إن شاء الله.


[3] . ينبغي الإشكال على القول بعدم جريان الحوالة على البريء ويمكن تصحيحه بكونه عقد قرض وحوالة [المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo