< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/01/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسائل الوصية/ فروع المسألة السابعة

 

بعد الحديث عن مسألة إنتقال حق القبول والرد في الوصية إلى الورثة، يذكر العلامة الطباطبائي قدس سره، جملةً من المسائل المتفرعة على ما سبق.

الأولى: هل يرث وارث الوارث أيضاً؟

إذا مات الموصى له، وانتقل حق الوصية إلى وارثه، فمات وارثه، فهل ينتقل الحق إلى ورثته أم لا؟

منشأ الحكم هنا، عائدٌ إلى المبنى في تصحيح وراثة الوارث الأول، فإن كان هو النص الخاص، فيعتبر الحكم خلافاً للقاعدة ويتم الإقتصار فيه على موضع النص فقط، فلا ينتقل الحق إلى وارث الوارث، وإن كان بناءاً على ورود النص وفقاً للقاعدة، فإن الحق ينتقل إليه أيضاً.

وقد سبق منا القول بأن الحكم في المسألة ليس خلافاً للقاعدة، لأن الوصية تؤسس لحقٍ للموصى له، وكل حقٍ ينتقل إلى الورثة -إلا ما استثني-، فإذا مات الوارث ورثه ورثته لذات القاعدة.

قال العلامة الطباطبائي قدس سره: " أحدها هل الحكم يشمل ورثة الوارث‌كما إذا مات الموصى له قبل القبول و مات وارثه أيضا قبل القبول فهل الوصية لوارث الوارث أو لا؟ وجوه الشمول، و عدمه لكون الحكم على خلاف القاعدة و الابتناء على كون مدرك الحكم انتقال حق القبول فتشمل و كونه الأخبار فلا"[1] .

فإذا كان المدرك في المسألة السابقة الأخبار الخاصة فهي لا تشمل وارث الوارث، أما إذا كان المعتمد على القاعدة العامة، وإنما جائت الأخبار بياناً للقاعدة وتأكيداً عليها، فوارث الوارث يرث أيضاً.

الثانية: إختلاف الورثة في قبول الوصية

إذا اختلف الورثة فيما بينهم، فقبل بعضهم الوصية، وردّها بعضهم، فماذا نصنع حينئذ؟

وترجعنا هذه المسألة إلى مسألة تبعّض قبول الوصية، من قبل الموصى له، وقلنا في محله بجواز ذلك، إلا إذا كان الموصي يقصد المجموع بما هو مجموع، وذلك لأن الصفقة الواحدة -في ظاهرها- تتشعب إلى جملة صفقات، فيمكن القبول ببعضها.

وفيما نحن فيه إختلف الفقهاء حال إختلاف الورثة، فهل نقول[2] ببطلان الوصية من رأس، أو بصحتها جميعاً مع حصول الرادّ أيضاً على حصته، أو صحتها وحصول القابل على حصة الجميع، أو نقول[3] بتبعضها حيث يعطى القابل حصته منها، ويمنع الراد؟

قال العلامة الطباطبائي قدس سره: " إذا قبل بعض الورثة ورد بعضهم فهل تبطل الوصية أو تصح ويرث الراد أيضاً مقدار حصته، او تصح بمقدار حصة القابل فقط، أو تصح وتمامه للقابل، والتفصيل بين كون موته قبل موت الموصي فتبطل وبعده فتصح بمقدار حصة القابل وجوهٌ"[4] .

نحن نرى أن الوصية تتبعض، فيأخذ القابل بنصيبه، ويردّ الراد حصته، وذلك لأن لكلٍ منهم حصته من الوصية، نعم؛ يبقى التصالح خير سبيلٍ في حالة عدم وضوح الرؤية.

الثالثة: كيفية إنتقال الموصى به إلى وارث الموصى له

قبل بيان هذه المسألة، لابد أن نمهّد بتمهيدين:

الأول: هل إن تحديد الحكم الشرعي يمكن أن يكون بطرح الإحتمالات وإقامة النظريات، أم أنه يتم عبر فهم الأدلة الشرعية؟

لا ريب أن الحكم الشرعي إنما يتحدد من خلال الأدلة الواردة إلينا، وربما طرحت هذه المسألة وأجيب عنها بالطريق الأول وهو غير تام.

الثاني: هل إن الميت يملك شيئاً أم لا؟

قالوا: بأنه يملك، فإن الدية هي ملكٌ للميت، ومنه تنتقل إلى ورثته، بل قال البعض بإمكان ملك الجمادات أيضاً، كما لو أوقف شخصٌ داره للمسجد، ودليلهم على كل ذلك أن الملكية قضيةٌ إعتبارية، فهي راجعةٌ إلى العرف، ففي أي موضعٍ إعتبر العرف وجود علقة الملكية قلنا بها، ومثل ذلك في ملكية الجهات غير الحقيقية، كالدولة، فهل تملك الدول أم لا؟

وبعد هذا التمهيد، نتسائل: هل إن الموصى به، ينتقل إلى وارث الموصى له -بعد قبوله- بصورة مباشرة، أم ينتقل إلى موصى له الميت أولاً، ومن ثم منه إلى ورثته؟

وتظهر الثمرة في هذه المسألة في إرث زوجة الموصى له، فيما لو كان الموصى به أرضاً، فإذا كان الإنتقال بالوصية ملكت، وإن كان الإنتقال بالإرث فلا تملك الزوجة شيئاً من الأرض.

ونحن نرى أن الموصى به ينتقل إلى الورثة بصورة مباشرة، لأن ظاهر صحيحة بن قيس يدل على إنتقال حق الوصية لا المال، فينتقل المال بعد قبول الوارث إليه مباشرةً من الموصي، ومثل حق الوصية حق الخيار أيضاً.

قال العلامة الطباطبائي قدس سره: " هل ينتقل الموصى به بقبول الوارث إلى الميت ثمَّ إليه أو إليه ابتداء من الموصي وجهان أوجههما الثاني (ووافقه بعض المعلقين[5] وخالفه البعض كالمرجع الشيرازي[6] ، ولكنا لا نبحث عن إمكان ملكية الميت أم لا، بعد أن كانت مسألة نظرية، بل نرجع إلى ظاهر الصحيحة التي تفيد إنتقاله إلى الورثة) و ربما يبنى على كون القبول كاشفا أو ناقلا فعلى الثاني الثاني و على الأول الأول ( فإذا قلنا بأن القبول كاشفٌ فإنه ينتقل من الموصى له وعلى القول بالنقل تنتقل إلى الورثة) و فيه أنه على الثاني (النقل) أيضا يمكن أن يقال بانتقاله إلى الميت آنا ما ثمَّ إلى وارثه بل على الأول يمكن أن يقال بكشف قبوله عن الانتقال إليه من حين موت الموصي لأنه كأنه هو القابل فيكون منتقلا إليه من الأول"[7] .

 


[1] العروة الوثقى:ج2، ص883.
[2] كما اختار ذلك المرجع الحكيم قدس سره، قال في المستمسك: ج14، ص563: "لعدم حصول القبول المطابق للإيجاب"، وكذا المرجع الكلبايكاني قدس سره، حيث قال معلقاً: "قد مرّ الإشكال في قبول الموصى له بعض الوصية فضلاً عن وارثه"، أنظر: العروة الوثقى (المحشى) ج5، ص663. [المقرر].
[3] وهذا ما اختاره المرجع السبزواري قدس سره، قال في مهذب الأحكام: ج22، ص154: " و وجه الثالث وجود المقتضي للصحة بالنسبة إلى القابل و فقد المانع عنها فلا بد من ترتيب الأثر، و أما غيره فمقتضى الأصل عدم ترتب الأثر بالنسبة إليه إلا بدليل معتبر حاكم على الأصل و هو مفقود"، واستدل على إختياره لهذا الرأي بعد مناقشة الوجوه جميعا، بالقول: "وكل هذه الوجوه باطلة إلا الثالث لتطابق الانظار العرفية و مرتكزات المتشرعة عليه". [المقرر].
[4] العروة الوثقى: ج2، ص884.
[5] كالسيد أبو الحسن الإصفهاني، إلا أنه جعل القسمة على بين الورثة مع التعدد على حساب قسمة الإرث، أنظر: العروة الوثقى (المحشى) ج5، ص664. [المقرر].
[6] قال في الفقه: ج61، ص70: " كما استظهرناه فيما سلف، لأنه يتلقى الملك منه عرفاً والشارع قرره، وهذا هو الذي اختاره جماعة كالسيدين الوالد وابن العم وغيرهما". [المقرر].
[7] العروة الوثقى: ج2، ص884.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo