< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الرجوع عن الوصية 2/ أساليب الرجوع عن الوصية

رد الوصية جائزٌ من قبل الموصي، وقد مرّ الحديث عن ذلك، وقد فصّل الفقهاء الحديث عن سبل الرجوع، وقد أوصلها بعضهم إلى أكثر من عشرة موارد، وسنشير إلى بعضها، ولكن المحور في كل ذلك كون الرد مبنياً على نية الرجوع، كما في كل عقدٍ وايقاع، والحديث عن هذه الموارد إنما هو لإستظهار هذه النية ودلالة الفعل على تحقق قصد الرد.

والعمدة في رد الوصية، إما بالرجوع الحقيقي حيث زوال أثر الوصية بزوال الموضوع، كما لو أوصى برغيفٍ فأكله، وإما بزوال الحكم، وهو قد يكون بقصد الرد وقد لا يكون، كما لو باع العين الموصى بها للتخلص من الوصية، أو الإيصاء بها لشخصٍ آخر من اجل ذلك، وقد يكون البيع أو الإيصاء بنسيان الوصية أصلاً.

أما ما ذكر من سبل وتطبيقات فأبرزها ما يلي:

أساليب الرجوع عن الوصية

الأول: إتلاف الموصى به

ويتحقق ذلك بزوال عين الموصى به، حيث ينتفي الحكم بإنتفاء الموضوع.

الثاني: تغيير عنوان الموصى به

إذا أوصى ببيته، ولكنه حوّله في حياته إلى حسينية، بما لا يصدق عليه عنوان البيت بعدئذٍ، أو حوله إلى بستانٍ أو مزرعة، فإن ذلك يعد رجوعاً عن الوصية لتغيّر عنوان الموصى به، وكذا لو أوصى بمزرعةٍ له، فأزال الزرع وبنى فيها بيتاً.

الثالث: مزج الموصى به

إذا قام الموصي بمزج الموصى به وخلطه بما يعدِم به العين الموصى بها، تبطل الوصية به، كما لو مزج اللبن أو السكّر بالماء، بما لا يبقى له وجوداً متمايزاً.

الرابع: التحول غير الجذري في العين

لو أحدث في العين الموصى بها حدثاً أو غيّر فيها تغييراً جزئياً، كما لو أضاف إلى البيت الموصى به غرفةً، فهل يعد ذلك رجوعاً عن الوصية؟

الظاهر أنه لا يعتبر ذلك، لأن تغييراتٍ كهذه لا تناقض الوصية، بل لا تتعارض مع غرض الوصية.

الخامس: نقل العين الموصى بها

إذا نقل الموصي العين ببيعها، فإذا كان مع علمه بالوصية السابقة بها[1] ، فذلك يدل على نقضه للوصية ورجوعه عنها صراحة، سواءاً تم البيع أم إنفسخ لسببٍ من الأسباب، ولكن قد يكون بيعه لها لنسيانه الوصية السابقة، فإذا رجعت العين بإقالةٍ أو خيارٍ، فإن الوصية تبقى على حالها، وذلك لعدم القصد بالرجوع عن الوصية، فلا تبطل الوصية بمجرد البيع، بحجة بطلان الوصية بالبيع، والإفتقار إلى الدليل لرجوع الوصية، وذلك لأن الدليل في رجوع الوصية هو استصحاب وجودها، وبقاء القصد بها، هذا فضلاً عن أن رجوع العين لم يكن بعقدٍ جديد، بل هو بإبطال العقد السابق.

وهكذا هو الأمر في سائر موارد الشك في بقاء الوصية وبطلانها، لتعارض أصلي الإستصحاب وعدم الوصية، والأول هو المقدم لكونه حاكماً على سائر الأصول.

السادس: رهن العين الموصى بها

إذا أوصى بعينٍ ثم رهنها، فهل يدل ذلك على الرجوع عن الوصية وبطلانها أم لا؟

إذا كان قد قصد برهنه لها رجوعاً عن الوصية فلا خلاف في بطلان الوصية، لأن المعتمد هو قصد رجوعه عن الوصية، أما إذا لم يقصد به الرجوع، وبقيت العين المرهونة على حالها ومن ثم رجعت إليه بعد سداد الدين، فإن الوصية تبقى على حالها.

السابع: تغييرات تتعارض مع عنوان الوصية

إذا أحدث الموصي بتغييرات في العين الموصى بها، كما لو أضاف طوابق فوق البيت الموصى به، فهل يدل ذلك على بطلان الوصية؟

إن كان تعدد الطوابق يتنافى مع ما أوصى به إليه فإن ذلك يعد رجوعاً عن الوصية، كما لو كان قد أوصى ببيته ليكون مسجداً، فإن تعدد الطوابق -عرفاً- يتعارض مع المسجد، وإن لم يتعارض عرفاً فلا إشكال، كما لو أوصى ببيتٍ للسكنى وأضاف عليه طوابق، والعرف يرى عدم البأس بوجود طوابق متعددة للفصل بين كل طابقٍ قانونياً.

الثامن: تمزيق ورقة الوصية

لو كتب الموصي وصيته في ورقةٍ، ثم مزّقها أمام شهودٍ، فإن ذلك دليلٌ على رجوعه عن الوصية، ولا يكفي ذات الفعل، إن كان قد أثبت الوصية عند كاتب العدل، حيث لابد لإبطال الوصية عرفاً من الرجوع إليه مجدداً.

هذا كله عن الوصايا التمليكية، ويتحقق الرجوع أيضاً في الوصايا العهدية بالقول والفعل، كما لو أوصى بالدفن في النجف، ثم اشترى قبراً لنفسه في بلدته بنية الرجوع عن تلك الوصية، فإن ذلك يعد رجوعاً منه.

وهكذا فإن المحور في الرجوع عن الوصية هو قصد الموصي، أو زوال موضوع الوصية، والله العالم.


[1] الحديث في هذه المسألة هو من جهة الثبوت فقط، من دون النظر إلى جانب الإثبات، فتأمل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo