< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الموصى به 19/ الوصية المبهمة 6

 

لو أوصى الموصي بمالٍ لجماعةٍ دون أن يحدد حصة كل واحدٍ منهم، فهل يوزع عليهم بالتساوي أم بحسب الفرائض -إن كانوا ورثته-؟

وتلحق هذه المسألة بالوصايا المبهمة التي سبق الحديث عنها، ومن أجل توضيح المسألة نذكّر بالقواعد العامة التي اعتمدناها في الوصايا المبهمة، حيث أن الوصية تتبع إرادة الموصي واللازم معرفتها، لقول الله سبحانه: ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَميعٌ عَليم﴾[1] ، حيث لا يجوز تبديل الوصية بعد سماعها ومعرفة مراد الموصي بها.

أما إذا لم يتم التعرف على مراد الموصي، فهناك أربع قواعدٍ متبعة:

الأولى: لزوم التحري من مراد الموصي، كما لو كان للموصي عرفاً خاصاً وإصطلاحاتٍ يستعملها في معاني معيّنة، فهي المتبعة إن أوردها في الوصية.

الثانية: الرجوع إلى العرف العام، وما يفهمه من الكلمات الواردة في الوصية.

الثالثة: إعتماد اختيار الوصي، إنطلاقاً من تفويض الموصي الأمر إليه، كما لو قال له إدفع مالاً للفقراء، من دون تحديد مقدار المال والفقراء، فقد يكون ذلك من تفويض الأمر إلى الوصي، ولا تخلو الوصايا من ذلك في بعض جوانبها على الأقل.

الرابعة: إن كان الموصي ملتزماً بالدين، ويعتمد في ألفاظه على الفاظ الشرع، نرجع إلى التحديدات الشرعية في ألفاظه المستعملة.

بيان ذلك: قد ترتبط الوصية بالإرث، حين يوصي للورثة من ثلثه، فقد يكون معتمداً على التقسيم الشرعي للورثة بحسب طبقاتهم، وقد لا يكون كذلك، فإذا كان قد فوّض الأمر إلى التحديد الشرعي إلتزم به وإلا فلا.

ومثله مثل من يتبرع لأهل الميت بشيء -كما في مؤسسة الشهداء اليوم- فهل يتم توزيع المال عليهم بالسوية وهل تأخذ الزوجة من الأرض المعطاة شيئاً؟

يرجع ذلك إلى قصد المتبرع فإن كان يقصد التوزيع بحسب التقسيم الشرعي قسّم عليهم كذلك ولم تحصل زوجة الميت على شيء، وإلا اشتركوا في المال.

ومن هنا، إذا أوصى الموصي بشيءٍ لطائفةٍ من الناس كالعلماء أو طلبة العلم أو أقاربه، فإن علمنا مراده بالتسوية اعتمدناه، وإلا فيكون كأنه فوّض الأمر إلى الوصي ليرى ما يراه في كيفية التوزيع، لأن التوزيع بالسوية ليس مقتضى العدالة مطلقاً.

هذا ولكن ذهب المحقق الحلي قدس سره إلى أن مقتضى الوصية التسوية، وفيه أنه قد يكون كذلك في بعض الأحيان لا مطلقاً، قال في الشرائع ممزوجاً بالجواهر: "و إطلاق الوصية لجماعة محصورة يقتضي التسوية ما بينهم من غير فرق بين الغريب و البعيد، و الذكر و الأنثى، و الفاضل في الإرث و غيره، بلا خلاف و لا إشكال للتساوي في سبب الملك" [2]

أما روايات المقام فهي على طائفتين، منها ما يأمر بالتوزيع بحسب التحديد الشرعي ومنها ما أمرت بالتقسيم كما أمر الموصي:

     عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فِي أَعْمَامِهِ وَ أَخْوَالِهِ فَقَالَ لِأَعْمَامِهِ الثُّلُثَانِ وَ لِأَخْوَالِهِ الثُّلُثُ". [3]

قد يكون قصد الموصي التعويل على التقسيم الشرعي، فيتم التقسيم على أعمامه وأخواله كما في الإرث، وبهذا الحمل لا حاجة إلى هجر الرواية كما فعل المحقق والشهيد الثاني.

وفي مقابل هذه الرواية، رواياتٌ تدل على التقسيم بحسب رأي الموصي:

     عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام رَجُلٌ كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَ لَهُ وُلْدٌ ذُكُورٌ وَ إِنَاثٌ فَأَوْصَى لَهُمْ جَدُّهُمْ بِسَهْمِ أَبِيهِمْ فَهَذَا السَّهْمُ الذَّكَرُ وَ الْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ أَمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَوَقَّعَ عليه السلام: يُنْفِذُونَ وَصِيَّةَ جَدِّهِمْ كَمَا أَمَرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ"[4] .

     كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام رَجُلٌ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِمَوَالِيهِ وَ لِمَوْلَيَاتِهِ الذَّكَرُ وَ الْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ أَوْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ مِنَ الْوَصِيَّةِ فَوَقَّعَ عليه السلام: "جَائِزٌ لِلْمَيِّتِ مَا أَوْصَى بِهِ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ"[5] .

 

مسألة: تحديد الأقارب

أذا أوصى الموصي بمالٍ لأقاربه، فمن هم الأقارب؟

قيل أنهم من اشتركوا معه في الأجداد إلى آخر جدٍ في الإسلام.

وهذا وإن كان صحيحاً في بدايات نشوء الإسلام، ولكنه غير ممكن في مثل هذه العصور، حيث يعني أن تقسم الوصية على مثل ربيعة ومضر.

ويبدو أن الأقارب تشمل الأقارب المتواجدين مع بعض، وهو الذي يعبّر عنه بالأسرة الكبيرة، وهي الأصغر من العشيرة والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo