< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/06/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 14/ نصوص فضل العلم، ودور العلماء 10/ مسؤوليات الحاكم الإسلامي 4

 

ذكرنا أن تحويل الأمة إلى كتلة متراصة، يعد من مسؤوليات الحاكم الإسلامي، واستدللنا على ذلك بالسيرة القطعية، والنصوص الشريفة، والأهداف التي رسمها الشارع للمجتمع، ولا يمكن تحقيقها إلا بعد توحيد صفوفه وتنظيمها.

ومن تلك الأهداف ماهو شائعٌ ومعروف كالدفاع عن الأمة في مواجهة الأعداء، ومنها ما هو مستجدّ كمواجهة الأمراض والاوبئة، ومنها إذا أصابت الأمة مجاعةٌ ومخمصة، فالأمة تحتاج إلى الأمن الغذائي والإقتصادي، وهذا لا يتحقق إلا عبر تنظيم المجتمع وموراده، من خلال إدارة الزراعة والري والتجارة والصناعة، بأن يأمر الحاكم بزراعة ما تحتاجه الأمة أو صناعته.

حدود المسارات الثلاث

فيما يرتبط بالسيرة، فإن الأخذ بها يكون من خلال الإهتداء بها، لا تطبيقها حرفياً، وذلك لإختلاف الظروف والأزمنة والحاجات.

أما النصوص فقد تكون شاملة وعامة وقد تكون خاصة، كما أنها بحاجة إلى اجتهاد الفقيه، لمعرفة إمكان تطبيقها على الواقع.

وأما الحوادث الواقعة والظروف المستجدة، فلا يمكن الحكم فيها إلا للفقيه المستنبط.

 

الشعائر الاجتماعية

مما يمكن أن يستدل به على إهتمام الإسلام البالغ بتنظيم المجتمع، الشعائر المختلفة له، التي أمر بها بشكلٍ جماعي، كالحج وصلاة الجمعة والجماعة والعيد وما أشبه، بالرغم من أن العبادات هي علاقة شخصية بين الإنسان وربه، إلا أن الله سبحانه أمر بها جماعةً وبعضها -كالوقوف بعرفة- محددٌ بزمانٍ ومكانٍ معينين، وهذه كلها تساهم في تكتيل الأمة.

نصوص حقوق الإخوان

ويؤيد ما سبق النصوص المتظافرة الواردة في بيان حقوق الإخوان، وبملاحظتها نجد أن الحديث فيها عن خصوص المؤمنين الإخوة، أو بتعبير آخر عن نخبة المجتمع الإيماني، حيث لابد أن يكون بينهم تفاعل وتنظيم وتبادل للحقوق، ومن تلك النصوص ما رواه في الإختصاص عن المعلّى بن خنيس قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع فَقُلْتُ مَا حَقُّ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ؟

قَالَ: "إِنِّي عَلَيْكَ شَفِيقٌ أَخَافُ أَنْ تَعْلَمَ وَ لَا تَعْمَلَ وَ تُضَيِّعَ وَ لَا تَحْفَظَ".

قَالَ قُلْتُ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. قَالَ: "لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ سَبْعُ حُقُوقٍ وَاجِبَاتٍ لَيْسَ مِنْهَا حَقٌّ إِلَّا وَاجِبٌ عَلَى أَخِيهِ إِنْ ضَيَّعَ مِنْهَا حَقّاً خَرَجَ مِنْ وَلَايَةِ اللَّهِ وَ تَرَكَ طَاعَتَهُ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَقٌّ مِنْهَا أَنْ تُحِبَّ لَهُ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَ أَنْ تَكْرَهَ لَهُ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ وَ الثَّانِي أَنْ تُعِينَهُ بِنَفْسِكَ وَ مَالِكَ وَ لِسَانِكَ وَ يَدِكَ وَ رِجْلِكَ وَ الثَّالِثُ أَنْ تَتَّبِعَ رِضَاهُ‌ وَ تَجْتَنِبَ سَخَطَهُ وَ تُطِيعَ أَمْرَهُ وَ الرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ عَيْنَهُ وَ دَلِيلَهُ وَ مِرْآتَهُ وَ الْخَامِسُ أَنْ لَا تَشْبَعَ وَ يَجُوعُ وَ تَرْوَى وَ يَظْمَأُ وَ تَلْبَسَ وَ يَعْرَى وَ السَّادِسُ إِنْ كَانَ لَكَ خَادِمٌ أَوْ لَكَ امْرَأَةٌ تَقُومُ عَلَيْكَ وَ لَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ تَقُومُ عَلَيْهِ أَنْ تَبْعَثَ خَادِمَكَ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَ يَصْنَعُ طَعَامَهُ وَ يُمَهِّدُ فِرَاشَهُ وَ السَّابِعُ أَنْ تُبِرَّ قَسَمَهُ وَ تُجِيبَ دَعْوَتَهُ وَ تَعُودَ مَرَضَهُ وَ تَشْهَدَ جَنَازَتَهُ وَ إِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ فَبَادِرْ إِلَيْهَا مُبَادَرَةً إِلَى قَضَائِهَا وَ لَا تُكَلِّفْهُ أَنْ يَسْأَلَكَهَا فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ وَصَلْتَ وَلَايَتَكَ بِوَلَايَتِهِ" [1]

ومن جملة النصوص في هذا الباب، نستفيد أن مراد الإسلام تحويل الأمة إلى كتلة متراصة، بردم الفجوات بينهم، وإن لم يمكن تحقيق ذلك على نطاقٍ واسع، فليكن في نطاقاتٍ وحدودٍ أضيق، كحدود المسجد أو المنطقة أو المدينة.

تطبيقات لتنظيم المجتمع

هناك تجليّات لتكتيل المجتمع وتنظيمه، منها التجمعات الأسرية والعشائرية، التي هي مجالٌ لتحقيق ما يهدفه الإسلام من تنظيم المجتمع، بأن تكون الأسرة عبارة عن وحدة منظّمة ومتكاملة.

ومنها التجمعات الخيرية، كالهيئات والمواكب الحسينية، والمؤسسات الدينية الخدمية كمؤسسات الأيتام وبناء المساجد وما أشبه، فإنها تجمعات يمكن أن تتحقق فيها القيم الإسلامية كالتعاون والتشاور والتواصي، وتقوم أيضاً بتطبيق قيمة الإحسان لعموم المجتمع.

ومنها الروابط والمنظمات السياسية التي يمكنها أن تقوم بخدمة المجتمع بشكلٍ منظّم.

ومن تلك التجمعات الحوزات العلمية، التي تبتغي رضا الرب سبحانه بتنظيم صفوفها وتنظيم المجتمع.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo