< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/07/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 21/ نصوص فضل العلم ودور العلماء 16 / العلماء ودورهم في تثقيف الأمة

 

هل هناك مرجعية لثقافة الأمة أم لا، وبعبارة أخرى: هل يقوم الفقيه المتصدي بتوجيه المجتمع إلى الثقافة الرشيدة ضمن مسؤولياته أم لا؟

في البدء كلمة: يشهد العالم اليوم وجود وزارات الصحة في كل دولة، وتعني وزارة توفير وسائل الصحة، منها الأدوية ومراكز الإستشفاء، وكذلك ولأن الصحة لا تتحقق إذا لم تكن هناك وقاية كافية، وبتعبيرٍ آخر: إن كان الطعام الذي يأكله الناس ملوّثاً، فلا يمكن تحقق الصحة للمجتمع، ولذلك أهم ما تهتم به وزارات الصحة هو الإشراف على الأطعمة المتداولة في المجتمع.

ولكن هل الطعام النازل في جوف الإنسان أهم، أم الثقافة التي يتبناها ويسيّر حياته وفقها؟

فإذا كانت ثقافة المجتمع باطلة، فإنه إلى إنهيارٍ كامل، فثقافات الكراهية والعنصرية والفوضى وثقافة الضلالة عموماً، معاولٌ لهدم بنية المجتمع.

ومن هنا، فكما لابد من الإهتمام الطعام والشراب ومصادرهما، كذلك ينبغي الإهتمام بمصادر تثقيف الأمة، خصوصاً وإن الأمة الإسلامية -كما ذكرنا- تقوم على العقيدة والفكر لا على السلاح والمال، فإذا تضررت ثقافة الأمة فإنه يعني تضرر أسسها.

وهكذا أولى الإسلام أهميةً بالغة في هذا الشأن، حيث أبان المصادر الصحيحة للبناء الثقافي للأمة، فما هي؟

الأول: العقل، والثاني الوحي.

ففيما يتصل بالعقل، أكّد الإسلام بأن الإنسان هو كائنٌ عاقل قبل كل شيء، وهو أساس بناء الأمة، وقد فصّلنا الحديث عن العقل في بعض كتبنا، ولكنا نختصر القول هنا، بأن العلم لا يكون إلا من عالمٍ رباني، ولكن معرفة العالم الرباني، إنما تكون بالعقل، وكما أجاب الإمام الر ضا عليه السلام عن سؤال إبن السكيت، حين قال له: فَمَا الْحُجَّةُ عَلَى الْخَلْقِ الْيَوْمَ؟

وبانتزاع العقل عن الإنسان، فلا يكون إلا كأحدى الدوابّ في الغابات. فَقَالَ عليه السلام: "الْعَقْلُ‌ يُعْرَفُ بِهِ الصَّادِقُ عَلَى اللَّهِ فَيُصَدِّقُهُ وَ الْكَاذِبُ عَلَى اللَّهِ فَيُكَذِّبُهُ" قَالَ فَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ هَذَا وَ اللَّهِ هُوَ الْجَوَابُ. [1]

الثاني: الوحي، فمهما بلغ الإنسان من المعرفة والحكمة، فإنه لن يصل إلى معرفة الحقائق بصورةٍ كاملةٍ إلا عبر الوحي، ومن هنا تجد أن القرآن الكريم والنصوص الشريفة تهتم ببيان هذا الجانب، وفيما يلي بعضاً منها:

     قال الله سبحانه: ﴿وَ إِذا قيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى‌ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُون﴾[2] ، فالأب الذي لا يعلم وليس لديه هدىً، فلا يجوز إتباعه كما ذكرنا سابقاً، كما دعا ابراهيم عمه ازر بإتباعه لأنه يعلم ما لا يعلم.

     وكذلك قال ربنا سبحانه: ﴿أَ فَمَنْ يَهْدي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى‌ فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون﴾‌.[3]

     وهكذا من صفات العاقل، أنه يختار أحسن القول لإتباعه، كما قال ربنا سبحانه ﴿الَّذينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْباب‌﴾ [4] ، وهذا لا يكون إلا بعد تجنب الطاغوت وثقافته، كما أشار السياق.

     ومن الآيات المسوقة في هذا المورد بباطنها، رغم حجية ظاهرها علينا أيضاً قوله سبحانه: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى‌ طَعامِه﴾[5] ، فلا يجوز للمرء أكل كل شيء، بل لابد من النظر فيه، وأما باطن الآية، فيفهم من قوله عليه السلام في رواية زيد الشحام، حين سأله: ما طعامه؟

فقال عليه السلام: "عِلْمُهُ الَّذِي يَأْخُذُهُ عَمَّنْ يَأْخُذُهُ"[6] وقد روي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام: " مَنْ أَصْغَى إِلَى نَاطِقٍ فَقَدْ عَبَدَهُ فَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ يُؤَدِّي عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَدْ عَبَدَ اللَّهَ وَ إِنْ كَانَ النَّاطِقُ يُؤَدِّي عَنِ الشَّيْطَانِ فَقَدْ عَبَدَ الشَّيْطَانَ" [7] وهي واضحةٌ في ضرورة التحرّي من مصدر العلم والثقافة.

     وعَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‌ "وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ‌ يَعْنِي مَنْ يَتَّخِذُ دِينَهُ‌ رَأْيَهُ‌ بِغَيْرِ هُدَى أَئِمَّةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى" [8]

     وهكذا كشف الأمام عليه السلام في الرواية التالية، عن كون طاعة علماء السوء واتباع آرائهم بمثابة عبادتهم من دون الله سبحانه، فقد عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‌ (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ)‌ قَالَ: "وَ اللَّهِ مَا صَلَّوْا لَهُمْ‌ وَ لَا صَامُوا وَ لَكِنْ أَطَاعُوهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ"[9]

     عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام:‌ "كَذَبَ‌ مَنْ زَعَمَ‌ أَنَّهُ مِنْ شِيعَتِنَا وَ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِعُرْوَةِ غَيْرِنَا"[10] ، وهي صريحةٌ بعدم كفاية التشيع العاطفي، دون أن يكون تمسكاً بحبلهم والأخذ منهم عليهم السلام.

     وقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام‌ "إِنَّ الْقُرْآنَ شَاهِدُ الْحَقِّ وَ مُحَمَّدٌ ص لِذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ فَمَنِ اتَّخَذَ سَبَباً إِلَى سَبَبِ اللَّهِ لَمْ يُقْطَعْ بِهِ الْأَسْبَابُ وَ مَنِ اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ سَبَباً مَعَ كُلِّ كَذَّابٍ فَاتَّقُوا اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْضَحَ لَكُمْ أَعْلَامَ دِينِكُمْ وَ مَنَارَ هُدَاكُمْ فَلَا تَأْخُذُوا أَمْرَكُمْ بِالْوَهْنِ وَ لَا أَدْيَانَكُمْ هُزُواً فَتَدْحَضَ أَعْمَالُكُمْ وَ تُخْطِئُوا سَبِيلَكُمْ وَ لَا تَكُونُوا فِي حِزْبِ الشَّيْطَانِ فَتَضِلُّوا يَهْلِكُ مَنْ هَلَكَ وَ يَحْيَا مَنْ حَيَّ وَ عَلَى اللَّهِ الْبَيَانُ بَيَّنَ لَكُمْ فَاهْتَدُوا وَ بِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ فَانْتَفِعُوا وَ السَّبِيلُ فِي ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ فَ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً" [11]

     عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: "مَنْ دَانَ اللَّهَ بِغَيْرِ سَمَاعٍ مِنْ عَالِمٍ صَادِقٍ أَلْزَمَهُ اللَّهُ التِّيهَ إِلَى الْفَنَاءِ وَ مَنِ ادَّعَى سَمَاعاً مِنْ غَيْرِ الْبَابِ الَّذِي فَتَحَهُ اللَّهُ لِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَ ذَلِكَ الْبَابُ هُوَ الْأَمِينُ الْمَأْمُونُ عَلَى سِرِّ اللَّهِ الْمَكْنُونِ‌".[12]

ومن جملة هذه النصوص الشريفة نستفيد أن مصدر الثقافة الصحيحة، إنما هو العقل والوحي، ولابد أن يكونا المنهج المتبع للمجتمع الإسلامي، في أخذ المعارف والثقافة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo