< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/03/06

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: کتاب النکاح/ العیوب/ أحكام العيوب

 

آخر ملاحظة في هذه المسألة تتعلّق بقدر الدخول الذي يتحقّق به الوطىء.

قال الشيخ في المبسوط: «حدّ الإصابة، فلا يخلو أن يكون صحيح الذكر أو قد قطع بعضه. فإن كان صحيح الذكر فالقدر الذي يخرج به من حكم العنّة أن يغيب الحشفة في الفرج، وهو أن يلتقي ختاناهما على ما شرحناه في كتاب الطهارة.

فإذا حصل هذا القدر خرج من حكم العنّة، لأنّ أحكام الوطء كلّها يتعلّق به من وجوب الغسل والحدّ والإباحة للزوج الأوّل وإفساد العبادات ـ الحجّ والصيام ـ بوجوب الكفّارات ووجوب المهر وثبوت الإحصان عندهم.

وإن كان قد قطع بعض ذكره وبقي ما يولج به فوطئها به فهل يخرج به من العنّة بأن يغيب منه قدر الحشفة أم لا؟ قيل: فيه قولان، أقواهما أنّه يخرج به، وقال قوم: لا يخرج.

...وإن أصابها في القبل وهي حائض أو نفساء، خرج من حكم العنّة بلا خلاف.»[1]

والدليل على كفاية الدخول قدر الحشفة هو الأخبار الدالة على تحقّق الدخول بالتقاء الختانين.

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(ع)، قال: «سئل‌: عن‌ الرجل‌ يصيب‌ المرأة‌ فلا ينزل‌، أعليه‌ غسل‌؟ قال:‌ كان‌ علي(ع) يقول‌: إذا مسّ‌ الختان‌ الختان‌ فقد وجب‌ الغسل‌.»[2] [3]

ومنها: صحيحة محمّد بن‌ مسلم‌ عن‌ أحدهما(ع)،‌ قال‌: «سألته‌ متى يجب‌ الغسل‌ على الرجل‌ والمرأة؟‌ فقال:‌ إذا أدخله‌ فقد وجب‌ الغسل‌ والمهر والرجم.»[4] [5]

المستفاد من الروايتين أنّ المراد من الدخول في الأخبار هي غيبوبة الحشفة أو التقاء الختانين.

ولكن اختلف الأصحاب فيما إذا لم يلتق الختانين في الواقع.

قال المحقّق الثاني في جامع المقاصد: «إذا انقلبت الشفران إلى الباطن وكانت الحشفة تلاقي ما انعكس من البشرة الباطنة، ففي اعتباره في ذلك ونظائره توقّف[6]

لكن لا وجه للتوقّف والإشكال في هذه الصورة، لأنّ الظاهر من الأخبار أنّ التقاء الختانين فيها حدّ للدخول، لا أن يكون له خصوصيّة في حدّ ذاته.

وبذلك يتّضح وجه صحّة دعوى الشيخ من كفاية الدخول بمقدار الحشفة في مقطوع الذكر، وإن أشكل بعض في الحكم[7] [8] .

كما من الواضح وجه كفاية الوطء حال الحيض أو النفاس أو الإحرام؛ لأنّ الوارد في الأخبار هو الدخول، سواء وقع حلالاً أو حراماً، فإذا قلنا بكفاية وطء غير الزوجة خلال السنة التي أمهل بها الزوج في إلغاء حقّ فسخ الزوجة، فلو زنى الزوج خلال المدّة، كفى ذلك أيضاً لإسقاط حقّ الزوجة في الفسخ.

 

تتمّة: حقّ الولي في إعمال الخيار

إذا كان الزوج أو الزوجة صغيراً، وكان في الطرف المقابل عيب يثبت حقّ الفسخ للزوج الصغير أو الزوجة الصغيرة، فهل للوليّ أن يأخذ بالخيار ويفسخ النكاح؟

قال العلامة في القواعد: «هل يثبت للأولياء الخيار؟ الوجه ذلك مع مصلحة المولّى عليه، زوجاً كان أو زوجة. ولو اختار الإمضاء لم يسقط خيار المولّى عليه بعد كماله في الفسخ.»[9]

وقال فخر المحقّقين في شرحه: «الكلام هنا في مسألتين:

الف ـ هل للأولياء الخيار في العيب المتقدّم على العقد أم لا؟ الأقرب ذلك مع مصلحة المولّى عليهم، لأنّ للأولياء تعمّل كلّ المصالح غير الطلاق، لأنّ النصّ أخرجه. ويحتمل عدمه، لأنّ النكاح يتعلّق بالشهوة وهي مختصّة بالزوجين. والأصحّ الأوّل.

ب ـ في العيب الحادث بعد العقد الوجه ذلك أيضاً، لما تقدّم. ويحتمل عدمه، لأنّ حقّهم في الكفاية إنّما يراعى في ابتداء العقد لا استدامته، لأنّ المرأة البكر لو رغبت في نكاح عبد كان لأوليائها منعه ـ إن قلنا: إنّ عليها ولاية ـ ولو عتقت أمة تحت عبد ورضيت بالمقام معه ثمّ جنّت، لم يكن للأولياء الفسخ.»[10]

والحقّ أنّه لا وجه لعدم شمول عمومات أدلّة الولاية لما نحن فيه ولا تؤدّي مدخليّة الشهوة في النكاح إلى عدم إمكانيّة إعمال الولاية، ولذلك يجوز إنكاح الولي للصغير والصغيرة بلا إشكال ودلّت العديد من الروايات عليه كما تقدّم في بحث أولياء العقد، ولو كانت مدخليّة الشهوة في النكاح مانعة من إعمال ولاية الولي، لكان المنع في بدء النكاح أولى ممّا نحن فيه. نعم؛ يتوقّف إعمال الولاية ـ كما تقدّم في سائر الموارد ـ على وجود مصلحة للمولّى عليه، فلا يكفي مجرّد عدم المفسدة فيه.

ولا وجه للفرق الذي افترضه فخر المحقّقين بين العيب الموجود حين العقد وبين العيب العارض بعده، لأنّ ما دلّ على ولاية الوليّ في نكاح الباكرة ظاهر في ولايته على العقد لا أكثر، فلو كان الولي مجنوناً حين العقد ثمّ أفاق بعده، فمخالفته لا تفسد العقد، وهذا وجه المثال الذي مثّل به في المسألة من أنّه إذا أعتقت الأمة ورضيت بالعقد السابق ثمّ جنّت فلا يحقّ لوليّها ردّ العقد، وإن كان فرض الجنون في المسألة زائداً والمثال صحيح حتّى من دون فرضه.

هذا مع أنّ الولاية فيما نحن فيه ليست من باب الولاية لمراعاة شرط الكفاءة في النكاح التي لا يسلب المولّى عليه الاختيار فيها وتكون لرضاه مدخليّة في صحّة النكاح، وإنّما من باب أنّه لكون المولّى عليه قاصراً فالوليّ يقوم مقامه في جميع شؤونه، ولا فرق في المسألة بين العيب الموجود حين النكاح والعيب العارض بعده.

کما أنّ ما ذهب إليه العلامة في خصوص بقاء حقّ المولى عليه للفسخ مع رضا الولي بالنكاح لا يخلو من إشكال.

قال المحقّق الکرکي في جامع المقاصد: «إنّ الحكم فيما إذا زوّج الوليّ ولم يعلم بالعيب واضح، أمّا إذا علم به ثمّ زوّج فإنّ فيه إشكالاً، لأنّه إن راعى الغبطة والمصلحة، كان في ثبوت الفسخ للطفل بعد البلوغ إشكال، ينشأ من أنّ تصرّف الوليّ بالغبطة ماضٍ عليه، ومن أنّ النكاح يتعلّق بالشهوة فلا يكون رضاه بالعيب ماضياً على العيب، وإن لم يراع الغبطة فالذي يقتضيه النظر عدم صحّة العقد بل يكون فضوليّاً.»[11]

لكن مقتضى التحقيق أنّه إذا كان إنكاح الصغير أو الصغيرة بصاحب العيب الموجب للفسخ مع علم الولي بالعيب أو علمه اللاحق به مع رضاه، وكان ذلك مطابقاً لمصلحة الصغير أو الصغيرة، فلا وجه لثبوت حقّ فسخ النكاح للصغير أو الصغيرة بعد البلوغ، لأنّ عمل الوليّ بمنزلة عمل المولّى عليه ورضاه بالنكاح في حكم رضا المولّى عليه ممّا لا يبقى بعده حقّ للفسخ. وما قاله المحقّق الثاني من أنّ بناء النكاح على الشهوة، فلا مدخليّة له في بحث الولاية كما تقدّم. إلا إذا لم يكن عمل الوليّ مطابقاً لمصلحة المولّى عليه، فإنّ الشارع لا يمضيه، فيبقى حقّ المولّى عليه لردّ النكاح أو فسخه ثابتاً.

نعم؛ إذا قال الوليّ: إنّ مصلحة العقد أو مفسدته ليست معلومة لي، ولذلك لا أفسخ النكاح حتّى يتّخذ المولّى عليه قراره فيه بعد البلوغ، لم يكن ذلك إمضاء من الوليّ للنكاح، ولذلك حتّى لو كان إمضاؤه بمصلحة المولّى عليه، كان للمولّى عليه أن يقرّر بعد البلوغ ويمضيه أو يفسخه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo