< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/03/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: کتاب النکاح/ التدلیس / أحکام التدليس

نظراً لما تقدّم، نتعرّض هنا لشرح المسألة التي ذكرها المحقّق الحلّي.

إذا تزوّج الرجل امرأة على شرط حرّيّتها ـ سواء على نحو الشرط المصرّح به أو الشرط الارتكازي ـ ثمّ تبيّن بعد العقد أنّها أمة ـ كلاً أو بعضاً ـ فلا إشكال في أنّه إذا كان العقد من دون إذن مالكها ثمّ أجاز بعد العلم بالأمر وكان الزوج ممّن يجوز له نكاح الإماء، فلا يفسد العقد.

والدليل عليه هي النصوص التي تدلّ عل صّحة النكاح بالإجازة اللاحقة من المولى:

منها: حسنة زرارة‌ عن‌ أبي جعفر(ع)، قال: «سألته‌ عن‌ مملوك‌ تزوّج‌ بغير إذن‌ سيّده‌؟ فقال:‌ ذاك‌ إلى سيّده،‌ إن‌ شاء‌ أجازه‌ وإن‌ شاء‌ فرّق‌ بينهما. قلت:‌ أصلحك‌ الله!‌ إنّ‌ الحكم‌ بن‌ عتيبة‌ وإبراهيم‌ النخعيّ‌ وأصحابهما يقولون‌: إنّ‌ أصل‌ النکاح‌ فاسد ولا تحلّ‌ إجازة‌ السيّد له.‌ فقال‌ أبو جعفر(ع): إنّه‌ لم‌ يعص‌ الله، إنّما عصى سيّده‌، فإذا أجازه‌ فهو له‌ جائز.»[1] [2]

على أنّ البعض ادّعى عدم الخلاف في المسألة مثل ابن إدريس[3] .

لكنّ الشيخ في المبسوط والخلاف ادّعى بطلان العقد في هذه الصورة.

قال الشيخ في الخلاف: «إذا عقد الحرّ على امرأة على أنّها حرّة فبانت أمة، کان العقد باطلاً، وكذلك القول في الزوج إذا كان حرّاً... دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.»[4] [5]

والظاهر من كلامه أنّه استند في فتواه إلى أخبار المسألة ويبدو أنّ مراده من الأخبار هي التي تقدّمت في صدر المسالة بعضها، وقلنا إنّ بعضها ـ مثل صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر(ع) ـ ظاهر في فساد العقد.

على أنّ صحيحة الوليد بن‌ صبيح‌ عن‌ أبي عبدالله(ع) والتي جاء فيها: «في رجل‌ تزوّج‌ امرأة‌ حرّة‌ فوجدها أمة‌ قد دلّست‌ نفسها له،‌ قال:‌ إن‌ كان‌ الذي زوّجها إيّاه‌ من‌ غير مواليها فالنكاح‌ فاسد...»[6] [7] أقوى من غيرها ظهوراً في فساد النكاح.

لكن كما تقدّم فيجب في مقام الجمع بين هذه الأخبار وبين حسنة زرارة أن تحمل الأخبار الدالّة علی الفساد على ما كان النكاح بغير إذن المولى ولم يجز العقد بعد ذلك أيضاً.

وأمّا الأخبار التي سبقت في بداية البحث فيمن نكح حرّة ثمّ زفّت إليه أمة، فأجنبيّة عمّا نحن فيه.

علماً بأنّ صاحب الجواهر برّر دعوى الشيخ بفساد النكاح بأنّه بما أنّ الوفاء بالشرط لازم، ويلزم منه ثبوت الخيار للمشروط له حال تخلّف الشرط، بينما لا يمكن الأخذ بالخيار في النكاح، فالعقد فاسد إذن.

وفي تبرير آخر له قال: بما أنّ الحريّة كانت من خصائص المعقود عليها، فبانكشاف كونها أمّة تبيّن أن النكاح المقصود لم يقع.

ثمّ أشكل هو على الاستدلالين بأنّ لزوم الوفاء بالعقد لا يقتضي بطلان العقد بواسطة تعذّر الأخذ بالخيار في النكاح، لا سيّما أنّ الأخذ بالخيار حقّ للمشروط له، وله أن يسقط هذا الحقّ عن نفسه.

وليس تشخّص العقد بكون الزوجة حرّة أشدّ من تشخّصه بالوصف الذي يثبت بانتفائه حقّ الخيار، لا فساد العقد[8] .

وبغضّ النظر عن عدم ورود الاستدلالات الآنفة في كلام الشيخ وعدم موافقتها لظاهر كلامه، فإنّ جواب صاحب الجواهر على الاستدلال الأوّل مقبول، لكن ردّه على الاستدلال الثاني غير تامّ، إذ لو كانت الحرّيّة قيداً لا وصفاً، فبانتفائها يبطل النكاح. على أنّ تخلّف الوصف إذا لم يكن بصورة الشرط لا يستلزم حقّ الفسخ.

ثمّ إنّه مع عدم رضا الزوج ببقاء العقد، فهل يمكنه الفسخ؟ بناء على ما تقدّم في خيار التدليس، فللزوج حقّ الفسخ في هذه الصورة.

ولكنّ المحقّق الثاني استدلّ على ثبوت خيار الفسخ بطريقة أُخرى فقال: «متى شرط العاقد حرّيّة الزوجة فظهرت أمة فله فسخ النكاح قطعاً، لأنّ ذلك فائدة الشرط، فإنّه يقلب العقد اللازم جائزاً، سواء دخل أم لا، فإنّ الدخول لا يسقط الخيار كما سبق في العيوب.»[9]

ومن الواضح أنّ الدليل المذكور غير تامّ، لأنّ الفسخ لو جاز بمجرّد الشرط، لجاز فسخ النكاح بسبب التخلّف عن أيّ شرط كان ولو لم يكن هناك تدليس، وهذا ما لا يلتزم به، وكما تقدّم فإنّه ليس في النكاح خيار تخلّف الشرط.

إذن فمستند جواز الفسخ هو عموم الأخبار الواردة في هذا الخصوص الذي تقدّم تفصيلها.

وبالنسبة إلى المهر، فإذا كان الفسخ قبل الدخول، فلا إشكال في عدم استحقاقها المهر، لا لكون المهر عوضاً عن البضع وعود كلّ من العوض والمعوّض إلى مالكه بعد الفسخ كما ذهب إليه بعض الأصحاب[10] وقد تقدّم الإشكال فيه بالتفصيل سابقاً، بل بسبب الأخبار الواردة في المقام ممّا سنتناول البحث عنه في الجلسة الآتية إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo